فنان من زمن فات l مريم فخر الدين .. حكاية الجميلة والدجال !

مريم فخر الدين
مريم فخر الدين

مايسة أحمد

بطلة قصتنا لهذا الأسبوع هي النجمة مريم فخر الدين، ذات الوجه الملائكي، التي اشتهرت بأدوار الفتاة الرقيقة الجميلة العاطفية المغلوبة على أمرها، والتي نجحت مع مرور الوقت أن تخرج من هذه الشخصية النمطية التي برعت فيها، ولم يستطع أحد منافستها فيها.. أسرت القلوب بطلتها البريئة وطباعها الهادئة، رغم أنها مع تقدم العمر وظهورها في البرامج نالت إعجاب وحب الجماهير بشكل أكبر نظرا لصراحتها الشديدة وخفة ظلها وتسامحها مع نفسها..

لكن لتلك الجميلة قصة مع دجال، ترجع إلى الفترة التي عاشتها مريم بعد طلاقها من المخرج محمود ذو الفقار، والذي تزوجته في بداية مشوارها الفني، وهي في سن 17 عاما، كانت تشعر بالكثير من المخاوف والقلق والخوف من المجهول، خاصة بعد أن أصبحت وحيدة وسافرت والدتها إلى أوروبا.

وذات يوم أثناء مشاركتها في تصوير أحد الأفلام، فوجئ فريق العمل برجل يقف أمام الأستديو ليقرأ الطالع ويضرب الودع، فذهبوا ليقرأ لهم الطالع، بحكم الفضول، وألحوا على مريم كي تشاركهم الأمر.

تعجبت مريم من أن هذا الدجال كشف كل أسرار زملائها، وأبدى كل منهم دهشته مما قاله هذا الرجل، حتى جاء دورها، وإذا به يصيح: “ياساتر يارب”، فتجمدت الدماء في عروق الجميلة، خاصة بعد أن قال لها الدجال وقد بدت عليه علامات الشفقة: “في مصيبة هتحصل لك، وهيروح منك حاجة مهمة، ممكن تكون فلوس أو بيت، أنا شايف عدو ليكي بيمد إيده ياخد منك حاجة وإنتي بتصرخي”، وهنا شعرت مريم بالفزع وأحاطها زملائها برعايتهم وحبهم وسألها أحدهم: “يعني خايفة من إيه؟، عندك ثروة خايفة تروح منك”، فضحكت قائلة: “أبداً.. دي الحكاية كلها 200 جنيه شايلاهم في البيت”.

شكري القاتل

نظرت مريم إلى زميلها النجم شكري سرحان - الذي كان حاضراً - في استغاثة، وتوسلت له أن يصطحبها إلى المنزل فوراً حتى تطمئن على المبلغ الذي تحتفظ به، وبالفعل اصطحبها سرحان ومعه مسدسه، وانطلق بسيارته بأقصى سرعة متجهاً إلى بيتها، وبمجرد وصولها دخل إلى الشقة ممسكاً بالمسدس، ومريم ورائه، وجدا كل شيء هادئ، وأسرعت مريم إلى الدولاب لتطمئن على نقودها، لكنها فزعت من الصوت رصاصة من مسدس شكري، وأسرعت لتجده متهللاً يقول: “قتلته.. قتلته”، فكاد قلبها يتوقف، حتى رأته قد أطلق النار على فأر مر أمامه.

وبعد أن اطمانت مريم على أموالها، عادت مع شكري إلى الاستديو لتجد الدجال ينتظرها ويطلب منها 5 جنيهات نظير قراءة الطالع لها، وبالفعل أعطته المبلغ، وكانت المفاجأة الصادمة عندما خلع الدجال الباروكة والعمامة والملابس التي يرتديها لتكتشف أنه زميلها الفنان سعيد أبو بكر، وأن كل ما حدث كان مجرد تمثيلية حبكها زملائها وأشتركوا فيها جميعاً، أن ليخففوا عنها وأن يزيلوا مخاوفها.

بين المسجد والكنيسة

الغريب فى حياة مريم أن والدها كان مسلماً يعمل مهندس ري، ووالدتها مجرية الأصل مسيحية، فكانت تذهب مع والدها للجامع ومع والدتها إلى الكنيسة، وتلقت مريم تعليما في المدرسة الألمانية بباب اللوق، وحصلت على شهادة تعادل البكالوريا، وكانت تجيد 7 لغات هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والمجرية وغيرها.

بدأت مريم التمثيل بالصدفة، ففي يوم عيد ميلادها ذهبت لإلتقاط صورة في استديو مصور يدعى واينبرج، فعرض عليها الإشتراك بصورتها في مسابقة فتاة الغلاف التي تنظمها إحدى المجلات، وفازت بالجائزة، وكانت 250 جنيها، وعلى الفور تعاقد معها المصور عبده نصر والمخرج أحمد بدرخان على التمثيل في أول أفلامها “ليلة غرام”، ثم واصلت مسيرتها السينمائية، وتعتبر هي أكثر فنانة مصرية مشاركة في أعمال سينمائية، حيث قدمت 240 فيلم، كما أنتجت أيضا 9 أفلام.

وكانت علاقتها بشقيقها الوحيد الفنان يوسف فخر الدين جيدة جداً، حتى أنها كانت تعتبره ابنها، وعندما قرر الزواج من ماكييرة يونانية، والإقامة في اليونان لم تمانع مريم، وكانت تزوره بإستمرار.

