كلام والسلام

عن النسيان

خالد حمزة
خالد حمزة

مرة‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬نزار‭ ‬قبانى‭: ‬هل‭ ‬لاحظــتم‭ ‬أن‭ ‬الجــراح‭ ‬وحـــدها،‭ ‬هــى‭ ‬التى‭ ‬تملك‭ ‬ذاكـــرة‭ ‬قــوية،‭ ‬وأن‭ ‬الفرح‭ ‬لا‭ ‬ذاكـــرة‭ ‬لـــه،‭ ‬الفـــرح‭ ‬عـصـفـور‭ ‬من‭ ‬زجاج،‭ ‬يرتفع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬عشرة‭ ‬أمتار،‭ ‬ثم‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ويتهشــم،‭ ‬أمـــا‭ ‬الحـــزن‭ ‬فهو‭ ‬هذه‭ ‬الســنونوة‭ ‬الســـوداء،‭ ‬التى‭ ‬تحمـــل‭ ‬أولادها،‭ ‬وتعشعش‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬العين‭ ‬ومدخل‭ ‬القلب،‭ ‬وترفض‭ ‬أن‭ ‬ترحل‭. ‬

وعــــــــــالــم‭ ‬النفــــــس‭ ‬الأشــــــــهـر‭ ‬فــــــرويد‭ ‬قال‭: ‬نحن‭ ‬ننسى‭.. ‬بعـــــد‭ ‬5‭ ‬دقــــائق‭ ‬مـــن‭ ‬صحيانك،‭ ‬تنسى‭ ‬نصف‭ ‬الحلم،‭ ‬وبعد‭ ‬10‭ ‬دقائق،‭ ‬تنسى‭ ‬90‭ ‬بالمائة‭ ‬منه‭.‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء،‭ ‬الذيــــــن‭ ‬اســـــتلهمــوا‭ ‬كــتــــــاباتهــــم‭ ‬مـــــــــــن‭ ‬أحلامــــهـم،‭ ‬مـــثل‭ ‬الشــــاعـــر‭ ‬الإنجــــليزى‭ ‬صامويل‭ ‬تايلور،‭ ‬الذى‭ ‬استلهم‭ ‬أفضل‭ ‬قصائده‭ ‬قوبلاى‭ ‬خان‭ ‬وهو‭ ‬نائم،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬صحا‭ ‬بدأ‭ ‬فورا‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬فى‭ ‬حلمه،‭ ‬ولكن‭ ‬قاطعه‭ ‬أحد‭ ‬زواره،‭ ‬وحين‭ ‬عاد‭ ‬للكتابة،‭ ‬نسى‭ ‬باقى‭ ‬الحلم،‭ ‬ولم‭ ‬تكتمل‭ ‬قصيدته‭ ‬أبدا‭.‬

ومما‭ ‬رواه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬سقراط‭ ‬عن‭ ‬صديق‭ ‬له‭: ‬زوجتى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬صباحا،‭ ‬عندما‭ ‬أكون‭ ‬ذاهبا‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬تذكرنى‭ ‬بشىء‭ ‬نسيته،‭ ‬أحياناً‭ ‬مفاتيح‭ ‬المنزل،‭ ‬أو‭ ‬أوراقى،‭ ‬وتقول‭ ‬لى‭ ‬بأننى‭ ‬كبرت‭ ‬فى‭ ‬السن،‭ ‬وأعانى‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الذّاكرة‭.  ‬

قررت‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬حدا‭ ‬لهذه‭ ‬السخرية،‭ ‬فقمـــت‭ ‬بتــــدويــــــن‭ ‬كل‭ ‬الأشــــــياء‭ ‬الـــــــتى‭ ‬أنســــاهــــا،‭ ‬وعــــندمـــــا‭ ‬استيقظــــــــت‭ ‬فــــــى‭ ‬الصــــباح،‭ ‬وقـــبل‭ ‬خـــروجـــى‭ ‬مـــن‭ ‬المـــنزل،‭ ‬أخذت‭ ‬الورقة‭ ‬وبدأت‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬وابتسمت‭ ‬وغادرت‭ ‬المنزل،‭ ‬شعرت‭ ‬حينها‭ ‬بالانتصار،‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬إلا‭ ‬لحظات،‭ ‬حتى‭ ‬لحقت‭ ‬بى‭ ‬زوجتى،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ :‬لا‭ ‬تعطلينى‭ ‬عن‭ ‬الذهاب،‭ ‬فلم‭ ‬أنس‭ ‬اليوم‭ ‬شــــيئا،‭ ‬ردت‭: ‬عـــد‭ ‬إلـــى‭ ‬المــــنزل‭.. ‬فاليـــــوم‭ ‬عطلة‭!‬

[email protected]