المعلم حسن شحاتة ومو صلاح أبرز خريجيها l الحقوا «الساحات الشعبية»

الساحات الشعبية أصبحت المتنفس لسكان النجوع والقرى
الساحات الشعبية أصبحت المتنفس لسكان النجوع والقرى

علا نافع

مع حلول فصل الصيف يبدأ رواد ولاعبو الساحات الشعبية تهيئة أنفسهم لموسم كروى ساخن، فالمنافسات الحامية والجولات الشرسة حان أوانها، إذ ينشط المدربون الذين هم فى أغلب الأوقات هواة لكنهم يتمتعون بخبرة تدريبة اكتسبوها من عشقهم للساحرة المستديرة، فيضعون الخطط التكتيكية ويدرسون منافسيهم جيدا، كما تنشط حركة المواصلات الراكدة بين القرى، وكذلك المعلقون الرياضيون فمهاراتهم التعليقية والتحليلية آن لها أن تخرج إلى النور، أما اللاعبون فيعقدون العزم على الفوز بكأس الساحات الشعبية وسرقة الأضواء علهم يحظون بفرصة الانتقال لأحد الأندية الكبرى.

معشوق المصريين محمد صلاح، نجم ليفربول الإنجليزى، ومنتخب مصر، كان واحدًا من خريجى هذه المدارس، إذ ظهرت موهبته اللامعة عندما كان يشارك فى الدورات الصيفية بين قرى محافظة الغربية، قبل أن ينتقل لنادى عثماثون طنطا ومنه للمقاولون العرب، حتى تبسم له الحظ ومنحه فرصة الاحتراف الأوروبية فى سويسرا وإنجلترا.

ولم يكن صلاح الوحيد الذى تخرج فى تلك المدرسة، فالمعلم حسن شحاتة المدرب الأسبق للمنتخب القومى وهداف القلعة البيضاء تخرج هو الآخر من إحدى الساحات الشعبية بمدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وكذلك الأشقاء الثلاثة اإبراهيم وإسماعيل وسيد يوسفب الذين لعبوا لنادى الزمالك والترسانة، وكثيرون غيرهم.

عادة ما تكون الساحة قطعة أرض واسعة لم يطالها الزحف العمرانى أو هوجة المشروعات الاستثماريـــة، ويطلــق عليـها اســـم االجُــرنب، فتحتضن مريدى الكرة شبابًا وأطفالًا وحتى العجائز من كافة القرى والنجوع بعد صلاة العصـــر إلى غـــروب الشمس، كــمــا يستغـل أعضـــاء مجلــس النـــواب أو المرشـــحـين تلك الدورات الصيفية للظهور والترويج لبرامجهم الانتخابية، بالإضافة إلى تقديمهم هدايا رمزية وميداليات تحمل أسماءهم، لكن بالرغم من قوة الدوريات الصيفية بالساحات إلا أن الملاعب التجارية والأكاديميات الخاصة قد هددت عرشه وسحبت البساط من تحته، فبات أصحابها يستقطبون الشباب والأطفال الصغار للعب عليها دون تنمية مهاراتهم خاصة مع غياب وجود مراكز الشباب المطورة.

فالملاعب الصناعية والمعروفة بالنجيل أصبحت تنافس بقوة بالرغم من قرار وزارة الزراعة بضرورة إزالتها كونها تعديًا على الرقعة الزراعية، فالشباب يلجأون لتأجير الملعب الخماسى لمدة ساعة أو أكثر، ويتفاوت سعر التأجير من منطقة لأخرى، لكن فى أغلب الأحيان تبدأ من 100 إلى 200 جنيه.. وتمتاز الملاعب مقارنة بالساحات بتوافر كشافات الإنارة العالية، فضلًا عن مدرج جماهيرى بسيط ناهيك عن كافيه لتقديم المشروبات ومشاهدة المباريات العالمية.

