متحدو الإعاقة في الأعمال الفنيةl قادرون حاضرون باختلاف

متحدي الأعاقة في أعمال الدراما
متحدي الأعاقة في أعمال الدراما

ريزان العرباوى

أبطال يمتلكون مواهب وقدرات خاصة وبعزيمة وإصرار تحدوا الإعاقة والمعاناة فأثبتوا تفوقهم في مجالات متعددة مما ساهم في تغيير نظرة المجتمع لهم، ولفت الأنظار لتميزهم عن غيرهم فأدرك صناع الفن أهميتهم وقصصهم الملهمة، لتشهد الدراما في الفترة الأخيرة تواجد وظهور قوي لأصحاب الهمم في عدد من الأعمال الفنية، ظهورا مميزا بعيدا عن القوالب النمطية السابقة لتمنحهم الدراما فرصة لإبراز مواهبهم التمثيلية وإثبات تواجدهم ودمجهم في المجتمع وللتأكيد على أن اختلافهم هو سر تميزهم، فكيف ساهم الفن في قضية التمكين لذوي الاحتياجات الخاصة وما الطرق المثلى لتوظيفهم دراميا لتحقيق الإنصهار المجتمعي المطلوب؟ 

 

حظى مسلسل "وش وظهر" على إشادة من نقاد الفن ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لدعمه لأبطال الهمم حيث لفت ظهور الطفل السوري كريم لؤي الأنظار إليه منذ الوهلة الأولى لتوظيفه دراميا بشكل مميز، واستطاع أن يصبح حديث السوشيال ميديا بموهبته وقدرته التمثيلية جسد كريم دور “محمود” شقيق “ضحى- ريهام عبد الغفور”، ضمن أحداث المسلسل، وشارك في البطولة الأردني إياد نصار, إسلام جمال وثراء جبيل, والعمل من تألف ورشة “سرد” تحت إشراف مريم نعوم، وإخراج مريم أبو عوف.

أيضا الطفل مهند عماد, من ذوى الاحتياجات الخاصة، وصاحب اقتراح تدريس مادة احترام الآخر, التي طالب بها في احتفال “قادرون باختلاف” عام 2019 أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي, شارك في مسلسل “دايما عامر” الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي, باعتباره أحد طلاب مدرسة رؤية الخاصة, والتي يعمل فيها “عامر عبدالرازق - مصطفى شعبان”، وسبق وأن طلب مهند من مصطفى شعبان في إحدى جلسات احتفالية ذوى الهمم, أن يشارك معه في عمله المقبل, ليرد عليه مصطفى: “طبعا يشرفني يا مهند”.

حالة أخرى من تواجد أصحاب الهمم في أعمال فنية، هذه المرة بطلها محمد عزمي, الذي لفت الأنظار في حكاية “أوضة وصالة” ضمن الموسم الرابع من مسلسل “نصيبي وقسمتك”, وبمجرد ظهوره خلال الأحداث بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداول صوره والإشادة بأدائه في تجسيد دور ابن الفنان أحمد عبد العزيز, ورغم أنه شارك في عدد من الأعمال سابقا، إلا أن حضوره خلال حكاية “أوضة وصالة” كان لافتا ومميزا, كما شارك أيضا في فيلم “30 مارس” مع أحمد الفيشاوي والمخرج أحمد خالد موسى.

ويعتبر العرض المسرحي “سالب واحد” من العروض المهمة التي حظيت على إعجاب كبير من الجمهور والنقاد, وهو من إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية، ويناقش المشاكل التي يواجهها ذوي الهمم وكيفية تعامل الأهل وتقبلهم لهم في قالب فني إنساني.

وفي ذات السياق, أطلقت شبكة “نتفلكس” الأمريكية أول قسم جديد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة, يتضمن أكثر من 50 مسلسل يحكي قصصا مختلفة عن ذوي الاحتياجات الخاصة ونمط حياتهم, حيث تتيح الفرصة للجميع اكتشاف عالم كامل من شخصيات أصحاب الهمم من المبدعين وتقدم مفهوما جديدا للتعبير عن الإعاقة.

