300 ألف طفل يولدون به سنوياً حول العالم

«الأنيميا المنجلية».. مرض وراثي بلا علاج

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتبت: آية فؤاد

بعض الأمراض الوراثية يورث من الآباء أو الأمهات أو من كليهما، والبعض الآخر يحدث بسبب طفرة جينية مكتسبة عشوائيا أو نتيجة عوامل بيئية، وفقر الدم المنجلى أو «الأنيميا المنجلية» أحد الأمراض الوراثية التى تنتقل من الآباء للأبناء، وأطلق عليه هذا الاسم لأن الجسم فى حالة الإصابة به ينتج خلايا دم حمراء غير طبيعية وتأخذ شكل الهلال أو «المنجل»، بسبب خلل فى الجين المسئول عن تكوين الهيموجلوبين بالجسم، ما يؤثر فى حياة الإنسان الذى لا يجد سبيلا سوى التعايش مع المرض لعدم وجود علاج له حتى الآن، خاصة الأطفال لما يسببه لهم من تأخر فى النمو.

أستاذ أمراض الوراثة: يجب الكشف قبل الزواج لتجنب إصابة الأطفال به

الأمراض الوراثية تحدث بسبب وجود خلل فى المادة الوراثية للفرد، ويمكن أن يتراوح حجم الخلل الحادث فى الجينات بين البسيط الذى يحدث فى القاعدة الواحدة من «دى إن إيه»، والخلل الكبير الذى يحدث فى كروموسوم كامل أو مجموعة كروموسومات، والأنيميا المنجلية أحد هذه الأمراض التى غالباً تؤدى لخلل كامل لا بُد أن يتعايش معه المريض ويعلم أنه ينتظره حياة إلى حد كبير مختلفة.

محمد إسماعيل، أحد المصابين بالأنيميا المنجلية، وقد سبّب له مشكلات كثيرة على مدار سنوات عمره التى لم تتجاوز 25 عامًا، وتحديداً منذ فترة المراهقة، وكان المرض سببا فى إصابته حينها بجلطات فى الساق.

يقول: «كنت أشعر بآلام مزمنة فى المفاصل منذ أن كنت طفلا، لكن الأمر تضاعف فى مرحلة المراهقة، كان هناك زيادة فى نوبات الألم وإصابة غير مبررة بالجلطات، كنا نعلم أننى مصاب بالأنيميا المنجلية، لكن الأمر كان محتملا حتى فترة المراهقة»، مؤكدًا أن إصابته بالمرض كانت غير متوقعة، خاصة أنه مرض وراثى، ولم يكن أبواه مصابين به، ولكن الطبيب أوضح لهما أن الوراثة لم تقتصر على الوالدين فقط.

يمنع وصول الأكسجين لأعضاء الجسم.. وأبرز مضاعفاته العمى والسكتة الدماغية

يتابع: هذا المرض يؤثر فى أعضاء الجسم المختلفة نتيجة عدم وصول الأكسجين إليها بشكل كاف، ولذلك أشعر بنوبات ألم حادة ولا يسعنى سوى تناول المسكنات، بالإضافة إلى أننى غير قادر على بذل أى مجهود، لا يمكن أن أتواجد فى مكان شديد الحرارة أو شديد البرودة، بالتالى أثر ذلك بشكل كبير فى حياتى، كل ما كنت أخطط له كان يفشل فى النهاية بسبب مرضى، كما أننى كنت أقضى فترات طويلة بالمستشفى قد تسبب لى المرض فى الإصابة بالجلطات أكثر من مرة ما بين الساق واليد والرئة.

