شبكات تهريب الآثار مستمرة لان متاحـف العالم تشترى القطع المسروقة

حواس: إصدار وثيقــة للمطالبة بعودة القبة السماوية ورأس نفرتيتي وحجر رشيد

محرر أخبار الحوادث أثناء حواره مع د. زاهى حواس
محرر أخبار الحوادث أثناء حواره مع د. زاهى حواس

فى جعبة الأثري المخضرم وعالم المصريات المعروف د. زاهي حواس الكثير من الحقائق والأسرار عن ماڤيا تهريب الآثار والشبكات التي ورائها، وضلوع متاحف العالم في شراء الآثار المصرية المُهربة، وقوانين اليونسكو التي أسهمت بشكل أو بآخر في عرقلة مسيرة الدولة المصرية لاسترداد آثارها المنهوبة، وأحداث يناير وما كان فيها من اقتحام المتحف المصري وسرقة مقتنيات أثرية من أهم مقتنياته، ودور الجماعة الإرهابية في تحريم الآثار المصرية وفتواهم بعدم حرمانية بيعها والمتاجرة فيها، وفترة توليه حقيبة الآثار في أكثر الفترات التي تعرضت فيها البلاد للفوضى والانعدام الأمني، وعن أهم الأثار التي تم تهريبها، وإطلاقه دعوات يطالب فيها بعودة حجر رشيد، ورأس نڤرتيتي، والقبة السماوية.. كل هذه التفاصيل وأكثر يوضحها «حواس» في حوارنا معه.. وإلى نص الحوار.

- بمناسبة مرور ٢٠٠ سنة على فك رموز حجر رشيد.. كيف كان تصور المصريين عن الآثار المصرية القديمة قبل اكتشاف لغة المصريين وحضارتهم؟
لم نكن نعرف أي معلومة عن المصريين القدماء قبل فك رموز حجر رشيد، وكانت الآثار المصرية عبارة عن صور وطلاسم وحروف لا نفقه عنها شيئًا، وبالتالي يُعد حجر رشيد المفتاح الذي استطاع فتح باب كل ما يخص أسرار الحضارة المصرية القديمة، وكان ما قام به شامبليون من فك رموز الحجر عملا عظيما وحدثا عالميا حدث من ٢٠٠ سنة، وكان اللبنة الأولى التي رسخت لعلم المصريات.

- كيف بدأت دعوات عودة حجر رشيد. وما السبب وراء إطلاق هذه الدعوات خصوصًا بعد مرور ما يقرب من ٢٠٠ سنة على تهريبه؟
لم تكن دعوات عودة حجر رشيد وليدة اللحظة، وإنما بدأت الدعوات من ٢٠١٠، وذلك عندما أرسلت خطابا وقتها بصفتي الأمين العام للمجلس الأعلى لهيئة الآثار المصرية إلى متحف «برلين» من أجل عودة «رأس نفرتيتي»، وخطاب إلى المتحف البريطاني من أجل عودة حجر رشيد، وخطاب إلى متحف «اللوفر» من أجل عودة «الزودياك الدائري» القبة السماوية، وخطاب إلى «بيلديزيس» من أجل عودة تمثال مهندس الهرم الأكبر «حم أيونو»، وخطاب إلى متحف «تورينو» من أجل عودة تمثال رمسيس الثاني.

وقلت في البداية إن هذه القطع الخمسة تأتي إلى مصر على سبيل الإعارة لمدة ٣ أشهر لعرضها في المتحف الكبير الذي كان مقررا افتتاحه في ٢٠١٥، لكن جميعهم رفضوا، مما أثار دهشتي وغضبي، فهذه القطع آثار مصرية خالصة، ومن حق مصر أن يكونوا على أرضها، ثم أننا كثيرًا ما أرسلنا إليهم بعثات بالمجان، ونسمح لهم بالعمل في التنقيب على أرضنا، وطلابهم يتدربون هنا في مصر، وكانت أسباب الرفض أن هذه القطع لن تتحمل مشقة السفر ونقلها من مكان إلى آخر، وهي طبعا حجة واهية وسبب غير مقنع، وعليه قررت أن أقوم بمجموعة أبحاث وتقارير أثبت فيها كيف خرجت هذه القطع الخمسة من مصر، والطريقة التي وصلت بها إلى أماكنها الحقيقية، وفعلا أثبت أن رأس نفرتيتي سرقت من مصر عن طريق «هيرمان بورخارت» عام ١٩١٢، وظلت في بيته في بريطانيا ١٠ سنوات، وحجر رشيد خرج عندما أهدته فرنسا إلى إنجلترا حتى يفكوا عنهم الحصار ويسمحون بعودتهم إلى بلادهم، وأخذته بريطانيا على أنه هدية وهو في الأصل حق مصري خالص.
والقبة السماوية سُرقت أيضًا من قبل فرنسي استطاع إخراجها من معبد «دندرة». وقلت إن الطريق الأول للمطالبة بعودة الآثار المصرية أن أطلب عودة هذه القطع ذات الأهمية الأكبر.

