كيف يتعامل التجار عالميا مع ضعف قوة المستهلك الشرائية؟

مهند عدلي
مهند عدلي

بقلم : مهند عدلي

كانت زيارتي لأمريكا في أغسطس الماضي فرصة للتعرف على آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على حياة المستهلكين في البلدان الاخرى وانعكاسها على خياراتهم الشرائية عن قرب وهو ما استلزم مني عدة زيارات لعدد من فروع سلاسل التجزئة الكبرى خاصة وأن لكل منها سياسة تسويقية مختلفة وفق شرائح المستهلكين المستهدفين.
 
فمن المعروف أن طرقات محلات تجارة التجزئة هي المنطقة التي تتلاقى فيها تكاليف وسياسات المُصنع التسويقية مع احتياجات وقدرات المستهلك الشرائية وعلى ارففها تجد  افضل ترجمة لنظريات الواقع الاقتصادي دون تجميل أو تهويل.
 
فمن المهم أن نتعرف ونتعلم من تجارب وخبرات الآخرين خاصة في الدول المتقدمة ذات الاقتصادات القوية مثل أمريكا فلا داعي في نظري لاختراع العجلة كل مرة ويكفي أن نطور ونطوع المطروح بما يتناسب وظروفنا خاصة مع امتداد أمد الأزمة واتساع تأثيرها وضبابية المستقبل المنظور.

ومن اهم الملاحظات ان أكثر القطاعات تأثرا هما قطاعي الطاقة والغذاء وهما في الوقت نفسه الأكثر ضغطا على المستهلك الأمريكي خاصة وأن الأمريكان لا يعرفون دعم الطاقة في أي صورة سواء كانت بنزين او كهرباء، اما الاثر المباشر لقطاع الغذاء فالملاحظ أن سلاسل تجارة التجزئة الامريكية بدأت تتعامل بذكاء مع الأزمة من خلال طريقتين:-

الأولى هي تقديم خصومات وتخفيضات وعروض كبيرة على المنتجات الغذائية وغير الغذائية وإن كانت تواجهنا مشكلة على الناحية الأخرى على جانب المورد سواء مصُنع او تاجر وهي قدرته المحدودة على تقديم خصومات ذات جدوى مع ما يتعرض له من ضغوط زيادة التكاليف مع ضعف الطلب في الوقت نفسه وهذه هي المعادلة الصعبة التي جعلت السلاسل الامريكية تركز علي الطريقة الثانية بالتوازي مع الاولي.

والثانية :- هي زيادة المعروض من المنتجات التي تحمل العلامة التجارية للمتاجر والتي تصنع او تعبأ بمعرفتها والتي تتمتع بميزة انخفاض أسعارها عن المنتجات المماثلة بمتوسط من 15% الي 25% فقد اتجهت إلى توسيع وتنويع قاعدة هذه المنتجات لتشمل زيادة في الكميات المعروضة والتوسع في الأنواع والأقسام فلم تعد تقتصر على المنتجات الغذائية التقليدية بل إنها بدأت تدخل الى اغلب الاقسام بما يتيح للمستهلك بدائل مناسبة من حيث السعر والجودة.
 
وهذه السياسة المتبعة من خلال هاتين الطريقتين تكشف عن طبيعة الأزمة وآثارها والتي أدت الى إضعاف القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي بما يعني انه سيكون مضطرا لإعادة ترتيب اولوياته كما ونوعا وسعرا ومن الذكاء التسويقي اتجاه السلاسل الامريكية للاستجابة بهاتين الطريقتين مع تطلعات المستهلكين.
 
أما علي جانب الموردين (مصُنعين او مستوردين) فكما ذكرت فإن حالة الغلاء قد فرضت عليهم زيادات في جانب التكاليف وخاصة مصروفات التشغيل وهي من البنود غير القابلة للضغط الا على حساب الجودة وفي نفس الوقت يزداد الضغط مع مطالبات تقديم عروض أو تخفيضات خاصة مع تراجع عام في منحنيات الطلب وهي الإشكالية التي كانت محور نقاش منذ أسبوعين مع وفد ممثل لأحد السلاسل التجارية الألمانية المتخصصة في مجال التخفيضات السعرية أثناء زيارته للقاهرة لبحث فرص الاستثمار في قطاع تجارة التجزئة المصري الذي اكد على ان اتجاه المستهلكين للبحث عن اسعار اقل يمثل فرصة كبيرة لكن ما يضعفها هو ضعف فرص الموردين في توفير خصومات أو عروض ذات جدوى.
 
هذا التوصيف هو ما يسمح لنا في الحالة المصرية بإضافة طريقة ثالثة حيث يمكن  استثمار الازمة لتقديم بدائل من المنتجات المصرية الاقل سعرا بشرط الحفاظ على الجودة بما يجعلها فرصة لاكتساب ارضيات تسويقية في مراحل تالية بعد الأزمة وهي تجارب خضنا مثلها على أرض الواقع في أزمة ٢٠٠٨ ومع تعويم ٢٠١٦.

وباستخدام هذه الأدوات مع تطويرها بما يتناسب والحالة المصرية يمكننا مواجهة الأزمة وان كان ذلك يستلزم  بناء حالة عامة من الترشيد والتوعية لكافة الأطراف نحو تعديل خيارات الاحتياجات وترتيب الأولويات لدى المستهلك وبناء فكر استثماري يستهدف تحقيق استمرارية الرشادة الاقتصادية لدى المٌصنعين المصريين بالحرص على استثمار الفرصة بتقديم منتجات منخفضة السعر وبجودة معقولة مع القدرة على الاستمرار في ظروف منافسة طبيعية.

وقد اكون اكثر طمعا باننا ربما نحتاج ان نغير سلوكياتنا الاستهلاكية نحو عادات اقل تكلفة واكثر صحية فالشاي الإنجليزي الشهير مثلا لم يكن دوما يقدم بدون سكر او بكميات قليلة ولكنها عادة اكتسبها الانجليز بفعل أزمات الامداد ابان الحرب العالمية الأولى والثانية ليصبح جزءا من العادات المميزة للثقافة الاستهلاكية الانجليزية.