تحيا مصر.. وتحيا « الأخبار»

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

فى النصف الأول من عام 1952، كانت مصر تعيش حالة من الفوران، فمنذ حريق القاهرة فى 26 يناير من ذلك العام، كان كل شيء يوحى بأن البلاد مقبلة على أحداث كبيرة، وهو ما جرى بالفعل مع اندلاع الثورة فى 23 يوليو من نفس العام.

لكن قبل اندلاع ثورة يوليو بخمسة أسابيع فقط، كان شارع الصحافة على موعد مع ثورة أخرى، فجرتها جريدة وليدة حملت أعدادها الأولى اسم «الأخبار الجديدة»، فكان ميلادها مقترنًا بمخاض أكبر تعيشه مصر، وهكذا اقترن القدران، وبقى ذلك الشعور برابطة لا تنفصم، فالأخبار تجسيد دائم لما تعيشه مصر.
بدأت وعاشت «الأخبار» جزءًا حيًا من عقل وقلب الوطن، وفاعلاً رئيسيًا فى إثراء الحياة اليومية بما تحمله من أخبار طازجة، ومقالات تلمس نبض الناس، ومواد تصنع الوعى وتنميه. تتبدل الأزمنة والرؤى والوجوه، ولا تبدل «الأخبار» بوصلتها المنحازة للوطن والمواطن.

اختار عملاقا الصحافة المصرية وتوأمها مصطفى وعلى أمين، أن تخرج «الأخبار» مختلفة عن كل صحف ذلك الزمان، تحمل صفحتها الأولى عشرات الأخبار الصغيرة والسريعة، أقبل القراء على العدد الأول، لكنهم لم يستسيغوا ذلك التحول الكبير فى الممارسة الصحفية، فتراجع توزيع العدد الثاني، لكن العملاقين لم يستسلما.

أصر على أمين - دينامو الصحيفة وقتها- على زيادة جرعة الأخبار بالصفحة الأولى، واستمر بدأب يحسب له ويُحسد عليه، فى شق طريق مختلف وصناعة مذاق مغاير للجريدة الجديدة، حتى كان له ما أراد، ولم يكد يمر شهران على صدور «الأخبار» حتى اعتلت القمة، وصارت الجريدة الأولى فى مصر، متفوقة على صحف أخرى عريقة.

هذا الدرس الأول، لا يزال حيًا فى جينات كل من تشرف بالانتماء لجريدة «الأخبار» على اختلاف الأجيال ومر الأزمنة، فالأخبار كانت ولا تزال صحيفة لا تستسلم للتيار السائد، بل تسعى دائمًا لصناعة مسارها الخاص، لا يتوانى أبناؤها عن الابتكار والتجديد من أجل خدمة القارئ فى كل مكان وزمان.
واليوم تتبدل ظروف صناعة الصحافة، ويشهد بلاط «صاحبة الجلالة» متغيرات هائلة، لا تقتصر فقط على الأدوات، بل يمتد إلى الدور الذى يجب أن تلعبه الصحافة فى عالم يشهد تحولات عاصفة، لكننا مصممون على استمرار الرسالة والدور التنويرى بأدوات العصر وتقنياته.

اليوم ونحن نضيء شمعة جديدة فى عمر جريدتنا الشابة المتجددة دائمًا، نتعهد بأن نحافظ على هذا الإرث الضخم من التميز، وأن نجتهد كى نضيف لبنة ولو صغيرة فى صرح ولد عملاقًا، أن نبقى أوفياء لتلك الروح التى يمتاز بها كيان يباهى بأنه «دار» قبل أن يكون «مؤسسة».

نستقبل عامًا جديدًا نعاهدكم فيه بالمحافظة على العهد الذى صنعه التاريخ ووثقته الأيام والسنوات بين وطن وجريدة، تكتب صباح كل يوم شهادة ميلاد جديدة فى حب الوطن واحترام المواطن.

كل عام ونحن على درب الحقيقة سائرون .. ولتحيا مصر وتحيا «الأخبار»