- بعد إثبات تهريب هذه القطع الخمسة.. كيف كانت الإجراءات التي اتخذت في سبيل استردادها؟
بدأت في الأول بالمطالبة بعودة رأس نفرتيتي ونجحنا في إثبات من خلال اللجنة القومية للآثار المستردة أن الرأس خرجت بطريقة غير قانونية، وأرسلنا خطابًا رسميًا إلى برلين للمطالبة بعودة الرأس، وحصلت على موافقة رئيس الوزراء حينها، لكن إدارة المتحف تمادت في تقديم حجج واهية، ومع بداية أحداث ٢٠١١ والاضطرابات التي شهدتها مصر أغلق هذا الملف وقتها.

وبالعودة إلى حجر رشيد، وهو - لرمزيته - أيقونة الحضارة المصرية، ومكانه الطبيعي المتحف المصري الكبير. لذلك في أكتوبر القادم سوف أكتب وثيقة لعودة الحجر، وسوف يوقع عليها كل مثقفي العالم، للمطالبة بعودة الحجر، ورأس نفرتيتي، والقبة السماوية، ولو افترضنا أن هذه الدعوات لم تجد صدى، يكفيني أن أكون قد وضعت الأساس الذي من الممكن أن يأتي غيري ويستكمل الطريق، وهذه الدعوات من شأنها تكوين رأي عام عالمي بأن هذه المقتنيات من حق مصر.
بالعودة إلى ملف تهريب الآثار المصرية، برأيك ما الذي يشجع شبكات تهريب الآثار على مواصلة عملها في تهريب الآثار المصرية؟

السبب الأول في رأيي أن المتاحف التي تعرض الآثار المصرية، حتى يومنا الحالي تقوم بشراء الآثار المسروقة، وليس لديها أدنى مشكلة في الطريقة التي خرجت بها هذه الآثار من مصر، وعلى سبيل المثال، متحف «المتروبوليتان» مثلا، والذي تدخل النائب العام الأمريكي موخرًا واكتشف شراءهم ١٦ قطعة آثار مصرية مسروقة، وتم عودتهم إلى مصر مؤخرًا، وهذا يرسخ لأن المتاحف إذا ما توقف عن عمليات شراء الآثار المسروقة فإن شبكات تهريب الآثار ستواصل عملها في محاولة سرقة تاريخنا، طالما أن بضاعتهم لها من يشتريها.
وبالمناسبة هذه المبادرة التي سأقوم بها مبادرة شعبية وليست حكومية، وأتمنى أن يكون لها صدى واسع في العالم كله، وأدعو كل المهتمين بالآثار أن ينضموا إلينا.

قوانين اليونسكو مجحفة.. وأصّلت لعمليات تهريب الآثار المصرية

- هل هناك إطار قانوني يمكن أن تتخذه الدولة للمضي قدمًا في إجراءات عودة الآثار المصرية المهربة وعلى رأسها حجر رشيد؟

للأسف اليونسكو أصبحت هيئة ليست لها أهمية ٱطلاقًا، وانحرفت تمامًا عن مسار حماية الآثار والحفاظ عليها، وأطلقت عدة قوانين صعبت من الإطار القانوني للمطالبة بعودة القطع الخمسة، ومن ضمن هذه القوانين ما نص على أن الآثار المصرية التي سُرقت قبل 1970 لا يحق المطالبة بها، والآثار التي سرقت بعد هذا التاريخ يحق المطالبة بها، مع الوضع في الاعتبار تقديم ما يثبت أنها سرقت من مصر، وهذا القانون أنا أراه مجحفًا وظالمًا، ولا يسهم في حفظ حقوق الدولة المصرية، ويهدر حقها في استرداد آثارها.

