خالد داوود: طرح افكار الأحزاب للحوار الوطني في الإعلام

خالد داوود مقرر مساعد لجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني
خالد داوود مقرر مساعد لجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني

أكد خالد داوود مقرر مساعد لجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني ، أن الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية انطلق في وقت تواجه فيه الأحزاب السياسية في مصر العديد من المشاكل والعقبات، وربما تكون نقطة البداية في تناول وضع الأحزاب السياسية المصرية الإقرار بغياب نظام تعددي حقيقي وفقا لما نص عليه دستور 2014 يسمح لتلك الأحزاب القيام بدور فاعل في الحياة السياسية من خلال تداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة وممارسة دور رقابي حقيقي على مؤسسات الحكم.

رسميًا.. قبول استقالة خالد عباس نائب وزير الإسكان 

وأضاف: الحقيقة الموضوعية هي أن النظام السياسي القائم في مصر منذ صدور قرار رسمي بحل الأحزاب السياسية في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 يقوم على حكم الحزب الواحد والذي يتمحور دائما حول شخص رئيس الجمهورية، وبغض النظر عن إسم ذلك الحزب أو الرئيس.

وحتى بعد أن سمح الرئيس الراحل أنور السادات بالتعددية الحزبية المقيدة في 1976، فلقد تم ذلك في ظل إدراك أن الحزب الحاكم (حزب مصر ولاحقا الحزب الوطني) قد حل مكان التنظيم السياسي الوحيد الذي كان قائما في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الإتحاد الإشتراكي.

وتابع: لأن ثورة يوليو وقعت في أعقاب تجربة ليبرالية مقيدة كان للأحزاب السياسية فيها دورا بارزا وعرفت مصر الانتخابات التنافسية، فلقد سعى النظام الجديد إلى ترسيخ معتقدات من قبيل أن تلك الأحزاب كانت فاسدة وتشغلها المصالح الحزبية والشخصية عن مصالح الوطن وكانت تتنافس في كسب الود الملك او ممثلي الإحتلال الإنجليزي. وكان البديل هو ترسيخ فكرة أن مصلحة الوطن تتطلب قيام حزب واحد يضم "قوى الشعب العاملة" ويخدم مصالح الغالبية العظمى من المواطنين بعيدا عن المنافسة الحزبية المقيتة.

وأشار إلى أن غياب الأحزاب أدى إلى غياب الانتخابات التنافسية، او في انتخابات صورية لمجالس نيابية يتم اختيار اعضاءها بناء على الولاء للرئيس والحزب الحاكم. وعندما سمح السادات بقيام الأحزاب، فلقد قرر مسبقا عدد الأحزاب التي ستحصل على الصفة الرسمية وتوجهاتها السياسية (ليبرالي-يسار-وسط)، وعندما تجاوزت الأحزاب المعارضة ما رأى أنه خطوط حمر في مواجهته، قام في سبتمبر 1981 بالقاء القبض على الآلاف من المعارضين وجمد نشاط الأحزاب والصحف المرتبطة بها والتي مثلت في ذلك الوقت الشكل الوحيد المتاح للتعبير عن الآراء المعارضة.

وأضاف: بعد انطلاق التجربة الحزبية مجددا في عهد الرئيس السادات، حافظ خلفه مبارك على نفس الإطار الذي كان قائما على أساس أن الحزب الحاكم من المقرر سلفا أن يحصل على ما يزيد عن ثلثي مقاعد مجلس النواب لكي يتم تمرير كل القوانين التي تقدمها الحكومة ويتم إقرار التجديد للرئيس عبر الاستفتاءات، مع السماح للأحزاب المعارضة محدودة العددد بالتواجد في سياق هامش ضيق ومحدود لا يسبب ازعاجا او تهديدا حقيقيا للحكومة. ورغم تمسك الرئيس السابق مبارك بالتعامل مع جماعة الإخوان على انه تنظيم محظور رسميا، فلقد كانت الأجهزة الأمنية تتفاوض مع قيادات ذلك التنظيم لتحديد عدد المقاعد التي سيحصل عليها في مجلس النواب في اطار رؤية تلك الأجهزة لكيفية ادارة المشهد السياسي الداخلي والسماح للمعارضة بهامش محدود من التواجد، بما في ذلك الإخوان. وفي نفس الوقت تم اضعاف الأحزاب المدنية اليسارية والليبرالية والقومية ومنعها من ممارسة أي نشاط خارج حدود مقراتها، إلى جانب افتقار تلك الأحزاب للتمويل الضخم الذي كانت تتمتع به جماعة الإخوان سواء عبر تبرعات اعضاءها أو التبرعات السخية القادمة من الخارج.

