جمال الشناوي يكتب: الوزير الغائب عن التشكيل .. 

الكاتب الصحفي جمال الشناوي
الكاتب الصحفي جمال الشناوي

ليس أول تعديل وزارى تشهده مصر ..ولن يكون الأخير ..ومن أبرز مميزات التغييرات في الحكومة ..هو تجديد الدماء وإشاعه حالة من الأمل بين الناس، الذين يحاصرهم صناع اليأس، ويبدوا أنه بات علِما له متخصصون يبرعون في ابتكار أساليب وسائل جديدة، يسعدون فقط بأجواء الفوضى والتشكيك ..وكما حذر الفيلسوف الإيطالي أمبيرتو إيكو ..أن الفاشية «الفوضى» قابلة لأن تعود من خلال أساليب تبدو بالغة البراءة.

لا أعرف هل الكتابة ذات جدوى، في أجواء سيطر على المشهد فيها غزو البلهاء للفضاء الألكترونى، أو كما وصفهم الفيلسوف الإيطالى الذى رحل عن عالمنا قبل ست سنوات ..عندما قال ..«الفيس بوك وتوتير» منحت جيوش من الحمقى حق الكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل ..والحقيقة أن المصريين كانوا يصفوها بـ«كلام مصاطب» ساعة عصارى ..والآن أصبح أسمه «كلام سوشيال».

ففى أجواء التغيير صانعة الأمل عموما ..ورغم ملاحظاتي على الأداء السياسي للدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم السابق ..إلا أن حملات التشفى من بعض أولياء الأمور وجروبات  الماميز، كشفت عوار في الأداء السياسي للمسئول ..وأيضا أكدت ما حذرنا منه الفيلسوف الإيطالي من غزو الحمقى والجهلاء للفضاء الإلكتروني. 
أيضا كشفت حاجتنا إلى كيان أو وزارة ..تكون مختصه بتشخيص ما أصاب الشخصية المصرية من أمراض مرتبطة بالتطور غير المسبوق في وسائل صنع الرأي العام ..ودراسة التطورات على سيكولوجية الجماهير. 

الآزمة لدى الرأي العام بعد أحداث «ثورة» يناير ..أنها فتحت المجال للعامة فجأة ..وبات الجميع يطلق الآراء ..كرصاصات مدفع رشاش لا تميز.. فقط تصيب كل من في طريقها. 
الطبيعى أن الرأي يولد من رحم المعرفة ..لا أن يسبق إدارك المعلومة ..ونحن في مصر، نفعل العكس.
ويجب أن نكون حذرين، فعصابات صناعه اليأس تبرع في استهلاك كل أمل تصنعه مصر ..وتستنزف كل انجاز يتحقق على أرض البلاد، فهم لا يرون إلا بقلوب حاقدة ..وعيون خلف نظارات سوداء حاسدة.
ذات مرة في بدايات حياتى الصحفية عام ١٩٩٠، ذهبت إلى مكتب القطب الناصرى والمحامي الكبير الأستاذ فريد عبد الكريم، لحوار حول انطلاق الحزب الناصرى والإنشقاقات التي ألمت به وانسحاب أمين هويدى ..وفى نهاية الحوار ..قال لى جملة لم أنساها من سياسي مخضرم ..«أسهل حاجة أنك تبقى معارض ..وستجد من يسمعك».

وقديما أوصانا الشاعر بتجاهل السفيه، وعدم الرد عليه وسيموت كمدا ..لكن الآن يجد السفيه من يعيد نشر تفاهاته ..ويصدقها بعض الناس ..وأتمنى من الحكومة الجديدة والدكتور مدبولى تحديدا أن يعيد تنظيم الآله الإعلامية للحكومة ..لتكون أكثر حيوية ..وليكن صوتها مسموعا على كل أدوات الميديا الجديدة، وليست تلك التي أكل الدهر عليها وشرب بفاعلية ومبادرة وليست مجرد رد فعل  محدود ..يا سادة العالم يتجه الآن إلى مرحلة ما بعد التليفزيون.
أما الوزير الآخر الذى كنت أتمنى أن يكون موجودا بين صفوف الحكومة الجديدة، هو وزير المتابعة ..أو ربما نائبا لرئيس الوزراء لشئون المتابعة ..تسلم له كل الوزارات والمحافظات خططها ..ليبدأ هذا المسئول وفريق ضخم من شباب وخريجى الجامعات الجدد في متابعة معدلات التنفيذ ..ويمكن انتقاء طلاب الجامعات في القاهرة وخارجها ..ويكلف طلاب الهندسة بالإشتراك في مشروعات البنية التحتية ..وطلاب الزراعة يساهمون في غزو الصحراء الذى يتم حاليا ..وهكذا، أشركوا الشباب فهم خير من يحمى بلادنا من الشائعات.
فأفضل طرق صنع الوعى وأسرعها هو إشراك شرائح أكبر من الشباب في النهضة الشاملة التي لاينكرها إلا جهول أو مغرض ..إضافة إلى قانون صارم يطبق على الجميع بلا استثناء ..ثم يأتي بعد ذلك بكثير دور الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة.
وتبقى كلمة أخيرة للصديق العزيز ضياء رشوان ..صديقى أتمنى أن يكون بين أوراق الحوار ..ورقة تحمل سؤال واحد ..كيف نعيد صياغه المجتمع، وبالتأكيد ..لا يوجد مجتمع مثالى لكن علينا السعي لإعادة بناء قوامه الرئيسى .
رجاء يا صديقى أن تدرك أن بعضا من النخب كما في بعض بلاد الأشقاء والجيران ..يتحولون إلى أباطرة يتهافتون على الشخصي قبل العام ..فالعراق الشقيق أجرى انتخابات العام الماضى ..ونخب الطوائف والسياسيين فشلت في مجرد تشكيل حكومة ..ولنا في لبنان درس آخر، وحتى السودان الشقيق غارق حتى أذنيه في الصراعات السياسية ..ولم يذهب أيا من الفرق المتناحرة حتى لزيارة ضحايا السيول.
علينا أن نصنع نخبه جديدة ..ويكون كل المشاركين في الحوار الوطنى مطالبين بتقديم اقتراحاتهم التي يتم بلورتها في التوصيات النهائية.