“سيكولوجية التعامل”

تجربة جديدة ومختلفة شارك فيها أحمد عز مؤخرا مع الطفل أدهم حسام من ذوي الهمم, من خلال الفيلم القصير “أخويا” الذي عرض عبر منصة “نتفلكس”، ويدور حول علاقة أخ بشقيقه من ذوي الاحتياجات الخاصة, الفيلم يشكل عودة ساندرا نشأت للإخراج بعد فترة غياب, وكشفت ساندرا عن كواليس العمل حيث أشارت إلى أن فكرته جاءت من المنتج أنطوان خليفة عن تقديم أفلام قصيرة تدور قصتها في يوم عيد الحب - مع بعض الكوميديا - وبعد مرحلة بحث عن فكرة مناسبة استغرقت 6 أشهر، تم الاستقرار على فكرة وتوليفة فيلم “أخويا”، وتمت الاستعانة بالمؤلف رفيق مرقص لكتابة السيناريو, وجاءت حبكة الفيلم من علاقة عز والطفل خارج التصوير, وكيف ساعد “فارس” شقيقه ليعود لحبيبته, فالعلاقة التي ظهرت بين “دياب” و”فارس” ضمن أحداث الفيلم، هي نفس العلاقة الحقيقية بين عز وأدهم في الواقع.

وتابعت: “التعامل مع أصحاب الهمم ممتع ومميز له مذاق خاص, وكنت أتعمد التعامل معه كأي فنان آخر داخل موقع التصوير، وليس بطريقة (الطبطبة) أو التعاطف، فالأجمل هو التعامل معهم بشكل طبيعي بعيدا عن الشفقة، ونزيل أي حواجز بالدعابة وفتح باب النقاش والحوار في موضوعات مختلفة سواء في نطاق العمل أو غير ذلك, فالمسألة بحاجة إلى سيكولوجية في التعامل دون اعطاء احساس أنهم مختلفون أو بهم إعاقة معينة, فهم في الأصل انتصروا وتغلبوا عليها, وأنسب طريقة لصنع أعمال قادرة على التعبير عنهم تخدم الهدف الأساسي للعمل بتوظيفهم دراميا بشكل غير مباشر”.

“قضايا التمكين”

علق الناقد طارق الشناوي على الظاهرة الملموسة من صناع الفن لدعم أبطال الهمم وإتاحة المساحة لهم لإظهار مواهبهم التمثيلية, قائلا: “هذا الإتجاه يمثل دافع قوي ومباشر لدعم تلك الفئة التي تعتبر جزء لا يتجزء من المجتمع, ويعتبر ذلك من ضمن قضايا التمكين, فالدراما شريك فعال وأساسي في زيادة الوعي وتشكيله فيما يتعلق بقضايا التمكين الاجتماعي ومساعدة الأشخاص والفئات الأكثر احتياجا لتحقيق أهدافها والمشاركة المجتمعية الفعالة, وأتمنى أن لا تكون مرحلية, فالعالم كله يأتي عليه لحظة أو وقت معين ينتفض فيه لنصرة شيء أو يشعر أن هناك ظلم – وأعني داخل العالم كله وليس مجتمع بعينه - فتبدأ بعض الأجهزة داخل الدولة بالتحرك لإحداث التغيير والتأثير المطلوب, ومنذ 10 سنوات ظهرت منظمات خاصة لذوي الهمم، حتى أصبح لهم تعبير آخر يراعي أن منهم بالفعل أبطال وعباقرة في مجالهم”.