وقد أطلقت اليونسكو هذا القانون بعدما أقامت عدة مؤتمرات عن سرقة الآثار، واستطاعت الجهات والدول التي اتهمتها مصر بسرقة الآثار، الاستعانة بمحامين دوليين على أعلى مستوى، تلاعبوا بالقوانين واستطاعوا إثبات ما ليس من حقهم، وهذا ما لن تقدر عليه مصر في الاستعانة بهم للتكلفة العالية والمطالب الباهظة، وبالتالي القوانين الدولية والإجراءات القانونية ليست لها فائدة لأنها تتعارض مع قوانين اليونسكو، التي تشكل حاجزًا صعب علينا إمكانية اجتيازه، وهذه المبادرة الشعبية في مقدوري أهم وأضمن من أي إجراءات قانونية قد تستغرق وقتًا دون أي فائدة مرجوة.
ترجع رمزية حجر رشيد لكونه الباب الأول لكشف الحضارة المصرية، تفتح أمامنا الأبواب الأخرى التي بها تم التأكد من لغة المصريين القدماء ووضع تعريف لها واكتشاف حضارتهم.

إسهامات كثيرة بعد حجر رشيد وفك رموزه أوضحت أكثر وأكثر اللغة المصرية القديمة، منها خراطيش بطليموس وكليوباترا، ومقارنات اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية التي اشتقت منها، وحتى الآن لا زالت اللغة القبطية موجودة في الكنائس والصلوات، ثم في أوائل الألفينات تم اكتشاف 4 أحجار يشبهون حجر رشيد، وعليهم كتابات اللغة المصرية القديمة، وأسهموا بشكل أو بآخر في تأصيل اللغة القديمة وفهمها فهمًا أوضح وأشمل، لكن يظل حجر رشيد هو أيقونة الحضارة المصرية ومكانه الطبيعي المتحف المصري الكبير.

- هل إهداء بريطانيا نسخة من حجر رشيد بمناسبة الاحتفالية يعطيها الحق القانوني لامتلاكه واستنساخه؟
يعني إيه نسخة، إطلاقًا، إنجلترا بإهدائها نسخة من حجر رشيد تريد أن تزيل عنها عبء الدعوات المطالبة بعودة الحجر، وهذا نوع من المسكنات، بالمنطق: «حاجة بتاعتي ويوم ما أقول عايزها تعمل واحدة شبهها وتهديهالي»، المعروف أن هذا الحجر سرقهُ الفرنسيون، وأهدوهُ إلى إنجلترا، وهذه الحقيقة يعرفها العالم كله.

أقولك: «في مرة كنت في زيارة لإلقاء محاضرة في المتحف البريطاني، وبعدها أقاموا لي حفل عشاء وسط الآثار المصرية، وقتها قلت على سبيل الدعابة: «أنا الوحيد اللي اقدر أتكلم مع الفراعنة، وجالي رمسيس الثاني وتحتمس وقالولي انهم مش عايزين يفضلوا هنا وعايزين يرجعوا بلدهم، وبعد كده قالولي خد حجر رشيد معاك الأول وابقى رجعنا بعد كده».
هذه الدعابة تعاملوا معها بجدية وتحدثت عنها الصحف الإنجليزية، وفي اليوم الثاني نقلوا حجر رشيد من مكانه في المتحف - واللي كان بالمناسبة مكانا سييئا ومظلما -  إلى أكثر أماكن المتحف أهمية وإضاءة.

- كان عام ٢٠١١ - بخصوص الاضطرابات وأحداث يناير - من أكثر الأعوام التي شهدت فيه البلاد تهريبًا للآثار.. ما حجمها وأبرزها؟
لا أحد ينكر أن عام ٢٠١١ كان أكثر الأعوام التي شهدت تهريب الآثار المصرية، وهذا كان بسبب أحداث يناير والفوضى التي عمت البلاد وقتها، مصر كانت في حالة اقتتال داخلي، والوضع متأزم، وليس هناك أمن، ولا حماية، طبيعي في ظروف مثل هذه أن تشكل بيئة مناسبة لهروب الآثار، كانت وقتها عمليات التنقيب في كل شبر، والآثار التي تُهرب كانت بكميات كبيرة، ومن يشتريها المتاحف، لذلك معظم شبكات الآثار ومافيا التهريب وقتها كانوا متواجدين وبكثرة، وفي أسرع وقت يقوموا بشراء الآثار ثم يبيعونها للمتاحف، والمتاحف تشتري منهم بأي سعر، وهذا ما شجع الناس أن تنقب عن الآثار.