وقديمًا كانت الساحة تضم الكثير من الألعاب الفردية ذات الشهرة كالكاراتيه والتايكوندو وغيرها، لكن مؤخرًا اعتمدت فقط على كرة القدم والسلة فى بعض الأحيان وهذا لضعف الموارد المالية ولكونهما أكثر الألعاب شعبية، إضافة إلى غياب مدربى تلك الألعاب إذ انصرفوا عن التدريب واتجهوا لممارسة المهن الحرة، ومن أحد أسباب غيابها أيضًا أنها تحتاج أماكن مجهزة واشتراكًا شهريًا قد تعجز بعض الأهالى عن دفعه.. وغالبًا يتم تنظيم الدوريات الصيفية بين قرى المركز الواحد سواء فى ساحاتها الواسعة أو ملعب مركز الشباب.

على أرض واحدة من الساحات الشعبية بمحافظة الشرقية والتى يكسو أرضيتها تراب وغبار كثيف، يصطف على جانبى الملعب مئات المشجعين من كافة الأعمار السنية والطبقات الاجتماعية، جمعهم عشق الكرة فلم يهتموا بعدم توافر أى من الإمكانيات كمدرج بسيط يحتضنهم، أو حتى كراسى معدنية يجلسون عليها، تسلقوا الأشجار المجاورة كى ينعموا بمشاهدة واضحة لتسديدات المباراة، يهتفون بحماس ويطلقون صافاراتهم العالية لتحفيز فريقهم على الفوز، أما المشجعون الصغار فينتظرون قدوم أشهر الصيف ليرموا عن كاهلهم مشقة الدراسة ويتفرغوا لمؤازرة فريق قريتهم والسفر وراءه أينما ذهب، وفى بعض الأحيان قد يدفعهم تعصبهم الكروى للاشتباك مع مشجعى الفريق المنافس، لكن حب الساحرة المستديرة يجمعهم.

ويرتدى لاعبو الفريقين قمصانا ذات ألوان متقاربة يتبرع بطباعتها إحدى الشخصيات المشهورة بالقرية أو عضو مجلس النواب اعترافًا منه بقوة تلك الدوريات ولبناء جسور الثقة مع أهالى دائرته، كما يتبرع أيضًا بميكروفون لنقل المباراة على أسماع الحاضرين والأهالى فى منازلهم.

يقول محمود هنداوى، أحد كبار الرياضيين بقرية اأبو حمودةب التابعة لمركز كفر صقر: تعد الساحات الشعبية متنفسًا لأهالى القرى والنجوع الصغيرة خاصة مع عدم وجود مراكز شباب تقوم على خدمتهم، لكن مع ارتفاع أسعار أراضى البناء وزيادة النمو السكانى أصبحت الساحات أو االجرنب مهددًا بالاختفاء مؤكدًا أن الملاعب الخاصة وأكاديميات كرة القدم باتت تجذب الشباب والأطفال لمّيزات ملاعبها من نجيل صناعى ومدرجات للجماهير.

ويضيف: كما تمتاز الساحات بأنها منبع لتفريخ المواهب الكروية، منهم الكابتن على عفيفى، لاعب المقاولون السابق والمحترف حاليًا فى نادى تيناج المالديفى، وهو واحد من اللاعبين الذين نمت موهبتهم الكروية على أرض الساحات قبل انتقاله لنادى بلقاس ومنها لأندية الدورى الممتاز، مشيرًا إلى أن هناك تقصيرًا واضحًا من مسئولى وزارة الشباب والرياضة حول ملف تطوير الساحات الشعبية.

أما محمد سونى لاعب بفريق اأبو حمودةب فيقول: تتمتع الساحات الشعبية بمكانة كبرى بين لاعبى كرة القدم فهى مفرخة للكثير من أباطرة اللعبة مثل شيكابالا والكابتن أسامة عرابى لاعب النادى الأهلى وآخرهم محمد صلاح، حيث كانت تستضيف دورات كرة القدم فى أوقات مختلفة كدورات شهر رمضان، والدورات الصيفية، موضحًا أن فريق كل قرية ينافس بقوة للفوز بكأس الدورة وهذا ما يحفز ظهور المواهب اللامعة.