وأوضح: كان من المستحيل عمليا في عهد مبارك إنشاء أحزاب جديدة بسبب القيود القانونية العديدة، وسيطرة الحزب الوطني الحاكم على لجنة شؤون الأحزاب. وكان الأمين العام السابق للحزب الوطني ووزير الإعلام صفوت الشريف هو الذي يترأس لجنة شؤون الأحزاب والتي لم تمنح ترخيصا واحدا تقريبا بإنشاء حزب جديد طوال العقود الثلاث التي شغل فيها مبارك منصب الرئاسة.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011 واطلاق حرية إنشاء الأحزاب للمرة الأولى منذ 1952، ظهر على السطح عشرات الأحزاب الجديدة، وهي ظاهرة طبيعية ومعروفة في كل الدول التي تمر بمرحلة انتقالية بعد نظام سلطوي استمر في الحكم لعقود طويلة. والأصل في الدساتير المصرية المتعاقبة هو اطلاق حرية إنشاء الأحزاب والحق في العمل الحزبي والتنافس في انتخابات حرة ونزيهة، وبالتالي فإن عدد الأحزاب لا يجب أن يشكل مصدر للقلق أو النظر عليه كأحد أسباب ضعف الحياة الحزبية في مصر.

 

 فالناخبة والناخب هم من سيقررون في النهاية من هي الأحزاب التي ستستمر في التواجد عبر انتخاب مرشحيهم او زوال تلك الأحزاب مع الوقت. وفي العديد من الدول الديمقراطية قد تنشأ أحزاب جديدة غير معروفة من قبل، ولكنها تتمكن من التقدم بأفكار أو مرشحين ينالوا ثقة الشعب ويزيد حجم تمثيلهم لاحقا. ولذلك فإن الأصل هو حرية إنشاء الأحزاب وتسهيل القوانين المتعلقة بذلك، وليس السعي لتقييد إنشاء الأحزاب او مطالبتها بالإندماج نتيجة لتشابه الأفكار.

 

وفي أعقاب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه في العام 2014، تراجع للأسف دور الأحزاب السياسية والتي كانت قد نشأت للتو في أعقاب ثورة 25 يناير، ولكنها تمكنت من لعب دور بارز في حشد الشارع لمواجهة السياسات المدمرة لتنظيم جماعة الإخوان بعد تمكن الرئيس الراحل محمد مرسي من الفوز بمنصب الرئاسة، وذلك من خلال تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني. وكانت الجبهة هي الممثل لكل القوى السياسية تقريبا التي تمسكت بمدنية الدولة ورفض خطط جماعة الإخوان التي دفعت بمصر نحو خطر الحرب الأهلية.

 

الشعبية التي حظي بها الرئيس السيسي بعد وصوله لمنصبه والخطر الذي مثلته الجماعات الإرهابية أعادت تركيز كل السلطات في يده، وغاب دور الأحزاب، خاصة مع تعمد الترويج لمقولات من نوع أن الرئيس "ليس رجل سياسة" و"لا يردد كلام السياسين" بل هو "رجل عمل وانجاز وتحرك سريع." وأدى ذلك الخطاب إلى العودة لترسيخ الفكرة القائمة بالفعل في مصر منذ عقود ومفادها أن الأحزاب كيانات لا تهمها سوى المصالح الأيدلوجية الضيقة والصراعات الشخصية.

 

وتعاملت الأجهزة الأمنية مع الملف السياسي الداخلي على أنه قضية "أمن قومي" وبدأت في التضييق مجددا على نشاط الأحزاب الحديثة التي نشأت بعد ثورة 25 يناير، خاصة الأحزاب التي عارضت سياسات الرئيس.

 

ورغم الشراكة التي كانت قائمة مع تلك الأحزاب في ثورة 30 يونيو و3 يوليو 2013، فلقد انقلب الحال إلى إتهام تلك الأحزاب بالعمل لصالح جماعة الإخوان المحظورة ومساعدتها في تحقيق أهدافها بسبب تبنيها لمواقف معارضة. وتصاعد التضييق على أنشطة تلك الأحزاب المعارضة، خاصة في أعقابها رفضها للتعديلات الدستورية التي تم تمريرها في مطلع العام 2019، وتم منع رؤسائها من الظهور في وسائل الإعلام المحلية، بل وشن حملات هجوم منتظمة على قادة تلك الأحزاب واتهامهم بالعمل ضد مصلحة الوطن والقبض على اعضاءها وحبسهم احتياطيا.

