صاحب «الصدفة والمواعيد» يعترف: أعانى من «شيزوفرينيا» جغرافية!

صاحب «الصدفة والمواعيد» يعترف:أعانى من «شيزوفرينيا» جغرافية!
صاحب «الصدفة والمواعيد» يعترف:أعانى من «شيزوفرينيا» جغرافية!

يلتقط القاص حسام فخر تفاصيل سيرته وذكرياته ووجوها من طفولته وحياته اليومية، وينفخ فيها من مخيلته ليهبها حياة أخرى، منذ كتب له الأديب الكبير الراحل د.يوسف إدريس مقدمة مجموعته القصصية الأولى «البساط ليس أحمديًا» فى عام 1985، وتوسم فى بداياته موهبة ودأبًا، وحتى مجموعته القصصية «بالصدفة والمواعيد» الصادرة حديثًا عن دار العين، وهو ما يُعبّر عنه فى حوارنا معه قائلًا:


«أعتقد أن أعمالى فيها ما يمكن اعتباره قدرًا من السيرة الذاتية، سواء ذكريات الطفولة أو الحياة اليومية، أو ما إلى ذلك، فأنا أفضِّل ألا أكتب إلا ما أعرفه، وقد أنعمت علىَّ الحياة بتجربة كبيرة، ومتسعة جغرافيًا ومكانيًا ولغويًا، ومررت فيها بالكثير من المواقف، التى قد يتجاوز فيها الأمر ما يتبادر إلى الذهن، أو تراه العين للوهلة الأولى.

ففى كل واحدة من تلك المواقف إحساس شاعرى إنسانى، ومن هنا اخترت هذا الشكل وأنا بالفعل حاضر فى الكثير من القصص، لكن ليس بشكل تسجيلى أو كصورة «فوتوغرافية»، فحضور شخصى فى هذه القصص يكاد يكون لوحة تأثيرية،أو انطباعية أو صورة ملتقطة بعدسة مهزوة».


عمل فخر كمترجم فى الأمم المتحدة بنيويورك منذ عقود، وهو ما تبدو أصداؤه فى نصوصه التى تعكس قدرًا من التنوع الثفافى، وحضور «الآخر»، وكذلك ما يمكن تفسيره بـ»أزمة الهوية» ويُعلق الأديب قائلًا: «ذهبت إلى معظم بلاد العالم.

ورأيت مدى التعدد والتنوع والتماثل بل والتطابق بين كل بنى البشر، ولا أظن أننى أعانى من أزمة هوية بالمعنى المفهوم للكلمة، أنا ابن مدينتين وثقافتين ولغتين وحضارتين، وأشعر تجاههما بنفس القدر من الألفة، وبنفس القدر من الغربة بنفس القدر من القبول والرفض، وفى كل لحظة من لحظات حياتى المنقسمة بين «القاهرة» و»نيويورك»، يمكن أن نسمى تلك الحالة بـ»الشيزوفيرنيا» الجغرافية، وكتبت يومًا أنى لا أستطيع أن أغفر للقاهرة أنها ليست «نيويورك»، ولا أستطيع أن أغفر لنيويورك أنها ليست القاهرة، وأظن أن فى هذا ما يكفى للتعبير عن علاقتى المرتبكة بالمدينتين الثقافتين».


يحضر الشعر بقوة فى نصوص مجموعته الجديدة، وهو أمر يرتبط بإيمان «فخر» بأن القصة هى أقرب الفنون إلى جوهر الشعر، كما يرتبط بقرابة بصلاح جاهين، وهو ما يعقب «فخر» عليه قائلاً: بحكم صلة القرابة والصداقة الشخصية بين أستاذ كبير وشاب يتلمس طريقه فى بداية مشواره مع الفن، كنت أعرض عليه ما أكتبه، وكان يرد باقتضاب: «حلوة» أو «مش حلوة» وأعطانى أهم درس فى حياتى الأدبية، وهو أن أكتب ما بداخلى بحرية، ثم أتعامل مع النص بملقط وعدسة الجواهرجى وساطور الجزار أحذف كل ما لا ضرورة له بلا رحمة».


كتب حسام روايتين هما (يا عزيز عينى، حكايات الآخر) لكن جل إنتاجه قصصى وحصلت مجموعته القصصية «حكايات أمينة» على جائزة ساويرس عام 2008، وهو ما يؤكده «فخر» قائلًا: عشقى الأول وإخلاصى التام للقصة القصيرة، فكما قلت فإن الشعر هو جوهر كل الفنون، والقصة القصيرة هى أقرب الأشكال إلى روح الشعر، طبعًا هناك انفجار وطوفان للروايات بسبب الجوائز، وربما الرواية تعطى مساحة للتعبير أكبر من القصة التى اعتبرها فنًا بالغ الصرامة، وأرى هناك ازدهارًا كبيرًا فى القصة القصيرة حاليًا. حمدى عبد الرحيم، حسن عبد الموجود، وأميمة صبحى، مازن معروف، مثال لمبدعى قصة قصيرة جميلة وموحية، لكن فن القصة مظلوم فى إمكانيات النشر، ومع ذلك أعتقد أن المستقبل للقصة القصيرة والرواية القصيرة «للنوفيلا»، وليس للرواية الطويلة، والسبب فى قولى هذا أن أثمن شىء فى حياة أى إنسان هو الوقت، ونحن نتنافس على وقت القارئ مع وسائل كثيرة مثل مواقع التواصل الاجتماعى، والسينما وغيرها، لذلك الاختصار والتكثيف يمنح القارئ فرصة أكثر للتنازل عن وقته للقراءة، ومع الوقت سيتضح أن شكل القصة القصيرة أو «النوفيلا» هو الأكثر توافقًا مع متطلبات العصر والوقت المحدود المتاح للرواية».
ورغم عمله فى مجال التر جمة الفورية وعلاقته الوثيقة بلغتين إلا أنه لم يفكر فى التر جمة إلا مؤخرًا، حيث صدرت له ترجمة كتاب «السعى للعدالة.. الفقه والطب والسياسة فى مصر الحديثة» للمؤرخ د.خالد فهمى عن دار الشروق، ويقول عن ذلك: «كانت تجربة ترجمتى فريدة فلم أفكر من قبل فى الترجمة، ولكن كانت ترجمتى شفاهية بحكم عملى، ولم تراودنى تلك الرغبة قبل قراءة هذا الكتاب، حيث مررت بتجربة روحانية، وكأن الكتاب يكلمنى ويقول لى حرفيا أنا يجب أن أقرأ بالعربية، واتصلت بالمؤرخ وعبّرت عن رغبتى فى أن أنال شرف ترجمته، ورحّب واستغرق الأمر عامًا ونصف العام مع العلم أن الكتاب متخصص وبالغ الصعوبة والنقاء، وهو يعلمنا عن تاريخنا أشياء ما كانت لتخطر لنا ببالٍ، وبحكم ظروف جائحة «كورونا» والحبس الانفرادى الصارم الذى فُرض على مدينة «نيويورك» فكان إنجاز هذا الكتاب بمثابة إنقاذ لحياتى، فقضيت معظم وقت هذا الحبس الانفرادى فى العمل عليه من ترجمة والبحث فى النصوص الكثيرة التى ذكرت فى الكتاب طال أربعة عشر شهرًا».

اقرأ ايضا | د. خالد أبو الليل يكتب: أحمد مرسى أسد دافع عن عرين الهوية المصرية