فى الصميم

لا يحكم.. لكنه يؤثر!!

جلال عارف
جلال عارف

عندما اعتلت الملكة اليزابيث عرش بريطانيا فى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، كانت قوات الاحتلال البريطانى مازالت تجثم على صدر مصر، وكان الخليج العربى كله مستعمرة بريطانية، وكانت دول عربية أخرى فى مقدمتها العراق الشقيق والأردن ضمن مناطق النفوذ للامبراطورية التى كانت تجاهد حتى لا تغرب عنها الشمس.


الملكة أو الملك فى بريطانيا يملك ولا يحكم، لكنها تظل رمزا للدولة. ولهذا كانت المظاهرات المعادية للاحتلال فى المنطقة تهتف بسقوط الرمز مع المسئولين عن الحكومة.. وأول مظاهرة شهدتها فى حياتى كان الهتاف فيها يتعالى بسقوط إيدن والملكة معا. ورغم بداية ايجابية بتوقيع اتفاقية الجلاء عن مصر عام ١٩٥٤ وخروج آخر جندى بريطانى من قاعدة القنال فى ١٩٥٦، فقد انهار كل شيء مع العدوان الثلاثى الذى تآمرت فيه حكومة إيدن مع فرنسا وإسرائيل، والذى انتهى بانتصار مصر وهزيمة العدوان، ليرفع عبدالناصر شعار»على الاستعمار أن يحمل عصاه، ويرحل عن المنطقة العربية» وهو ما حدث بالفعل بعد معارك هائلة انتهت بتصفية الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية وانطلاق عصر التحرر الوطني.


بعد سبعين عاما ترحل الملكة اليزابيث، ويذهب العرش لابنها الملك تشارلز الثالث فى ظروف تختلف كثيرا. بريطانيا نفسها تعيش مع العديد من الأزمات الداخلية ومصير بريطانيا كدولة موحدة موضع تساؤل مع تزايد الدعوات الانفصالية فى سكوتلندا وايرلندا الشمالية وويلز. ومصير «الملكة» نفسه يواجه تحديات مع استطلاعات رأى تقول إن ٤٠٪ من الشعب البريطانى ضد استمراره!!


يظل «الملك» يملك ولا يحكم، لكنه قد يملك نفوذا معنويا يؤثر فى التوجه العام. الملك الجديد كانت له اسهاماته الهامة فى قضايا المناخ والتقارب بين الأديان واحترام الثقافات المتنوعة. بعد توليه الحكم سيكون عليه أن يلتزم الصمت فى كل القضايا كما فعلت أمه طوال سبعين عاما من الحكم. حتى لو التزم الملك الجديد بالصمت فقد قال الكثير على مدى عمره الذى قضاه وليا للعهد. لن يتدخل فى الحكم بالتأكيد، لكن سيكون له تأثيره المختلف والذى نرجو أن يكون إيجابيا بالنسبة لمشاكل منطقتنا التى يعرفها جيدا.