كرم جبر يكتب: سوريا

كرم جبر
كرم جبر

عام 2006 زرت سوريا، وأديت صلاة الجمعة فى المسجد الأموى، ويشبه إلى حد كبير مسجد الإمام الحسين، ويلفت الانتباه بشدة الدوائر الزجاجية الملونة فى الأسقف، وتعكس ألواناً جميلة عندما تسطع عليها الشمس.

أعجبنى جداً مجموعات المنشدين الذين يؤدون أذان الظهر بالتناوب، ويضفى ذلك خشوعاً ممزوجاً بالبهجة، وبالمناسبة فالمسجد الأموى من المساجد التى تشعر فيها بالارتياح النفسى بمجرد دخول ساحته.

تجولت بعد الصلاة فى سوق الحميدية أروع أسواق الدنيا، وكأنك فى عالم غريب من المتعة، خصوصاً فى الحارات المخصصة لبيع أوراق الزهور المجففة، التى نجح العطارون السوريون فى جعلها أدوية طبيعية للشفاء من الأمراض وتضفى نكهة طيبة على الطعام.

دمشق كانت تشبه مصر الجديدة فى الستينات، بحدائقها الواسعة وميادينها الفخمة التى لا تزيد عن أربعة أدوار، ويتسم السوريون بنفس الطيبة التى كانت تميزنا زمان، وكانوا يرحبون بنا بالجملة الشهيرة «أنت مصرى.. مرحباً».

فى ذلك الوقت كانت أمريكا وفرنسا بالذات تفكران فى تغيير النظام السورى، والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وكانت هناك دول أخرى ترفض ذلك وتحذر من خطورة تفكيك الدول، وتطرح البديل وهو «تهذيب النظام بدلاً من تغييره»، ونصبوا الفخ لدمشق بعد بغداد.

ولكن كان الخطر الأكبر الذى تغافل عنه النظام، هو استشراء الجماعات الدينية وتغلغلها فى المجتمع خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، وكتبت فى ذلك الوقت عن خريطة الجماعات الدينية فى سوريا، احتدام الصراع بين جماعات كثيرة بجانب نفوذ طهران وحزب الله، وأغضب المقال المسئولين السوريين، ولكنه كان رؤية من الواقع وليس نقلاً عن أحد.

آن الأوان أن يعود الاستقرار إلى سوريا، وأن تعود دمشق القوية الرابضة فى قلب الوطن العربى عزيزة كريمة أبية، وأن ترحل عن ترابها الميليشيات المسلحة والجماعات التكفيرية، وأن تترك الدول الخارجية الحق للشعب السورى فى العيش فى أمن وطمأنينة واستقرار.

يُحسب للرئيس بشار الأسد، أنه ظل صامداً فى ظروف داخلية وإقليمية وعالمية فى منتهى الخطورة والتخبط، فحافظ على دولته من السقوط فى وقت كان مستهدفاً أن تسقط دمشق بسرعة.
الخلاصة هى ضرورة الحفاظ على مكونات الدولة وهويتها وجيشها ومؤسساتها، لتوفر لشعبها الحياة الآمنة، وتحميه من الهجرة والتشرد ومعسكرات النازحين.

***

مصر ترفع شعار اتركوا البلاد تعيش وشعوبها تستقر، بدلاً من تفاقم الأوضاع بسبب استمرار التدخلات الخارجية، وحتى تستعيد الدول استقرارها وتهدأ الفتن والصراعات، وهذه الرؤية تجسد موقفاً مصرياً استراتيجياً لا يتغير ولا يتبدل، رغم أن المنطقة التى نعيش فيها كل يوم بحال يختلف عن حال.

الرئيس يؤكد دائماً فى خطابه السياسى مواقف مصر الثابتة التى لم تتلوث أيديها بنقطة دماء عربية واحدة، وأن جيشها للدفاع عن حدودها وتطهير التراب الوطنى من دنس الإرهاب، والمساهمة بفاعلية فى خطط التنمية الاقتصادية.