أوراق شخصية

رسالة إلى وزير التعليم

آمال عثمان
آمال عثمان

فى أحد فصول الصف الثالث الابتدائى بالإسكندرية، سألت المعلمة كل تلميذ عن الوظيفة التى يتمنى أن يشغلها حينما يكبر، وأعادت توزيع الطلبة فى الفصل بحسب مهن أحلامهم، وكتبت لكل منهم لقبه قبل اسمه فوق الكراسة، وحين يتغيب أو يتكاسل التلميذ فى المذاكرة والواجب تشطب اللقب، وتُجلسه فى مكان ليس له مهنة، أى تسحب منه حلمه عقاباً له.

وهكذا التزم الطلاب وارتفع مستواهم الدراسي، لأنها جعلتهم يدافعون عن حلمهم، عوضاً عن الخوف من العقاب، هذه المربية الفاضلة المبدعة اسمها سناء وديع، قرأتُ قصتها مع الصغار، وأرى أنها تستحق التكريم لتكون حافزاً لغيرها، لأننى أومن أن المعلم أساس العملية التعليمية، ومهما تبدلت المناهج تظل طرق التعليم ومهارات المدرس الأهم، والدليل قصة الطالب الغبى!

تبدأ القصة حينما حصلت معلمة على أجازة وحلت مكانها أخرى، وأثناء الشرح سألتْ أحد الطلاب، فإذا بالجميع يضحك، ورغم دهشتها أدركتْ سر الضحكات، وبعد خروج التلاميذ نادتْ هذا الطالب، وكتبتْ له بيتاً من الشعر، وطلبتْ منه أن يحفظه مثل اسمه ولا يخبر أحداً، وفى اليوم التالى كتبتْ بيت الشعر على السبورة وشرحتْه، ثم مسحته.

وسألت الطلاب: من منكم حفظ البيت؟ لم يرفع أحد يده ماعدا هذا الطالب، رفع يده بتردد واستحياء وأجاب بتلعثم، أثنتْ عليه المدرسة وطلبت من الجميع التصفيق له، تكرر المشهد خلال أسبوع بأساليب مختلفة، ومعه المدح والإطراء والتصفيق، والتلاميذ فى ذهول ودهشة، وبدأتْ نظرتهم تتغير نحو الطالب، وبدأ هو يثق فى قدراته ويتغير ليؤكد لنفسه وللآخرين أنه ليس تلميذاً غبياً كما كانت تصفه معلمته السابقة، مما دفعه للاجتهاد والمثابرة والثقة.

وزادت قدرته على منافسة زملائه بل والتفوق عليهم، ونجح الطالب فى الاختبارات، وانتقل للمرحلة الثانوية بثقة أكبر، وواصل تفوقه وحصل على درجات أهّلته لدخول الجامعة، وأنهى دراسته الجامعية وحصل على الماجستير، واستمر للحصول على الدكتوراه..

تلك القصة كتبها الطالب بنفسه فى إحدى الصحف، ونسب الفضل لمعلمته صاحبة بيت الشعر التى شجّعته وحفّزته.

وأخذت بيده ومنحته مفاتيح الأمل، وانتشلته من الإحباط واليأس، وأعادت له ثقته فى قدراته، بعدما انتزعتها منه معلمته الأولى، لذا نحن فى أشد الحاجة لمدرسين ومدرسات مبدعين وأصحاب رسالة، يمنحون أبناءنا الثقة، ويجعلونهم يدافعون عن أحلامهم، ويبقى السؤال: ألا تستحق المعلمة الفاضلة «سناء وديع» التكريم يا سيادة الوزير؟!