- توليت حقيبة الآثار في أكثر فترات البلد صعوبة خلال أحداث يناير، كيف واجهت حملة هروب الآثار وما المعوقات التي حالت بينك وبين وقف عمليات التهريب؟!
توليت حقيقة الآثار مدة قليلة، لا تتجاوز الـ ٧ أشهر، وفي أكثر فترات البلد صعوبة، وفي هذه الفترة القليلة استطعت أن أسترد أكثر من ٦ آلاف قطعة آثار تم تهريبها خارج البلاد، وكنت على وشك إتمام إجراءات عودة قناع «كنفر» من متحف سانت لويس، والتي تم سرقته من المتحف المصري في أحداث يناير، لكن لم يسعفني الوقت بعدها، وتركت حقيبة الآثار.

ومن ضمن الآثار التي قمت بعودتها كانت قطعة أثرية نادرة موجودة عند امرأة في كندا، وطلبت من أجل عودتها الأموال التي دفعتها في شرائها، وقتها قلت لها أن هذه القطعة التي بحوزتها فيها لعنة الفراعنة، وإن هي ظلت في بيتها سوف تصيبها هذه اللعنة، قرأت السيدة عن اللعنة وخافت أن تترك هذه القطعة في بيتها، فذهبت إلي السفارة المصرية وسلمتها لهم وهم من قاموا بعودتها.
وأكثر من قطعة آثار تم تهريبها في أحداث الثورة من متحف الآثار الموجود في المعادي والتابع لجامعة القاهرة، وقتها استطعت معرفة من وراء عملية السرقة، واكتشفت أنه ضابط أمريكي كان موجودا في بعثة تدريب أطقم الطيران المصري، وأثناء عودته أخذ هذه الآثار معه، وفعلا استطعت إثبات ذلك وتم عودة هذه الآثار مرة أخرى إلى أرض الوطن.

- ما حجم الآثار التي استردتها مصر خصوصا أنه في ظل تولي الرئيس السيسي الحكم شهدت البلاد عودة الكثير من الآثار المهربة؟!
حاليا أنا عضو في اللجنة العليا للآثار المستردة، وقمنا فعلا باسترجاع آلاف القطع من الآثار خلال الفترة الأخيرة، وذلك كان نتيجة توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بسلك كل الطرق المشروعة والمتاحة لاسترداد كافة آثارنا المنهوبة.

أشارت تحقيقات إلى ضلوع أفراد منتمين للجماعة الإرهابية أثناء فترة توليهم حكم البلاد في تهريب آثار مصر، كيف كانت طرق تهريبهم ومدى نجاحهم في ذلك؟!
الإخوان كانوا لا يؤمنون بالآثار المصرية، ولا يعيرون لها أي اهتمام، بل على العكس، كانوا يحفزون على بيعها إن وجدها الرجل تحت بيته، وأحلوا هذا باعتبارها لقيطة، وبالتالي زادت في عهدهم عمليات تهريب الآثار، خصوصا وأنها كانت بعيدة عنهم. هم كانوا في طريقهم إلى أخونة الدولة، ولا ينظرون إلى الحضارة المصرية ولا إلى آثارها، وعليه كان الكثير منهم يسهم بشكل أو بآخر في زيادة معدل هروب تلك الآثار من مصر، وكانت الفوضى التي كانت عليها البلاد في عهدهم وتحديدا المتعلقة بتهريب الآثار تشكل البيئة المناسبة لنجاح عمليات التهريب، خصوصا وأنهم تركوا مجال الآثار نهائيا، وكان في إمكانهم تأجيرها أو بيعها إن تطلبت الأزمة الاقتصادية ذلك.

- نُشرت تقارير لضلوع إسرائيليين في عملية تهريب الـ ١٦ قطعة التي استردتها مصر موخرًا من أمريكا.. هل هناك قضايا مماثلة لتهريب الآثار كان وراءها الكيان الصهيوني؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال إثبات ضلوع إسرائيل في عمليات تهريب الآثار، الواقعة الوحيدة التي جمعتنا بهم وقت أن نهبوا الآثار من سيناء أثناء احتلالهم لها، لكن بعد أن استردت مصر الأرض وحررت سيناء تم عودة بقية الآثار التي هربتها إسرائيل، وانتهى الأمر على ذلك، وكان وقتها أثناء تولي د. عبد الحليم نور الدين رئاسة المجلس الأعلى للآثار.

