د.أحمد الشحات يكتب: منطقتنا العربية والحرب الباردة الجديدة

د.أحمد الشحات مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية
د.أحمد الشحات مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية

مثلت المنطقة العربية على الدوام نقطة إهتمام القوى الكبرى، كما تعد دائماً ساحة للتفاعلات الدولية، لما تمتلكه هذه المنطقة من مقومات جيوإستراتيجية وطبيعية وسياسية وإقتصادية وحضارية ودينية ، الأمر الذي دفع هذه القوى للدخول في مجال التنافس ومن ثم الصراع مع بعضها البعض بهدف فرض السيطرة والهيمنة عليها. وإنعكست تداعيات هذا الصراع على دول المنطقة ، محدثة موجة من التحولات السياسية والإقتصادية في العديد من الدول العربية ، وتأسيساً على أن المنطقة العربية أصبحت فى مركز التفاعلات الإستراتيجية بين القوى الثلاثة الولايات المتحدة والصين وروسيا فى إطار سعيها للسيطرة على هذه المنطقة في إطار مقومات دول المنطقة ، وذلك من خلال توظيف ألياتها المختلفة وتحركاتها المباشرة والغير مباشرة والمستترة لتحقيق أهدافها ومخططاتها. 

محاولة الولايات المتحدة إستعادة الأوضاع :
في ضوء ذلك جاءت تأكيدات إدارة الرئيس بايدن خلال زيارته الأخيرة للمنطقة بأن الولايات المتحدة لن تترك فراغاً استراتيجياً في المنطقة يُمكن أن تتحرك فيه الصين أو روسيا. مع حرصة تعزيز الشراكة مع دول المنطقة، سواء على مستوى ثنائي أو جماعي، خاصةً التي شاركت في "قمة جدة للأمن والتنمية" ،وكذلك تعزيز العلاقات على المستوى الجماعي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. ، وإعادة التأكيد على الشراكة الأمريكية – السعودية رغم نقاط الخلاف المعلنة ، والشراكة الأمريكية - الخليجية. مما يعكس الحرص الأمريكي على تكوين تحالفات نوعية تبرز الولايات المتحدة نغسها كقوى عظمى قادرة على الإستقطاب بما يخقق أهدافها ومصالحها فة الدوائر الإقليمية المختلفة .
مع إستحداثها لحروب إفتصادية مع الصين و، وأخرى بالوكالة مع روسيا ، وذلك في ضوء إطار أشمل لحرب باردة واسعة الأطراف .

تحركات روسية محسوبة :
وفى سياق موازى نلاحظ  تحرك للرئيس الروسى بوتين لعقد قمة ثلاثية بطهران بمشاركة نظيرية الإيراني والتركى في ظاهرها لمناقشة الوضع السورى والترتيبات الأمنية المرتبطة به ، ولكنه يبرز التداعيات الجيوسياسية للغزو الروسي لأوكرانيا ، والذى لا زال يتردد عبر أوروبا وخارجها، و تأدية الأزمة لتفاقم التوترات في الشرق الأوسط والخليج، حيث يبحث بوتين، عن حلفاء وأسواق جديدة للالتفاف على العقوبات الغربية . 
وفى سياق متصل يعطى بوتين رسالة للمجتمع الدولى مقادها  قدرته على التواجد في مناطق النفوذ وتكوين تحالفات موازية بالرغم من الإنشغال بالحرب ضد أوكرانيا و تنامى محاولاته لمجابهة تداعياتها على كافة الأصعدة ، بما قد يساهم في تعزيز الوضع الروسى دولياً ، وعدم إغفال دورة وتأثيرة كرقم هام وفاعل لا يستهان به فى المعادلة الدولية، كما برزت أيضاً زيارة وزير الخارجية الروسى للمنطقة لتأكيد الفكرة والهدف .