من جانبه، يوضــــح أمجــــد الحــــداد، اســتـشــــارى الحســــاســـــيـة والمنــاعـــــــــة، لـ«آخرساعة»، أن أنيميا الخلايا المنجلية مـــرض وراثــى جـــينى يولـــد به الطــفل، يكون حاملا للمرض من الطرفين (الأب والأم)، ويُحدث الجين خللا فى شكل كرات الدم الحمراء ويجعلها تأخذ شكل المنجل بما يزيد من لزوجتها، ويؤثر فى عمرها الافتراضى. وهذا المرض يمكن اكتشافه عن طريق تحاليل الدم،  فخلايا الدم المنجلية تعيش من 10 إلى 20 يوما فقط، فيصاب الشخص بفقر الدم، كما أنها تؤدى لانسداد فى الأوعية الدموية الطرفية فتسبب الآلام فى الصدر والعظام وتؤثر فى العين بانسداد الأوعية الدموية الدقيقة، فتسبب العمى وحدوث جلطات صغيرة، وتؤثر فى المخ فتصيب بالسكتة الدماغية.

الإصابة بالمرض تسبب حدوث نوبات ألم شديدة وإجهاد وضعف عام، لأنها تمنع تدفق الدم والأكسجين للأعضاء، وليس له علاج ويجعل الإنسان عرضة للعدوى نظرا لضعف المناعة.

ويوضح أنه فى الطبيعى يقوم الجسم بإنتاج خلايا الدم الحمراء التى تتميز بالمرونة لسهولة حركتها خلال الأوعية الدموية، لكن عندما يكون الشخص مريضا بالأنيميا المنجلية تتحول خلايا الدم إلى الجمود ما يعوق حركتها ويمنع تدفق الدم والأكسجين إلى أعضاء الجسم.

ويشير إلى وجود مشكلات فى النمو بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين، كما يمكن أن يتسبب المرض فى حدوث تورم للكفين والقدمين لعدم وصول الدم إليها بصورة طبيعية، وحينها يتم متابعة التاريخ المرضى للشخص المصاب والأب والأم، ومعرفة إذا كان المريض حاملا للمرض أى ورث جينا واحدا من أحد الوالدين أم أنه مصاب بالمرض، أى أنه ورث الجين من كلا الأبوين.

وهـــنا تكــــون الخطـــورة إذا كان كـــلا الوالدين حــامـلين للمـــرض، أو مصـــابين به أو واحد منهما مصابا والآخر يحمل للمــرض، لذا يمكــن للشخـــص المصــاب أن يتزوج من شخص سليم وغير حامل للمــرض لإنجــاب أطــفال أصـحاء، ويمكن التأكد من ذلك من خلال بعض التحاليل التى تُجرى قبل الزواج، مشيراً إلى أهمية الالتزام بالفحص الطبى الذى يجرى قبل الزواج لتجنب انتقال الأمراض الوراثية إلى الأبناء.

وفيمــا يخـص فــرص العــلاج، أوضــح عصام على، استشارى أمراض الدم، أنه لا يوجد علاج نهائى لأنيميا الدم المنجلية حتى الآن، لكن هناك عادات صحية لا بُد من الالتزام بها لتجنب المضاعفات، ومنها اتباع نظام غذائى صحى غنى بالعناصر المفيدة للجسم وتجنب الأطعمة الدسمة والدهنية، والإكثار من شرب المياه والسوائل عمومًا، والمشى يومياً لمدة لا تقل عن 30 دقيقة.

ويلفت إلى أن العلاجات تحد من المضاعفات التى يمكن أن يتعرض لها مريض الأنيميا المنجلية، ومنها تلف الأعضاء المختلفة بالجسم لعدم وصول الدم والأكسجين إليها مثل الكبد والكُلى، أو الإصابة بحصى المرارة، أو الإصابة بالعمى، ومتلازمة الصدر الحادة، وقد يعانى البالغون تلفًا بالعظام والمفاصل أو قرح الساق.