- حدثني عن شبكات التهريب، والطرق التي تسلكها لتهريب للآثار المصرية، ودور البعثات في ذلك؟!
شبكات تهريب الآثار موجودة، لكن دعني أقول لك - مثلما قلت من قبل -  أن عملها مرتبط بالفوضى، وهو ما جعل عمليات تهريب الآثار في عام ٢٠١١ وما تلاها من أعوام ثلاثة كانت على أشدها نتيجة الفوضي، وحاليا نتيجة الحبكة الأمنية الموجودة فقد قل عمل هذه الشبكات وأصبحت عمليات تهريب الآثار ضئيلة جدا.

أما عن البعثات، فمن رابع المستحيلات أن يكونوا لصوص آثار، البعثات أفرادها علماء آثار، جاءوا للاستكشاف والدراسة، من المستحيل أن تجد من بينهم لص آثار، اللهم إن كان مندس بينهم وليس معهم، ثم أن وجود البعثات في مصر مر بمراحل متعددة، وترتيبات أمنية مكثفة، وأفرادها قد تم التحري عنهم من قبل المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطني وشرطة الآثار، بمعنى أنه من قبل أن تأتي البعثة تكون مصر قد عرفت أفرادها، ولو جاءوا معناه أن مصر وافقت على قدومهم لعدم وجود شبه على أحد، والتاريخ حتى يومنا الحالي لم يثبت واقعة واحدة قامت فيها بعثة بسرقة الآثار.

حاليا يوجد ٢٤٠ بعثة تباشر اكتشافاتها داخل مصر، وكلهم علماء أجلاء تعلمنا منهم ودرسنا في جامعاتهم. ولكي أثبت لك قدرة مصر على معرفة كل شاردة وواردة عن البعثات التي تعمل في مصر، وتتحكم بها أيضا، في مرة أثناء ما كنت الأمين العام للهيئة العامة للآثار، اكتشف وجود خمس قطعة آثار مسروقة من مصر وموجودة في متحف اللوفر، وقتها طلبت عودتهم وتم تجاهل طلبي، وعندما قدمت بعثة من متحف اللوفر لتواصل عملها في مصر، رفضت قدومها، وكان وقف عمل بعثة أمر خطير، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي وقتها «نيكولا ساركوزي» يتصل بالرئيس مبارك، وأبلغه أن زاهي حواس رفض قدوم بعثة من متحف اللوفر، وعندما سألني الرئيس عن سبب موقفي وشرحت له الوضع وافقني، ولم يجد متحف اللوفر وقتها أي مخرج من تلك الورطة التي وضع نفسه فيها إلا أن قام بإرسال القطع إلينا، بعدها سمحت للبعثة أن تحضر إلى مصر لتباشر عملها.

اقرأ أيضًا

زاهي حواس: 5 علماء سبقوا شامبليون في فك رموز حجر رشيد

- بخصوص كتابك عن «توت عنخ آمون».. هناك دراسات وتحقيقات أشارت إلى نجاح كارتر في تهريب بعض قطع المقبرة، وأنه كان «لص أثار».. هل فعلا نجح في ذلك أم أن مقبرة الملك الشاب الموجودة في مصر كاملة؟
لي ١٦ كتابا عن توت عنخ آمون، الملك الشاب كان دائما ما يثير شغفي نحو دراسة مقبرته والتعمق في تاريخها، خصوصا وأن اكتشاف مقبرته ومعرفة تاريخه يعد في حد ذاته كنز في تقديري لا يقل أهمية عن القطع التي تم اكتشافها في مقبرته.