ويضيف الشناوي: “في نفس السياق، أتذكر عند زيارتي لمدرسة (طه حسين للمكفوفين)، وجدت الأطفال يمارسون رياضة كرة القدم بطريقة معينة, فالكرة يلحق بها كوب من المعدن وعند تحركها تحدث صوتا فيتم تتبع الكرة وفقا لأثر الصوت الناتج عنها, مما يثبت قدرتهم على تحدي الإعاقة والتكيف معها، ويدل على أنهم بالفعل أبطال, فهم يشكلون عالم مميز مليء بالقصص الملهمة لمبدعين الدراما, لكنها تحتاج إلى حرفية معينة لترجمتها لعمل فني, والأهم الذكاء في التعامل معهم دون أن يتسلل إليهم الشعور بالاختلاف أو الشفقة, وأثناء تصوير فيلم (أخويا) دعتني ساندرا للحضور لموقع التصوير، وكانت بالفعل قادرة على إدارة العمل والتعامل مع الطفل بحرفية عالية وقدر كبير من الإنسانية دون أن يشعر أنه مختلف عن الآخرين، ودون تعاطف مسبق, لأن هذا الأسلوب في حد ذاته قد يثير لديهم مشاكل نفسية, بالعكس هذا الاختلاف هو سر تميزهم, مثلا طه حسن وعمار الشريعي وعمرو سليم وغيرهم لم يستسلموا للإعاقة، بالعكس هم عباقرة في مجالهم، ويمتلكون وسائل متعددة وذكاء في التعامل مع الناس, وأفضل طريقة لتوظيفهم دراميا, أن تتم بطريقة تلقائية بسيطة دون سبق اصرار أو تعمد أنهم أصحاب إعاقة, فأنا ضد فكرة تعمد الأشياء”.

وتابع قائلا: “توصيات الرئيس العام الماضي كان لها مردود وأثر في زيادة الوعي والاهتمام بهذه الفئة، ولفت النظر لمواهبهم ومهاراتهم وأيقظ بداخل صناع الفن الرغبة لتنفيذ القرار والاستعانة بهم بناءً على منطق درامي”.

“قصص ملهمة”

الناقدة ماجدة موريس أشارت إلى دور الفن في زيادة التوعية وتغيير نظرة المجتمع لذوي الهمم, وأن الدراما من أكثر الوسائل بلاغة وسرعة في تقديم المفاهيم للناس, مؤكدة على أن التواجد المملوس لهم في الدراما له عامل كبير في زيادة الثقة بالنفس والإحساس بالإنجاز, وتقول عن ذلك: “الدراما فتحت الأبواب لتشير إلى فئة مميزة ولها قدرات خاصة, وما يميز الأعمال التي عرضت مؤخرا هو النضج في التناول الدرامي الذي يشير إلى زيادة الوعي بوجودهم وحقهم الأصيل في الحياة, فليس من العيب أو العار أن يكون في الأسرة فرد من ذوى الاحتياجات الخاصة, رغم أن البعض يشعر بالخجل منهم ويفضل اخفائه عن الأنظار, بينما هم بشر وغير مسئولين عن طبيعتهم التي خلقوا عليها، وبالتالي علينا مساعدتهم لتأهيلهم في محاولة لدمجهم بالمجتمع والاستفادة من طاقاتهم الإبداعية”.

ويضيف: “هذا الاتجاه الدرامي يحمل أبعاد واقعية إنسانية قادرة على دفع المجتمع لمنطقة أفضل بكثير مما كان عليه في السابق, والأهم الإستمرار والابتعاد عن القوالب المحفوظة أو التوظيف المباشر لهم، ولا يتم ذلك إلا بوجود كتاب ومبدعين قادرين على تقديم تلك الفئة من خلال قالب درامي مختل, مع ضرورة التنبيه إلى أنه إذا لم يتم تقديم هذه النماذج بقدر عالي جدا من الاحترافية والبراعة، قد يعود ذلك بنتائج عكسية، ولن يصل للمشاهد بالشكل المطلوب فكريا, لأنهم بالفعل يمتلكون قدرات ومهارات خاصة وأبطال وأذكياء يمتلكون المزيد لاكتشافه, واستدلت على فرقة (النور والأمل) الموسيقية التي كان لها حضور فعال في (مهرجان القلعة), والتي نجحت على مدار تاريخها كنموذج جيد وملهم, وعلى الدراما دور التذكير والتوعية، وعلى الصناع التفتيش والبحث في عوالهم المليئة بالقصص الملهمة دراميا”.