فيما توضح غادة القمّاح، أستاذة أمراض الوراثة الإكلينكية بالمركز القومى للبحوث، أن أمراض الدم الأكثر انتشاراً فى العالم هى تلك التى تؤثر فى الهموجلوبين، وهى أمراض وراثية تؤثر فى إنتاج الهموجلوبين، وتنقسم لنوعين: الأنيميا المنجلية، وأنيميا البحر المتوسط، والأولى أكثر مرض وراثى يتسبب فيه جين واحد حيث يولد مصابا به حوالى 300 ألف طفل حول العالم سنويًا.

وتؤكد أنه لا توجد إحصائيات واضحة عن المرض فى مصر، لكن دراسة أجريت على سكان الواحات، أشارت نتائجها إلى أن أكثر من ربع السكان حاملين للمرض (من 9 إلى 22٪)، بسبب زواج الأقارب، لذا ننبه إلى أهمية أجراء تحاليل الجينات الوراثية، موضحة أنه فى كثير من الدول يوجد تحليل روتينى لحديثى الولادة لمعرفة المصابين بالمرض مبكراً مع الاهتمام بالاستشارة والكشف الطبى قبل الزواج، أو إجراء التحليل للجنين أثناء الحمل، أو اللجوء للتلقيح الصناعى لولادة طفل سليم.

إقرأ أيضًا

دراسة| تناول هذه الفيتامينات دون استشارة الطبيب قد يضر بصحتك

وتوضح: عند الشعور بأحد الأعراض التى تمثل خطورة لا بد من الذهاب للطبيب فورا لتدارك الأمر سواء بالتدخل الجراحى أو الأدوية أو نقل الدم، مشيرة إلى أن العلاج كان يتلخص فى المكملات الغذائية كالفوليك أسيـد (حمـض الفوليك)، لكن حالياً يوجد أدوية جديدة لكن لها آثار جانبية وأسعارها مرتفعة، مثل زرع النخاع، إلا أنه ينطوى على مشكلتين، أولاً أنه لا بُد من إيجاد شخص يتوافق مناعيًا مع المريض، وهو أمر صعب جدا، ثانيا المريض لكى يتم زرع نخاع له يجب أن تموت خلايا النخاع لديه تماما، ما يجعله فى حالة من نقص المناعة، بالتالى هذه التقنية ليست صعبة ولكن تحفها مخاطر كثيرة، كما أن المريض لا بُد أن يلتزم ببعض الأدوية الخاصة بالمناعة لمدة 6 أشهر بعد زرع النخاع.

أما الطريقة الثانية فيتم العمل من خلالها على الجينات لتزويد الهيموجلوبين للمريض بدلا من الأدوية، كما حدث فى أفريقيا، وأنشئت جمعية مختصة بالتعديل الجينى وهى تقنية علمية جديدة عبارة عن حامل يدخل الجسم لقص المنطقة المصابة بالجين واستبدالها بحامض نووى جديد، لكن أيضا صاحب هذه العملية بعض المشكلات الصحية، حيث أصاب بعض المرضى الذين خضعوا لهذه التقنية بالسرطان فتم الاستغناء عنها.

وتوضح أن هناك مشروعا بالمركز القومى للبحوث للعمل بالتعديل الجينى على الخلايا الجذعية للمريض وهى خارج الجسم، وهو علاج جينى جديد يتم بحثه حول العالم، وتم علاج 18 مريضا حول العالم بهذه التقنية، ويتكلف علاج المريض بها مليونى دولار وهو مبلغ كبير جدا، لذا فإن منع المرض من البداية الحل الأمثل عن طريق الاهتمام بالكشف قبل الزواج، خاصة أنه من خلال الأبحاث تبين كم المعاناة التى يعانيها مريض الأنيميا المنجلية، خاصة الأطفال، لافتقداهم القدرة على مزاولة حياتهم بشكل طبيعى والذهاب إلى المدرسة، ومشاركة أقرانهم الأنشطة المختلفة، بالإضافة لاحتياجهم لنقل الدم باستمرار الذى قد يعرضهم للعدوى.