سينما عالمية: الحب فى زمن«كورونا»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

في المشهد الافتتاحي لفيلم Both sides of The Blade، أو “كلا الجانبين من النصل”، نرى رجل وامرأة يسبحان سويا بفرح في مياه شاطئ مهجور، ويبدو أنهما في الخمسينيات من العمر، ويلعب دوريهما اثنان من أثقل نجوم السينما الفرنسية، جولييت بينوش وفينسنت ليندون، ما نعرفه من هذا المشهد أن هذا الثنائي في علاقة حب جميلة، لكنهما مع ذلك غير منسجمين تماما، فالرومانسية تبدو في أشدها، لكنهما لا يشعران بالأمان التام، لذا كان من المفاجئ أن نكتشف بعد بضع دقائق أنهما متزوجان، ويعيشان سويا لمدة عقد من الزمان.

 

ومع ذلك يبدو كل شيء على ما يرام، ويكاد يكون مثاليا، فمن يراهما من بعيد يدرك إنهما متشابهان، لكن تدريجيا يتضح أنهما يعيشان معا كما لو كانا يتواعدان، وليس على أنهما زوجين في علاقة مستقرة، ويتصرفان كما لو أن كل منهما يعلم أن الآخر سيهجره قريبا، ولديهما يقين أنهما لا يعيشان على أرض صلبة.

 

يأتي “Both Sides of The Blade” كأفضل ما قدمته المخرجة كلير دينيس، الساعة الأولى من الفيلم هادئة، لكنها ليست مملة - على الأقل إذا كنت منتبها - فالفيلم عبارة عن رحلة شديدة العمق في تناقضات الحب والشهوة العاطفية، ومع وجود قسوة في تلك التناقضات، وجوانب غير مكشوفة تماما، لكن كل لحظة يقدمها ذلك الفيلم تبدو حقيقية تماما.

 

تدور أحداث الفيلم في العالم الحالي، الذي نحياه وسط آثار وباء “كوفيد – 19”، وهو ما تم الإشارة إليه في المشهد الذي غادرت فيه “سارة” - شخصية جولييت بينوش - و”جان” - شخصية فينسنت ليندون – شقتهما، وهما يرتديان أقنعة، مع رؤية أشخاص آخرون يرتدون أقنعة في شوارع باريس، ولعل مخرجة العمل كانت تتعمد إظهار الخلفية الزمنية في الأحداث، فكانت بمثابة تذكير محزن للجمهور بالقيود التي عاشها في تلك الفترة العصيبة، والتي عاشها كذلك بطلا الفيلم، وهو ما يفسر سبب ذهابهم في إجازة إلى مكان لا يوجد فيه أشخاص.

 

إقرأ أيضًا

«The Black Phone» يقترب من تحقيق أول 100 مليون دولار إيرادات عالميًا 

تأتي العقدة الدرامية للفيلم مبكرا، عندما يعرض “فرانسوا” - ويلعب دوره الممثل جريجوار كولين - على “جان” وظيفة جديدة، ويوافق “جان” على العرض، لكن يتضح أنه منزعجا بعض الشيء من قبول الوظيفة، لنعرف بعدها أن “فرانسوا” صديق قديم، ليس هذا فحسب، لكنه أيضا الحبيب السابق لـ”سارة”، التي تركها دون تفسير، بالإضافة إلى ذلك يبدو من ملامح “فرانسوا” وردود أفعاله، إنه ليس شخصا تريد الوثوق به.

 

في مجمله، يعتبر الفيلم استثنائيا في تناوله للعلاقة ثلاثية الأطراف، بين “جان” و”سارة” و”فرانسوا”، لكن في العلاقات الأخرى التي شهدتها الأحداث، لم تمنح كلير دينيس أهمية ملموسة لها، مثل علاقة “جان” بوالدته أو حتى علاقته بإبنه المراهق الذي يعيش مع جدته، أيضا تضمن الفيلم مشهد لم يكن مبررا بالأحداث، فلو حذفته لن يتأثر البناء الدرامي للفيلم بأي شيء، وأقصد هنا مشهد اللقاء الإذاعي الذي أجرته “سارة” مع كاتب للحديث عن مفهوم العنصرية، يبدو أن دينيس كانت تريد الحديث عن ذلك الموضوع الشائك في المجتمع الفرنسي، فأقحمت ذلك المشهد على الفيلم دون أي حاجة له.

 

ولكن لحسن الحظ، تصدر مثلث الحب الخط الدرامي للفيلم بإمتياز، ويعود ذلك إلى الأداء المذهل الذي قدمته بينوش في تجسيد شخصية “سارة”، وقدرتها الرائعة على الغوص في الشخصية بكل تفاصيلها ما بين الانفتاح والغموض، حتى في اللحظات التي تشعر “سارة” أنها غير قادرة على فهم نفسها، والساحر أن بكل الروعة التي قدمت بها جولييت الشخصية، نجد ليندون متفوق عليها في تجسيد “فينسنت”، بعد تمكنه من الإمساك بكل ملامح الشخصية، ليقدمها بشكل مدهش، حتى وهو صامت لا يتحدث كانت، نظرات عينيه وحركات شفتيه كفيلة بتوصيل الإحساس الذي يريد البوح به.

 

ولهذا فأن Both Sides of The Blade يأتي كأفضل مثال على لماذا يحب الجمهور السينما الفرنسية؟، فهي من السينمات القليلة القادرة على الإنغماس في المشاعر الإنسانية، والملتزمة بتقديم الحقيقة التي يعيشها الناس العاديون؛ ويأتي مخرجوها على إستعداد دائم لاستكشاف ضخامة التفاصيل في حياة الإنسان العادي، وهي الأشياء التي لن تجد لها شبيه في السينما الأمريكية.