الحيلة الماكرة

تزوجت مريم 4 مرات، وأكدت أنه رغم ذلك لم تصادف الحب في حياتها سوى مع أبناءها فقط.

ففي عام 1952 تزوجت من المخرج محمود ذو الفقار، وأصبحت قاسما مشتركا في أفلامه، وأنجبت منه ابنتها إيمان، وأستمر زواجهما 8 سنوات، وكان ذو الفقار يكبرها بـ23 عاماً، وكان هو وشقيقاه صلاح وعز الدين، شديدي القسوة في التعامل مع من حولهم، خاصة مع النساء – حسب تصريحاتها - وكانت تتعرض للإهانة على يديه، وعانت معه كثيراً، وكان يأخذ مدخراتها إعتقاداً منه أنها مسرفة.

حتى أن مريم رفعت أجرها ألف جنيه دون علم زوجها محمود، وكانت تدخر هذا الفارق في (جوارب) بالمنزل، وعندما سافر زوجها إلى لبنان أخرجتها، ووجدتهم حوالي 17 ألف جنيه، وكانوا وقتها مبلغاً ضخماً، مما جعلها تشعر بنوع من الإطمئنان، فاتصلت بزوجها في لبنان وأبلغته برغبتها في الطلاق، لكنه سخر منها ووصفها بالجنون، وقال أنتظري حتى أعود، ومن جانبها لم تهتم وطلبت من بواب العمارة أن يجد لها شقة، والطريف أنه دلها على شقة في الدور الرابع في نفس العقار، وكتبت العقد، وعاشت بها مع ابنتها، وظل معها مفتاح شقة زوجها الموجودة في الدور الثالث.

وذات يوم جاءها أحد العمال طالباً منها مساعدة لأن ابنته ستتزوج، فأعطته مفتاح شقة زوجها وقالت له: “انزل وخد أحلى غرفة”.

أخبر العامل زملائه بهذا الموقف النبيل، فذهبوا إليها وأخبروها أن أولادهم سيتزوجون، فأعطتهم أثاث الشقة بالكامل، وعلم زوجها بعد رجوعه من السفر، فجن جنونه، وذهب إليها وطلقها، فأخذت “تزغرد” من الفرحة، فغضب محمود وضربها قبل أن يرحل، وكان ذلك عام 1960.

تزوجت مريم للمرة الثانية من د. محمد الطويل - بعد 3 شهور من طلاقها الأول - وأنجبت منه ابنها أحمد، وأستمر زواجهما 4 سنوات فقط، ووقع الطلاق، وفي عام 1968 سافرت إلى لبنان وتزوجت هناك من المطرب السوري فهد بلان، إلا أن زواجهما لم يدم طويلاً بسبب مشاكل أبنائها معه، وبعد طلاقها تزوجت من شريف الفضالي ليكون زوجها الرابع والأخير، وظلت معه فترة ثم تطلقوا.

الصلاة

من أبرز المقربين لمريم كانت الفنانة شادية كصداقة وكفن، وحين اعتزلت شادية الفن، دعت مريم لحضورالإجتماعات الدينية وسماع الشيوخ، وكانت تقول لها: “إنتي مسلمة ويجب أن تعرفي دينك جيداً”.

ونصحتها شادية بالصلاة وعلمتها كيفية أداء الفروض، وكانت مشكلة مريم في الوضوء، لكن شادية علمتها أيضا، وعرفتها على الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي رحّب بها وقال لشادية: “خليها تكلمني في أي وقت”، وعندما كلمته مريم لتخبره أنها لم تفهم كيفية الوضوء، قال لها: “إذا لم تستطيعي الوضوء خدي دش”، وكانت تفعل ذلك كلما حان وقت الصلاة، وفي الشتاء لم تستطع فاتصلت بالشعراوي وأخبرته أن الجو بارد ولا تعرف كيف تتوضأ، فعلمها طريقة الوضوء.

تعتبر مريم من الممثلات المحبات لعملهن والمخلصات له، وظلت طوال حياتها الفنية تعمل دون انقطاع لتخرج من نجاح إلى آخر، كما قامت خلال هذه الرحلة الممتدة بإنتاج 3 أفلام، هي “رنة خلخال” عام 1955 و”رحلة غرامية” و”أنا وقلبي” عام 1957، بجانب أشهر أفلامها التي نذكر منها “الأرض الطيبة” عام 1954، “رد قلبي” عام 1957، “حكاية حب” عام 1959، “البنات والصيف” عام 1960، “القصر الملعون” عام 1962، “طائر الليل الحزين” عام 1977، “شفاه لا تعرف الكذب” عام 1980، “بصمات فوق الماء” عام 1985، “أحذروا هذه المرأة” عام 1991، و”النوم في العسل” عام 1996.

وحصلت مريم على جوائز كثيرة، أولها الجائزة الأولى في التمثيل عن دورها في فيلم “لا أنام”، ونالت حوالي 500 شهادة تقدير وجدارة من جهات فنية عديدة، وإن كانت غير مؤمنة بهذه الجوائز، فهي تقول أن أي رسالة من الجمهور أفضل بكثير من جائزة، لأن الرسالة تمثل الصدق وحب الناس الحقيقي.