علاء عابد يكتب: الحكمة الإلهية ما بين الخير والشر

علاء عابد
علاء عابد

«الخير طبع لمن اعتاده، والشر مُباح لمن أراده»!
هكذا قال الفيلسوف اليونانى الشهير أفلاطون، صاحب كتاب «المدينة الفاضلة»، ليؤكد بذلك أن منظومة العقل البشرى، وما تكتسبه من آداب ومعارف وعلوم بمرور الأيام، كفيلة بتفعيل السيطرة على السلوكيات والأفعال اليومية، لكى تمكن الإنسان من اتباع مسالك الخير، فيصبح أحد طباع النفس البشرية. 

وكان الصراع الدائم، والأبدى، بين الخير والشر هو حجر الزاوية فى الوجود الإنسانى على مر العصور، فقد جُبل الإنسان منذ بدء الخليقة على حب الخير، وخلقه الله سبحانه وتعالى «فى أحسن تقويم». ولذلك، سكن آدم وحواء عليهما السلام، جنات عدن، لكن إبليس «طاووس الملائكة» كان لهما بالمرصاد، فزين لهما فعل الشر والخروج عن أوامر الله سبحانه تعالى، لكى يُخرجهما من الجنة، فيشقى الجنس البشرى إلى الأبد!

ولقد حاول الأنبياء والمصلحون عبر العصور زرع الخير فى قلوب الناس، وتصدوا بجسارة لمواجهة الشر، لكنهم لم يحققوا النجاح المطلوب. أو أنهم بعد أن نجحوا فى تحقيقه، عاد الشر من جديد ليستولى على مشاعر البعض، متحديًا تعاليم الخير والمحبة، فكان الحقد وكانت الحروب، وكانت الدماء التى تُراق دون توقف.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذى يجمع فى نفسه بين دوافع الخير ودوافع الشر، معًا، فى مزيج واحد. وإذا كان الأصل فيه هو الخير، أو على الأقل يجب علينا أن نفترض ذلك، فمن الجائز أيضًا أن يصبح الشر طاغيًا على الخير، ولو إلى حين. 

ويقول الله تعالى فى سورة الأنبياء (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا تُرجعون)، أى أن الابتلاء ليس مقصورًا على الشر فقط، بل حتى فى الخير أيضًا هناك ابتلاء، لكى يُحاسب الإنسان فى النهاية على ما فعله، سواء خيرًا أو شرًا، أمام محكمة العدالة الإلهية وهذه هى الحكمة الآلهية والاختبار الأصعب للنفس والارادة.

ويفسر الشيخ  «ابن سينا»، ذلك الأمر بقوله «إن الله سمح بوجود الشر؛ لأننا لولا الشر لما عرفنا الخير، كما أننا لولا الظلمة لما كنا نعرف النور، ولولا المرض لما كنا نغتبط بالصحة».
ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى، نبيه محمد عليه الصلاة والسلام فى سورة «الفلق»، آمرًا إياه أن يستعيذ به، ليس مما خلق سبحانه، بل من «شر ما خلق»، فلا يتحدد الشر فى خلق الله إلا بعلاقتنا به، وتداعياته علينا.

وظلت «جدلية الخير والشر» مسألة فلسفية عويصة، تصدى لها كبار الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ، يقول الفيلسوف الفرنسى الشهير جان جاك روسو: «إنى إذ أتأمل طبيعة الإنسان، أجد أنه ينطوى على عنصرين مختلفين. أحدهما يجذبه نحو الحقائق الأزلية، يدعوه إلى حب العدل والفضيلة، إلى اقتحام العالم العلوى الذى يبهج قلب الحكيم. أما الثانى فيربطه بذاته السفلى، ويجعله أسير حواسّه، مطاوعًا لأدواتها، أى الشهوات، معاكسًا بذلك كل ما يلهمه العنصر الأول».

ومن أقوال الحكيم كونفوشيوس «إن الإنسان خيِّر بطبعه، وكل شر يقوم به هو نتيجة نقص فى البصيرة»، فقد كان يرى أن الأصل فى الإنسانية هو الخير. أما الشر فهو الاستثناء.
ولكن هناك رأيًا آخر، حيث يقول الشاعر اللبنانى المعروف جبران خليل جبران: «الخير فى الناس مصنوع إذا جُبروا.. والشر فى الناس لا يفنى وإن قُبروا»، أى أن الأصل فى الإنسان هو الشر، أما الخير فلا يقوم به الإنسان إلا عندما يبتغى من وراءه مصلحة ما!

وثمة من يعتقد بأن الإنسان يراوح بين الخير والشر فى حياته اليومية، دون إرادة حرة منه،
وبطبيعة الحال، فإن الشرور أنواع. غير أن أسوأ هذه الشرور، وأكثرها مفارقةً وغرابةً، هو ما يُرتكب باسم الله، ويجرى على مذبح القداسة، حيث يدعى البعض احتكار الفضيلة بدعوى التدين الصحيح، ويرتكبون أبشع أنواع الجرائم مستترين برداء الدين، والدين منهم براء. هنا نصبح أمام شر مستطير، يُمارس بمزاعم حرارة الإيمان، بينما الحقيقة أنه يُرتكب بإغواء الشيطان!
والحقيقة التى لا مراء فيها، أن من يراهن على الشر، أو يتحدث باسم الدين لأغراض وأهداف يريد تحقيقها، لم ولن ينجح فى ذلك أبدًا، لأن الله لا يُفلح عمل المُفسدين فى الأرض، ولأن الشر لن يكون ـ أبدًا ـ وسيلة لتحقيق الخير.

وإن كل ما من شأنه الدعوة إلى الخراب، وإهدار الحق فى الحياة والازدهار، إنما هو تدين زائف، فالعلاقة دائمًا ما تكون طردية بين عمق الخضوع لله وقدر المحبة للإنسان، فمن يؤمن بالله حقًا لابد أن يحب الآخرين، ويحترم حقهم فى العيش بحرية وسعاده 

وفى كتابه «الجمعيات السرية»، يقول المفكر الراحل على أدهم عن هؤلاء الذين خدعتهم أهواؤهم فارتكبوا الشرور باسم الدين، وضلّوا بذلك الطريق القويم إلى حقيقة الخير والشر: «إن أظلم الأوقات فى تاريخ الأمم، هى الأوقات التى يؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير»!
ويقول أحد الحكماء: «ليس العاقل الذى يعرف الخير والشر، إنما العاقل الذى إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه»
وأخيرًا وليس أخرًا تبقى الحكمة الالهية فى الصراع مابين الخير والشر ليختبر الانسان اختباره الاصعب.