كنوز مصرية تحت مياه البحر الأحمر| 21 موقعًا.. بعضها يعود للقرن 18

كنوز مصرية
كنوز مصرية

ندى البدوى

قبل 81 عامًا رقدت السفينة البريطانية اثيسل جورم فى قاع البحر الأحمر بمنطقة شِعاب علي، بعدما أغرقها سلاح الجو الألمانى خلال قصف جوى إبان الحرب العالمية الثانية، السفينة التى تُصنّف كأحد أهم مقاصد رحلات الغوص عالميًا، تعد واحدةً من كنوز السفن الغارقة التى يزخر بها البحر الأحمر، وهى المغامرة التى تجتذب محترفى وهواة الغوص حول العالم للسفر عبر الزمن واستكشافها. ورغم الأهمية التاريخية والسياحية لتُراث السفن الغارقة، فإنها تواجه مخاطر متزايدة جرّاء تعرضها لانتهاكاتٍ متكررة، الأمر الذى يعمل على معالجته مشروع حُطام سفن البحر الأحمر، بتوثيق وحماية هذه السفن مع تطوير خطة للسياحة المُستدامة بمواقعها، كما يهدف لرفع مستوى الوعى العام بالتراث الثقافى المغمور بالمياه فى البحر الأحمر، وذلك أسوة بالمشروع العملاق الذى يتم تنفذه عن الآثار الغارقة فى البحر المتوسط.

 

الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر والمتمثلة فى موقعه كممر مائى دولى يربط تاريخيًا بين قارات العالم الثلاث، تفسّر تنوع السفن الحربية والتجارية التى تم اكتشافها خلال سنواتٍ عديدة، ورغم أن الكثير من السفن الغارقة التى تم العثور على حطامها تنتمى إلى زمن الحروب العالمية، فإن هناك العديد من المواقع أيضًا لسفن أثرية تعود إلى القرن الثامن عشر. الطبيعة الهشّة بالأساس لحُطام هذه السفن ومحتوياتها، تزيد من حساسيتها تجاه المؤثرات والمخاطر الخارجية، ما يستلزم توفير أقصى درجات الحماية للحفاظ عليها، كما يُشير الدكتور عماد خليل مدير مركز الآثار البحرية والتراث الثقافى المغمور بالمياه بجامعة الإسكندرية، والذى يقود المشروع الرائد لتوثيق وحماية حُطام سفن البحر الأحمر.

موسم العمل الميدانى

ويوضح خليل أن موسم العمل الميدانى الذى تم الانتهاء منه مؤخرًا، تم بالتعاون مع كلية التاريخ والآثار الكلاسيكية بجامعة إدنبرة الإنجليزية، ومجلس بحوث الفنون والعلوم الإنسانية بالمملكة المتحدة، مع مشاركة غرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية والمركز الإقليمى العربى للتراث العالمى، ويُعد بمثابة الجزء الثانى من المشروع الذى بدأ منذ خمس سنوات. ونعتمد فى عملنا على عدّة جوانب من بينها توثيق حطام السفن الغارقة عن طريق إعداد نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لهياكلها، حيث قمنا مؤخرًا بتوثيق ثلاث سفن من بينها السفينة البريطانية دونراڤين التى غرقت عام 1876 نتيجة اصطدامها بالشِعاب المرجانية، وسفينتى جيانيس وكارناتيك الواقعتين فى مضيق جوبال بالطرف الشمالى من منطقة شِعاب أبونحاس، كما أجرينا تقييمًا لحالة السفينة الحربية البريطانية اثيسل جورمب، لمقارنته بالتوثيق السابق الذى تمتتإجراؤه فى عام 2017.