ويتابع: لكن مع دخول البيزنس عالم كرة القدم حتى أصبح اللعب فى االجرنب موضة قديمة خاصة أنه يعانى إهمالا شديدا وعدم وجود أى اهتمام به اللهم إلا بعض التبرعات المحدودة، مشيرًا إلى أن ندرة أراضى البناء اضطر أصحاب الساحات للبناء عليها أو بيعها بمبالغ باهظة.

ويدعو سونى وزير الشباب الدكتور أشرف صبحى، إلى تطوير تلك الساحات أو إنشاء مراكز شباب على أعلى مستوى فى القرى الكبرى، خاصة أنها تخدم عدة عزب ونجوع محيطة بها.

وعن رأى الشــــباب، يقـــول ســـعيد زيـــان (30عـــامــًا): ننتظــــر الـــــدورات الصـــــيفيـة والرمضـــانية على أحـــر من الجمــــر لنتمتع بمشـاهدة مــباريات السـاحة الشعبية، حيث تضم فرقًا قوية من كافة المراكز المجاورة، ناهيك عن روح التنافسية التى تسيطر عليهم طوال المباريات مشيرًا إلى أن أغلب نجوم كرة القدم تخرجوا من تلك الساحات.

ويرى زيان أن ملاعب النجيل الصناعى استقطبت المراهقين وبعض الشباب بسبب إمكانياتها وقوة ملاعبها مقارنة بالساحات، كذلك أكاديميات الكرة الخاصة لكنها تفتقد حماس المشجعين والشعور بلذة الانتصار.

ويتفق معه فى القول رامى حفنى (28 عامًا): تفتقر كثير من القرى والنجوع لمراكز الشباب المطورة مما يجعلنا نبحث عن بديل آخر سواء ساحات شعبية أو ملاعب النجيل، ومع تناقص الساحات بسبب الزحف العمرانى فإن ممارسة الرياضة فى تلك المناطق باتت فى خطر.

وهناك مسئول فى مديرية الشباب والرياضة بالشرقية طلب عدم ذكر اسمه، قال إن هجرة أبناء المحافظة لأوروبا أدى لارتفاع أسعار أراضى البناء وتحديدًا المساحات الشاسعة ومنها االأجرانب أو الساحات الشعبية وهو ما جعلها تختفى فى معظم مراكز المحافظة، كما أن المديرية أيضًا وجدت صعوبة فى اختيار أرض تصلح لإنشاء مركز شباب خاصة مع ندرة التبرعات بالأراضى وبالتالى أصبحت هناك قرى بدون ملاعب أو مراكز شباب.

ويضيف: ومع انتشار الأكاديميات الخاصة لكرة القدم بات وجود الساحات على كف عفريت وذلك لكون ملاعبها جيدة ومطابقة للمواصفات الرياضية ناهيك عن الدعاية الجيدة لها بين القرى والمراكز.

من ناحية أخرى يقول الكابتن على أبوجريشة نجم مصر ونادى الإسماعيلى: كانت الساحات الشعبية فى السنوات الماضية مفرخة للمواهب الرياضية اللامعة، حيث كانت المتنفس الوحيد لأبناء القرى والنجوع وكذلك المدن الصغيرة، حتى أن كشافى المواهب كانوا يحرصون على حضور مبارياتها لاكتشاف المواهب الكروية وضمها لصفوف أندية الدورى الممتاز، مشيرًا إلى أنه مع اختفائها وظهور أكاديميات الكرة الخاصة وملاعب النجيل الصناعى بدلًا عنها أصبحت الرياضة مجرد بيزنس ووسيلة للربح المضمون فقط.

ويتفق معه الكابتن محمد سلطان أحد نجوم التايكوندو، فيقول: بعد تناقص الساحات الشعبية وحلول مراكز الشباب محلها باتت الألعاب غير الشعبية كالكاراتيه والتايكوندو تمارس فى نطاق محدود خاصة فى ظل ضعف الإمكانيات المادية بالرغم من كونهما من الألعاب التى تجنى لمصر كثيرا من البطولات، كما أن الساحات الشعبية باتت تعتمد على بعض الهواة الذين يزعمون كونهم مدربين مؤهلين، مؤكدًا أن تلك الساحات لا تصلح لممارسة رياضات بعينها.