أما عن أن كارتر كان لص آثار، فلا أخفيك قولا أن الكثير من التقارير كانت تشير إلى ذلك، لكن الحقيقة كانت على العكس تمامًا، كارتر كان أثري مخضرم وبارع، لكن اللصوص الحقيقيين هم «لورد كارنرفون» وابنته «إيفيلين»، فقد كانا الممولان لعملية اكتشاف المقبرة، والقانون وقتها كان يسمح للبعثة أن تأخذ نصف المقبرة في حالة اكتشافها وكانت قد تعرضت للسرقة من قبل، أما في حالة اكتشافها كاملة فليس من حق البعثة أن تأخذ منها شيئا وتعود كامله للحكومة المصرية، ومقبرة «توت عنخ أمون» تم اكتشافها كاملة، ولذلك أراد «كارنرفون» وابنته أن يسرقا منها حتى يثبتا أن المقبرة تعرضت للسرقة من قبل، ولكن تم اكتشاف حيلتهما في وقتها ولم يفلحا في ذلك، أما «كارتر» فقد أخذ وقتها 20 قطعة من المقبرة للدراسة، وهي بالمناسبة قطع صغيرة وتقل أهميتها عن غيرها من مقتنيات المقبرة، وفعلا بعد أن انتهى من دراستهم أهداها إلى متحف المتروبوليتان.

ولدينا من مقتنيات مقبرة توت عنخ أمون ٥٣٩٨ قطعة أثرية، وبالتالي المقبرة كاملة وما ينقصها قطع صغيرة لا تذكر، وسوف يتم عرضها في الجناح المخصص لها في المتحف المصري الكبير.

- هل هناك إحصائية لعدد الآثار المصرية الموجودة خارج مصر؟ وما الدول الأكثر امتلاكًا للآثار المصرية؟
آلاف القطع الأثرية موجودة خارج مصر، من كثرتها دعني أقول لك أنه لا توجد إحصائية لعددها، ولا يُعرف حتى الآن عدد الآثار المصرية الموجودة خارج مصر، وهذا لابد أن يكون هدف الدولة المصرية أن تسترد هذه الآثار بكل الطرق المتاحة، وهدفنا الآن هو المطالبة بعودة رأس نفرتيتي والقبة السماوية وطبعا حجر رشيد، ودول الأهم حاليا بالنسبة لنا.

أما عن الدول الأكثر امتلاكًا للآثار المصرية، فدعني أقول لك أن دولا كثيرة حاليا على أرضها وفي متاحفها آثار مصرية، ويكفيني أن أقول أنه ليس هناك دولة أوروبية أو أمريكية أو حتى دول شمال شرق آسيا إلا وفيها آثار مصرية، لكن إن أردت أن تعرف أي من هذه الدول التي على أرضها أكثر آثار مصرية موجودة خارج مصر، فهي فرنسا وانجلترا وأمريكا وألمانيا، وهؤلاء الدول الأربعة من أكثر الدول في العالم استحواذًا على الآثار المصرية.

- هل هناك إجراءات لإطلاق دعوات لعودة بقية الآثار الموجودة في الخارج؟!
لا ننوي تشتيت أنفسنا في أكثر من دعوة، يكفينا حاليا أن نركز على دعوات عودة رأس نفرتيتي وحجر رشيد والقبة السماوية، ثم بعد ذلك سنقوم بحصر شامل للآثار الموجودة خارج مصر، وبعدها سنبدأ طريقنا في استردادها، ولكن الأهم حاليًا أن يكون جُل تفكيرنا على كيفية عودة الثلاث القطع الأهم والأبرز - في مقدوري - الموجودين خارج مصر، وأن نثبت للعالم أن مكانهما الطبيعي في الأرض التي شهدت حضارتهم.

- في نهاية الحوار.. كيف نحافظ على آثارنا المصرية ودراساتها؟!
في البداية أتمنى الاهتمام بالآثار المصرية من الناحية التعليمية، فمصر وحدها من دون دول العالم لها علم باسمها، وهو علم المصريات، المصريون بكل أسف لا يدرسون علم المصريات على أكمل وجه، وبالتالي أطالب تعميم دراسة الآثار المصرية دراسة مستفيضة وشاملة على جميع المراحل التعليمة، حتى مدرس الرسم يقوم بتعليم الاطفال طريقة رسم اللغة الهيروغليفية والكتابة بها.

كما أرى إعادة كتاب التاريخ الفرعوني كتابة متأنية ودقيقة، فالكثير من الموجود في الكتب المدرسية بعيدًا كل البعد عن الحقيقة، وهو ما يكتشفة الطالب بعد تخرجه، وأطالب حتى الكليات العلمية أن تعمم دراسة الآثار في كلياتها ولو حتى على المراحل التعليمية الأولى، لأن هذه سيعطي الخريج ثقل تاريخي ووطني نحو بلده.