 

ومن هنا، فإن نقطة الإنطلاق لعودة الأحزاب السياسية المعارضة لممارسة دورها وعملها هي إطلاق سراح كل السجناء السياسين المحبوسين على ذمة قضايا رأي وليس لهم أي علاقة من قريب أو بعيد بالجماعات التي تدعو للعنف ويحظرها القانون. ولقد بدأت بالفعل عملية تدريجية لاطلاق سراح العشرات من أعضاء الأحزاب المعارضة في أعقاب دعوة الرئيس للحوار الوطني في افطار الأسرة المصرية في 26 ابريل 2022. ولكن ما زالت أعداد المفرج عنهم قليلة والمعدلات بطيئة.

 

ويعتبر إطلاق سراح السجناء السياسين خطوة أولى ضرورية لكي يشعر أعضاء الأحزاب السياسية المعارضة بالقدرة على ممارسة نشاطهم القانوني في أمان من دون الخشية من الحبس لفترات مطولة، أساسا بسبب ممارستهم لحقهم الأساسي في حرية الرأي والتعبير، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي او في مقابلات صحفية وتلفزيونية.

 

وبالتالي، فإن أول خطوة لازدهار العمل الحزبي في مصر هي تأكيد السلطات على إنتهاء فترة القاء القبض على المعارضين والمواطنات والمواطنين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم، والسماح للأحزاب بالعمل بحرية وتنمية كوادرها وطرح افكارها عبر وسائل الإعلام وعن طريق الاتصال المباشر مع المواطنين في الشارع في القاهرة والمحافظات. ولا تعمل الأحزاب السياسية بمفردها، ولا بد أن يتزامن مع عودتها للنشاط الغاء القيود المفروضة على وسائل الإعلام والسماح لها بعرض مختلف الآراء.

 

كما ترتبط قدرة الأحزاب على العمل كذلك بقوانين انتخابات عادلة تسمح لها بتقديم مرشحين يطرحون الأفكار الخاصة بهم. وبالتالي تطالب أحزاب المعارضة بتعديل قانون الانتخابات واعتماد نظام القوائم النسبية كوسيلة لدعم الحياة السياسية والحزبية في مصر، وذلك بعد أن تبين ان نظام القائمة المطلقة المغلقة لا يؤدي سوى لهيمنة الصوت الواحد والاتجاه الواحد داخل البرلمان. ولا يمكن لأحزاب صغيرة جديدة نشأت منذ عشر سنوات فقط ان تقدم مرشحين في قائمة يبلغ عدد اعضاءها المائة وتغطي العديد من المحافظات. والنظام المطلق يسمح للفائز بخمسين زائد واحد من حصد كل مقاعد القائمة، في اهدار واضح لاختيارات الناخبين وحرمان الأحزاب الحاصلة على نسب من الأصوات من الحصول على أية مقاعد.

 

ويرتبط عمل الأحزاب كذلك بأجواء الحريات العامة في مصر، واذا لم يشعر المواطن أن حقوقه الأساسية مضمونة، فإنه لن يقدم على ممارسة العمل السياسي. ولذلك لا بد من ترسيخ حقوق أساسية مثل الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في محاكمة عادلة وعدم جواز تقييد الحرية لفترات مطولة تحت مسمى الحبس الاحتياطي. ولذلك يأتي على رأس مطالب الأحزاب المعارضة تعديل القانون القائم للحبس الاحتياطي وتفعيل مواد الدستور في هذا الشأن وكذلك ما ورد في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

 

وفي إطار السعي لدعم دور الأحزاب السياسية في مصر، لا بد من مراجعة قانون الأحزاب، ودور لجنة شؤون الأحزاب في تنظيم العمل الحزبي وازالة القيود المفروضة في هذا الصدد، والبحث عن الأشكال الملائمة لتمويل الأحزاب من خلال أنشطة تتفق مع ما ورد في القانون. ونحتاج في هذا الصدد إلى تأكيد أن دور الأحزاب السياسية لا يجب ان يتمثل في تقديم خدمات عينية للمواطنين او المساعدة في حل المشاكل اليومية، بل تقديم أفكار وطرح سياسات بديلة تساهم في تقدم الوطن وحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك لا بد من الإسراع في عقد الانتخابات المحلية ودعم المجالس المحلية التي ستخفف الكثير من الأعباء الملقاة على عاتق نواب البرلمان المنتخبين واعتبارهم "نواب خدمات."

 

ولكن تبقى نقطة البداية فتح المجال العام في مصر على الأصعدة السياسية والإعلامية، واحترام نصوص القانون والدستور، وادراك ان التعددية تخدم الوطن وتساهم في خلق مؤسسات قوية وتمنع الفساد نتيجة لوجود رقابة شعبية عبر مجالس منتخبة في عملية اقتراع حرة ونزيهة.