إنخراط صيني متدرج لهدف إسترتيجى واضح :

من المعلوم بإنه مع تركيز الولايات المتحدة على التوجه شرقاً لمواجهة التهديد الصيني، كانت بكين تتحرك للانخراط أكثر في المساحات التقليدية لواشنطن، وأبرزها منطقة الشرق الأوسط ، الذي ظل على مدار عقود منطقة نفوذ وهيمنة أمريكية. وانتهجت بكين "استراتيجية ذكية" في الانخراط بالإقليم، حيث بدأتها بالاقتصاد بشكل رئيسي، وهو الملف الرئيسي لاهتمام الصين بالمنطقة، ثم توسعت لاحقاً نحو مستوى محدود من الانخراط العسكري، سواء لجهة التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة، أو بيع المعدات والأنظمة العسكرية لها. لكن هذا المستوى من الانخراط العسكري ظل في حدود ضيقة عملياً، لكنه ليس بديلاً بشكل كلي عن الانخراط العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، وذلك على الأقل في المرحلتين الحالية واللاحقة. 
بالتوازى مع التحرك السياسى المحايد لإثبات التواجد بض النظر عن مدى إيجابيتة ، مع الحرص على تكوين تحالفات إقتصادية في المقام الأول تنعكس بشكل مباشر على الأحوال المعيشية للمواطن العربى ، وبالتالي يعزز من صورتها شعبوياً ، ويمهد لمخططات توسع وتنوع وإنخراط أكبر .

الخلاصة :
لا شك في أن كل مرحلة من مراحل تحول القوى الكبرى تلقي بتأثيراتها علي المنطقة، فالتراجع الأمريكي النسبى عن المنطقة أعطي فرصة لمحور روسيا و ‬الصين في توسيع مساحات التمدد في المنطقة العربية ، إلا أنه في نفس الوقت يوصف بالتراجع المرن الذى يسمح بالعودة إلى السيطرة على معظم التفاعلات بالمنطقة لأن هناك مرتكزات حيوية تمكنها من التحكم في مقاليد الأمور مثل الإحتياج العسكرى والسيطرة الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها ، فضلاً عن النفوذ الدولى والقدرة على توجيه القرار السياسى والأمنى على المستوى الدولى بما يتفق مع تحقيق أهدافها ومخططاتها ، وفى هذا السياق يبرز تبنى القوى الكبرى الفاعلة فى النظام العالمى معايير مختلفة تجاه قضايا المنطقة والتى تتجسد فى تباين الرؤى والسياسات تجاه بؤر التوتر والصراع فى المنطقة العربية بما يتفق مع مخططات وإستراتيجيات تلك القوى تجاه المنطقة بل تعظم محاولاتها لتحركه تطور تلك البؤر طبقاً لأهوائها.

ختاماً :
مما سبق علينا الإدراك كمجتمعات وأنظمة عربية إننا نسير في إطار تحالفات جديدة وإن كان في مسارات مرحلية ، تتجه غالباً لتحقيق مصالح القوى الكبرى على حساب توازنات القوى في منطقتنا العربية ، ويؤشر ذلك أيضاً لملامح حرب باردة جديدة بمعطيات مختلفة وبأطراف عديدة أبرزها الولايات المتحدة وروسيا والصين ، مع عدم إغفال القوى الفاعلة بالإتحاد الأوروبى ، وهو الأمر الذى يرسخ بضرورة تبنى الدول العربية إستراتيجيات موحدة فى إطار إقليمى منظم ومنضبط ، تتفق مع المصلحة القومية وتتجاوز نقاط الخلاف ومساحات الشد والجذب  بين الدول العربية ، تحقق من خلالها الأهداف الإستراتيجية لدول المنطقة وتجابه المخططات الخارجية بما يغلف لدينا إطاراً قومياً يحافظ على الهوية العربية . وقد أثبتت التجربة بأنه مع التنسيق الجيد وتوسيع مساحات التوافق بين دولنا العربية نستطبع مجابهة أي ضغوط أو فرارات فوقية تفرض علينا وذلك مابدا جلياً في فاعليات قمة جدة الأخيرة.

مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية