خلال مناقشة مجموعته القصصية ..

«قهوة ..بطعم غيابها» لأسامة السعيد.. لمسة أدبية في غاية العفوية ومعالجة للقضايا الوطنية

خلال مناقشة المجموعة
خلال مناقشة المجموعة

أقيمت ندوة لمناقشة وتوقيع المجموعة القصصية «قهوة .. بطعم غيابها»  للكاتب والروائي دكتور أسامة السعيد الكاتب الصحفي بالأخبار، وذلك بمقر منتدى «ستار بوكس» الثقافي بعمارة يعقوبيان، تحدث في الندوة الدكتور محمد سليم شوشة أستاذ النقد الأدبي بجامعة الفيوم، والأديب والناقد الأدبي عبد النبي النديم، وأدارها الكاتب الصحفي طارق الطاهر، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، كما شارك في الندوة عدد من النقاد والكتاب والصحفيين..


وتضم مجموعة "قهوة .. بطعم غيابها" 26 قصة متنوعة، تجمع بين القصص القصيرة، والقصص القصيرة جدا، ويهيمن على قصص المجموعة الجانب الإنساني، الذي يجسد مواقف متباينة في الحياة اليومية ما بين صراع الإنسان الداخلي مع ذاته وأحلامه، أو صراعه مع متغيرات العصر ومحنته في مواجهة الغربة، والاغتراب الداخلي.
وتعد هذه المجموعة هي الثالثة في مسيرة أسامة السعيد الأدبية، حيث سبق له نشر مجموعتين قصصيتين بعنوان «عورة مكشوفة»، و«هيت لك»، كما صدرت له روايتان، هما «رواق البغدادية» الفائزة بالمركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2014، ورواية «آرنكا» الفائزة بجائزة إحسان عبد القدوس عام 2018.
يقول الدكتور محمد سليم شوشة أستاذ النقد الأدبي بجامعة الفيوم، قرأت روايات أسامة السعيد السابقة، والآن تصدر مجموعة «قهوة..بطعم غيابها» الثرية أدبيا باعتبارها عمل أدبي متميز، بدليل أول ما يميزها ما تهتم به من قضايا وأفكار، فكل قصة بها قضية أو فكرة أو موضوع وكتاباته القصصية في غاية العفوية، وبها قدر كبير من التدفق، ولها خصوصية في أكثر من قصة، مثلا المجموعة تطرح عدد من الشخصيات التي تبقي في ذهن القارئ مثل سائق التاكسي الفلسطيني، وهناك فارق بين الخيال المختلق والخيال على أرض الواقع، فلا يمكن أن نحدد أنها حقيقة أو لا، فليس هناك عمل للمخيلة، لأنه مثقف وله عبارات دالة وقوية، ولغة الحوار لديه لها أكثر من محتوى ومعنى، بجعل الشخصية غير عادية، هذه الشخصية ليست عادية فالجملة التي قالها بطل قصته «الأوطان لا توضع على الطاولة إلا لتأكل»، تعبر عن حالة سياسية يعيشها كل مواطن مهموم بالقضية الفلسطينية، وكذلك جملة «الخيول تحتاج إلى من يحنو عليها قبل أن تطلق عليها رصاصة الرحمة»، ونجدها كذلك عند المحارب الذي استشهد كل زملائه وبقي هو ليموت حيا، فالسرد هنا يضئ مساحات ذهنية مختلفة، فهو يحدد أنواع للموت، فلغة السعيد شعرية تضيف للقصة، وكذلك علاقة الحفيد بالبيت القديم ويصف الفكرة بلغة شعرية لصناعة نموذج إنساني مختلف، فالسرد هنا يكون قادرا على التفتيش داخل الإنسان، فعناصره واستراتيجياته السردية الأخرى مثل عنصر الزمن شيء من السريالية، والدواخل النفسية.
وأضاف شوشة أن القصص القصيرة جدا لدى أسامة السعيد تمثل اختبار للعبقرية في التعامل مع اللغة والتكثيف، وتكشف عن سماته الشخصية ككاتب، ويترجم ما يرى في الحياة اليومية فهو يكتب دون حسابات، وكذلك لديه لغة محسومة ومحسوسة، ولديه حسبة عاطفية مع الاعتبار للحسبة العقلانية، وكذلك الغزارة في القيم الدلالية والجمالية، والأثر الجمالي محسوبة ومرصودة بشكل علمي، وهناك قيم دلالية ومركزية تتشكل في فكرة الاغتراب، والشخص الذي يصطدم مع عائلته لعدم هدم البيت، وكذلك المحارب الذي فقد زملائه في الحرب وحالة الحب الغير مكتمل..  وغيرها
وينهى شوشة نقده للمجموعة قائلا : الحقيقة المجموعة في غاية الثراء والأهمية والتعامل بصدق مع الحالة الأدبية بالانشغال بالقيم الجمالية ومهموم ببعض القضايا الوطنية.


وأكد الناقد الأدبي والروائي عبدالنبي النديم، أن الأديب أسامة السعيد يغوص بنا متمكنا من الأسلوب الفني المتميز، والذى يتسم بالسهولة والوضوح، والإيجاز والتركيز، متجولا بنا بين قصص مجموعته الرائعة «قهوة .. بطعم غيابها»، متحررا في بعض المواطن من قيود الصنعة وبعيدا عن التكلف، يرسم شخوصه في براعة رائعة في لوحات فنية، لشخصيات تعيش بيننا، مستعينا بخزينته الثقافية المتنوعة، متسما بالقدرة في قصصه على تسلسل الأحداث وترابطها، وربطها بالواقع، خاصة القصص التي بها إسقاطات سياسية، الأمر الذي يدل على دقة الملاحظة لدى الدكتور أسامة السعيد، والنزعة الإنسانية والإطلاع ومحاولته وحبه للإصلاح، بما يمتلكه من ثقافة واسعة والتعبير بشجاعة عن الكثير من القضايا الوطنية والسياسية والقومية، متعمقا فيما يعانيه المواطن في الشرق من قضايا أرقته على مدار العقود الماضية..
وأضاف الناقد الأدبي والروائي عبدالنبي النديم أنه على الرغم من تمكن السعيد من أدواته في السرد، والتحكم في عناصر القصة القصيرة، إلا أن هناك لمسة أدبية، انحرف بها إلى قالب آخر من القوالب الأدبية، وهو أدب الرحلات، والتي ظهرت جلية في قصة «ذاكرة الأحزان» وقصة «بط بالبرتقال» وقصة «سوناتا الصمت»، التي زادت من جمال إبداعه، وجمعت بين قالبين من صنوف الأدب القصة القصيرة وأدب الرحلات، وزادت من جمال ولذة «قهوة .. بطعم غيابها»،فبالحصيلة اللغوية والثقافية والوطنية التي يتمتع بها أسامة السعيد، كتب مجموعته القصصية بأسلوب أدبي متفرد، وشياكة وأناقة دبلوماسي متمرس، وحس وطني عال..
واختيار عنوان «قهوة بطعم غيابها» .. لمجموعته القصصية هى سيميائية جميلة، تثير لدى القارئ شهية البحث عن طعم القهوة، وكعتبة ملكية تؤهلك للدخول إلى رحلة ممتعة، تطوف فيها بين بلدان العالم، وتغوص داخل النفوس البشرية، بأسلوب فلسفي متعمق، وقراءة متأنية واضحة سهلة وبسيطة تعبر عن مكنون الروح والمشاعر الإنسانية، فعنوان المجموعة القصصية من أهم العتبات النصية الموازية المحيطة بالنص، فهى بمثابة الرأس للجسد، وتفتح شهية القارئ للقراءة أكثر، في علاقة جدلية وانعكاسية، تسهم في توضيح دلالات السرد، ولاستكشاف معانيه الظاهرة والخفية، والمفتاح الضروري لسبر أغوار النص، والتعمق في شعابه التائهة، والسفر في دهاليزه الممتدة، فبين الحين والآخر وأنت تجوب حديقة الزهور الفيحاء فى «قهوة بطعم غيابها»، يغلب على القاص أسلوب أدب الرحلات، الذي طعم به مخطوطته الرائعة، لتعيش معه في رحلة أدبية شيقة، لا تريد الخروج من رحابها، ولا تتمنى أن تنتهي من صحبتها..
طار بنا السعيد من أعماق الريف إلى حوارى بودابست والعواصم الأروبية، ممطتى جواد السرد الذي أحكم لجام التحكم عليه، يسوقنا داخل عالمه رافعا هامته، وواثقا من بضاعته التى روت بداخلنا أحاسيس فقدناها منذ زمن، ولم يتخلى عن دبلوماسيته الرائعة في السرد، وثقافته الواسعة من خلال عمله ودراسته لفن السياسية..
وبأسلوبه الدبلوماسي الأنيق، يجذبنا صاحب المجموعة القصصية «قهوة بطعم غيابها» إلى عالم جميل تنجذب إلى رفقته من أول جملة، وتحزن لفراقه مع آخر قصة فى مجموعته المميزة، والتى رتبها ترتيبا أنيقا يليق بكاتب من وزن الدكتور أسامة السعيد، بدأها بـ«ذاكرة الأحزان» الذي عالج فيها بوطنية ما يختلج صدر كل عربي على قضية شغلت بال الجميع منذ احتلال فلسطين.

اقرأ أيضا | «قهوة ..بطعم غيابها» مجموعة قصصية جديدة لـ«أسامة السعيد».. براعة الأديب وشياكة الدبلوماسي