أحمد منتصر يكتب: قدر المبدعين

أحمد منتصر
أحمد منتصر

يظن البعض أن المبدعين ينعمون بحياة خاصة، خلقت من أجلهم، وأن لعقولهم أبوابا مفتوحة على السماء، وأن لهم من الأفكار والخواطر ما يشتهون دون عناء، والحق أن بعض العقول قد تقف عاجزة أمام تفسير واستيعاب آلية عمل نظيراتها من العقول المبدعة، غير أنهم ليسوا فى حاجة لمعرفة ذلك، طالما أنهم يستمتعون بمنتج هذه العقول، فهم ينعمون فى حدائق من الفنون أسسها وشيدها المبدعون.

الحقيقة أن للمبدعين فتحًا من السماء، ومددًا خاصًا بهم فى فهم وتفسير النفس البشرية بدقة شديدة، ولهم من الفن قدر غير مشروط، ومن الخيال رزق واسع، فتسبح فى عقولهم الأفكار، وتعمل حواسهم بعبقرية شديدة، وتتسع أرواحهم لتسع أرجاء السماء والأرض، فهم يغرقون فى التفاصيل ويدخلون فى حالات من الشرود الذهنى، ويخوضون حروبا نفسية ضارية أمثال التى تترك وراءها الإبادة لكثير من مظاهر الحياة ومع ذلك يحولونها إلى نسيج من الفنون ينعم به غيرهم.

لذا وبرغم ما بينهم وبين السماء إلا أن قدرهم يبدو قاسيًا، فهم أسرى الإبداع والمعاناة؛ فى الليل يسافرون بين الأكوان والعوالم البعيدة، وفى النهار يهنأون بلحظة ناعسة تكفيهم، يتوارون عن الأنظار ويتقلبوا بين الشخوص والحيوات، يمارسون الوجود بكل معنى للإنسانية، يأسرهم الإدراك التام والوعى الشامل، يطرقون كل أبواب الحقيقة ويرسمون دروبًا للجموع، عن قصد أو غير قصد فهو قدر لا مفر منه، ويا ليت لهم أن ينعموا بإبداعهم كما ينعم الآخرون به.

وإذا أردت معرفة أحدهم فلك أن تسأل السماء، سل النجوم عن أسرارهم، سل الوحدة والقمر، سل أذرعهم وحدها التى تضم أضلعهم، سل وسائدهم التى تحمل عقولهم فى الليل، سل الطرق التى سلكوها والأبواب التى طرقوها، سل الجمال مسكنهم والصمت مأمنهم، سل الهواء فى صدورهم والحيرة فى عيونهم والأحلام فى نومهم.
أزعم أنى على مقربة ببعضهم، لذا لهم منى السلام: إسلام كوجاك، معتز الإمام، أحمد عباس وعبد الصبور بدر.. سلامًا على قلوبكم النابضة وعقولكم الثائرة وأرواحكم الطائفة.