 

سفينة لها طبيعة خاصة

وتابع خليل، هذه السفينة تحظى بأهمية كبيرة وضعتها على قمّة مواقع الغوص عالميًا، نظرًا لقيمتها التاريخية ومواصفاتها التى جعلتها مقصدًا للآلاف من مُحبى وممارسى الغوص، والتى تدر على مصر دخلاً يتجاوز ملايين الدولارات، حيث تحتفظ السفينة بحمولة هائلة لآلاف الأطنان من العربات والدراجات النارية والمدافع والأسلحة والذخيرة، وغيرها من المقتنيات ومصادر الإمداد العسكرى التى تعود للحرب العالمية الثانية، ما يحتم ضرورة توثيقها وحمايتها، حيث قمنا آنذاك بعمل نموذج رقمى ثلاثى الأبعاد للسفينة من خلال استخدام تقنية التصوير المساحى الفوتوغرافي التحتمائى أو ما يُعرف بالتصوير الفوتوجرامترى، وهو ما أنجزناه بالتعاون مع أحد أهم المتخصصين العالميين المتخصصين فى التصوير والتوثيق الرقمى تحت الماء.

وأوضح خليل، أن مراحل تصوير هيكل السفينة وصولاً إلى إصدار المُنتج النهائى لم تكن سهلة كما يوضح خليل، فهى تتطلب درجة عالية من الحرفية والمهارات للتصوير تحت الماء، خاصة أن حطامها يقع على عمق 30 مترًا بينما يصل طولها إلى 128 مترًا مع ارتفاع يتجاوز 15 مترا بثلاثة مستويات من الإنشاء، وهو ما يُعادل ارتفاع عمارة بخمسة طوابق. ويتطلب إعداد النموذج الرقمى تصوير عشرات الآلاف من الصور المُجمّعة لهيكل السفينة باستخدام معدات تصوير متخصصة، قبل معالجتها وتحريرها من خلال برامج مُعدّة خصيصًا لذلك، منوهًا أن عملية التصوير استغرقت منا أسبوعًا كاملاً لإتمامها، واجهنا خلاله بالطبع عددا من التحديات خاصة فيما يتعلق بمستوى الإضاءة ودرجة نقاء المياه، كما أن عملية التصوير تتطلب إتقانًا شديدًا من المصور لضبط إيقاع حركة جسده بشكل مستقيم أثناء التصوير، حتى لا يكون هناك تفاوت فى الصور المُلتقطة.

 

يضيف: أصدرنا كتابًا لتوثيق اثيسل جورم مع إتاحة جميع المعلومات والصور على موقع إلكترونى خاص بها، فعملية التوثيق تمتد إلى دراسة جميع الشواهد الخاصة بالسفينة سواء من حيث مواصفاتها وما تحويه من مقتنيات، أو رصد وتأريخ الأحداث التى أدت إلى غرقها، ما يجعلها بمثابة سجل للتاريخ البحرى العالمى. وتزيد أهمية التوثيق لمراقبة حالة الحُطام والتغييرات التى تطرأ عليه، فهذه السفينة تعرضت للأسف لانتهاكات وسرقات خلال عقود طويلة، لعدم تبعيتها لأى من الجهات المعنية، وعدم وجود تشريع وإجراءات لحمايتها، حالها كبقية السفن التى لم يمر على تاريخها مئة عام لتدخل ضمن حماية الآثار. إلا أن المشكلة الأخطر على الإطلاق تتمثل فى ربط المراكب بأجسام السفن.

 

وأضاف خليل، أن الخامات المكوّنة لهيكل السفينة خاصة الحديد، تتتعرض للتآكل والصدأ بمرور الزمن ما يجعلها شديدة الهشاشة كما يشير مدير مركز الآثار البحرية، ما تسبب فى كسر وتدمير أجزاء من السفن بسبب ربط المراكب بها على مدى سنوات. ويزيد تأثير ذلك فى المواقع ذات الكثافة السياحية، فمتوسط معدل الزيارة يوميًا خلال الموسم لمركب ثيسل جورم يتراوح ما بين 300 ـ 400 غطّاس، وللأسف ليس هناك شمندورات للمراكب حولها، وهذا ما نسعى إلى توفيره لتحقيق الحماية لها، فهذه السفينة تحتاج وحدها مالا يقل عن 30 شمندورة لاستيعاب مراكب الغوص، كما نعمل بالتعاون مع غرفة سياحة الغوص على التوعية بممارسات السياحة المستدامة بمواقع حطام السفن.

برامج للتوعية

ويرى إسماعيل محمد، الأمين العام لغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية، أن برامج رفع التوعية بممارسات السياحة المستدامة بمواقع حطام السفن الغارقة لها دور كبير فى حمايتها، وهذا ما نسعى إليه بمشاركة مركز الآثار البحرية، لإلقاء الضوء على أهمية هذه المواقع التى تحظى بأهمية عالمية، فلدينا فى البحر الأحمر 21 موقعًا مميزًا لحطام السفن الغارقة، أغلب هذه السفن تتراوح أعماق وجودها بين 18 و30 مترًا، ورغم أنه كلما قل العمق زاد من قابلية عدد أكبر من الفئات فى الوصول إليها، إلا أنه يعد نقطة سلبية أيضًا، لأن الأعمال توفر للسفن الحماية والصون والاستدامة، لقلة أعداد الزيارات المتاحة لها، غير أن زيادة الزيارات تزيد من المخاطر التى تواجه السفينة، فالهواء الذى يتنفسه الغواص يزيد من عملية الأكسدة بالحطام، بخلاف مخاطر الاحتكاك سواء من خلال الحركة غير المتقنة للغطاسين، والتى يمكن أن تؤدى إلى كسر أجزاء من داخل السفينة، وعمليات التخريب المتعمد التى يقوم بها بعض الغطاسين والصيادين لقطع الحديد وبيعه خردة، كل هذه الممارسات نعمل على مواجهتها بشكل مستمر.

تراث ثقافى

10 أيام متواصلة أمضتها ندى كامل داخل البحر الأحمر رفقة الفريق المعنى بعمليات التصوير والقياس ورصد الشواهد بمواقع السفن الغارقة، تدرك الباحثة فى مركز الآثار البحرية والتراث الثقافى المغمور بالمياه، أهمية التراث البحرى الذى تسعى إلى التعريف والتوعية بأهمية الحفاظ عليه. متابعة: مواقع غرق تلك السفن بخلاف أهميتها التاريخية لها خصوصية كبيرة كونها بيئات ملائمة لنمو الشِعاب المرجانية، وكثير منها كونت بالفعل أنظمة أحيائية تعتمد عليها الكائنات البحرية. مجالنا بالطبع به تحديات كبيرة، فرفع الوعى الأثرى بالتراث الغارق ليس يسيرًا، لأن هذا التراث غير مرئى بالنسبة للغالبية لوجوده فى عمق البحر، لذا نعمل على ربط الجمهور بهذا التراث من خلال طرق تفاعلية تعتمد على المعلومات المبسطة والشيّقة التى يمكن أن تجذبهم، سافرنا إلى عدد من الدول لدراسة تجاربها والاطلاع على الطرق التى تتبعها فى عرض تراثها الغارق، وأعددنا مشروعات تُناسب الجمهور المصري.

 

تتابع: نسعى للوصول إلى الجمهور عن طريق عدد من الوسائل من بينها وسائل التواصل الاجتماعى، لمشاركتهم منشورات مبسطة ومواد فيلمية عن طبيعة التراث الثقافى الغارق، كما ننظم ندوات وفعاليات توعوية للأطفال والنشء فى المدارس والمتاحف والمكتبات العامة، ولدينا مشروع ابحارب الذى يعتمد على الوسائل التفاعلية، ونسعى لإعداد تعريف بهذا التراث عن طريق تقنيات الواقع الافتراضى ليتمكن الجمهور من القيام برحلة متخيّلة إلى عمق البحر والتجوّل بين المراكب الغارقة والآثار البحرية.

أقرأ أيضأ l مزارع فلسطيني يعثر على كنز أثري نادر في غزة