خبراء ونقاد: الفن سلاح لمقاومة الجريمة بهذه الطريقة

مسلسل “مين قال”
مسلسل “مين قال”

ريزان العرباوى

عاد الفن من جديد ليفتح أبوابه لقضايا الشباب والمراهقين بعد فترة غياب لهذا النمط الدرامي, إلا أنها كانت تجارب معدودة، لكن في هذا الوقت ومع الظواهر الإجتماعية الخطيرة التي تؤثر بشكل كبير على فئة الشباب، وما ينتج عنها من زيادة معدل الجريمة وارتفاع حالات الإنتحار, كان هناك وقفة عند أهمية دور الفن في تقديم معالجات درامية لقضايا الشباب المختلفة والمطلوب من صناعه لتحصين المراهقين بمقومات تمنع إنجرافهم للسلوكيات المنحرفة، مما يفتح المجال لمزيد من التساؤلات حول قدرة الفن حاليا على مخاطبة الجيل الجديد، وهل الظروف الراهنة تتطلب من الفن أن يتحول من أداة للتسلية لأداة للمقاومة؟, فطالما كانت تشير أصابع الإتهام نحو الفن بأنه سبب في انتشار العنف والبلطجة، فما هي السبل لتغير تلك النظرة.

من الأعمال الفنية التي نجحت أن تقتحم عالم الشباب والمراهقين وتلامست مع قضاياهم, كان مسلسل “مين قال” الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، بطولة السوري جمال سليمان وأحمد داش, ومسلسل “راجعين ياهوى” بطولة خالد النبوي بمشاركة نجله نور, أيضا مسلسل “دايما عامر” بطولة مصطفى شعبان ولبلبة بمشاركة مجموعة من جيل الشباب, كما يتم التحضير لعمل سينمائي جديد بطولة نور النبوي, آدم الشرقاوي وداليا شوقي بعنوان “خمس جولات”، ويتناول العديد من مشاكل الشباب, وهو من تأليف محمد عبد المعطي وإخراج مازن أشرف.

 

وحول أهمية هذا النمط الدرامي وكيف يتم تطويره ومدى تأثير الدراما في اتجاهات الشباب؟، وكيف يتم تحويل الفن لأداة لمقاومة الجريمة والحد من انتشارها؟، يقول الكاتب والسيناريست مجدي صابر: “الفن قادر على مجابهة القبح والشرور وتحويل السموم التي تدس في المجتمع لإستهداف فئة الشباب إلى دواء للداء الذي استفحل وتفشى في العمود الفقري للمجتمع المصري والمجتمعات العربية أيضا, ولكن الفن وحده ليس منوطا به معالجة كثير من القضايا، والتي افرزت بدورها عن ظواهر بحاجة إلى تصويب وتعديل وتنوير فهناك الكثير من الجهات المنوط بها القيام بهذا الدور, جهات معنية بزيادة الوعي لدى الشباب ومخاطبتهم من خلال الوسائل الأكثر جذبا لهم ومنها السوشيال ميديا التي أصبحت ظاهرة واضحة ومؤثرة جدا في حياتهم ومصدرا للشائعات والأكاذيب في نفس الوقت”.

ويضيف: “يجب أن تتكاتف كل مؤسسات الدولة للنهوض بالشباب وتحصينهم بمشاركة الفن الذي يلعب دور لا يستهان به في صياغة وتشكيل الوعي, هذا الدور الذي لا باعث له سوى الأعمال الفنية الجادة التي تقدم نماذج إيجابية يحتذى بها وتقدم نوع من الأمل والتفاؤل للإستمرار في السعي والقدرة على المواجهة, فشباب اليوم بحاجة أكثر للتركيز على الإيجابيات أكثر من السلبيات، دون إهمالها بشكل تام وغض الطرف عنها, ولكن تناولها دون تركيز أو تضخيم حتى لا يتم الترويج للأنماط السلبية كالبلطجة والعنف وتعاطي المخدرات وغيرها, وكنت حريصا من خلال أعمالي على تقديم النماذج الإيجابية منها على سبيل المثال مسلسل (أين قلبي؟)، حيث شكلت البطلة نموذج إيجابي للمرأة المصرية التي تكافح من أجل تربية أبنائها وحمايتهم من فتن الحياة ومخاطر سن المراهقة وكيفية تربية الأبناء في الزمن الصعب, فالمطلوب من صناع الدراما القدرة على الصياغة الإبداعية للمعالجات الشائكة التي تخص هذا النمط الدرامي، وهو ما يتطلب وجود كتاب ذو خبرة كافية للتعامل مع قضايا الشباب دراميا, ولكن للآسف أغلب الكتاب اليوم يفتقدون تلك الخبرة إضافة إلى سيطرة الورش على أغلب الأعمال الفنية, وفي ظل تنحي أو اقصاء كبار الكتاب، وهي مسألة شديدة الخطأ, قل عدد الكتاب المهمومين بقضايا المجتمع والقادرين على ترجمتها لمعالجات درامية مؤثرة”.

ويتابع: “مؤكد أن الفن اليوم يواجه تحديات شديدة الخطورة لدوره الفعال والمساهمة للخروج من الأزمة والعبور بالجيل الجديد إلى بر الأمان، وبالتالي أصبح على صناع الفن العمل على تحويله إلى أداة لمقاومة القبح والسموم أكثر من كونه أداة للترفية فقط, وربط الهدفين - التسلية والتوعية - معا حتى نبتعد عن الدراما المغيبة والنماذج السلبية التافهة والاهتمام بطرح القضايا الهامة طيلة الوقت، وليس فقط في عمل أو أثنين وضرورة طرح حلول لتلك القضايا دون الاكتفاء فقط برصدها أو تسليط الضوء عليها”.

بعد مؤقت

من جانبه أكد الكاتب والسيناريست نادر صلاح الدين على ارتباط الفن الدائم بقضايا الشباب والمراهقين, ولكن لطبيعة الفن التي تذهب إلى التنوع قد تظهر بعض القضايا الملحة لتناولها دراميا فيحدث هذا البعد المؤقت, ويقول: “لابد من فهم ومعرفة وظيفة الفنون جيدا قبل الحديث عن توزيع الأدوار وفاعليتها, فالفن أساسه التسلية والترفيه، وهو أبسط رد لمن يحاول تشويهه أو إلصاق التهم به, فالتسلية لا تغير سلوك أو أفعال، وتؤكد على ذلك العلوم الإجتماعية, فالنظريات تقول أن تغيير السلوك يحتاج إلى سنوات أو صدمات وظروف معينة, وليس فيلما مدة عرضه ساعة ونصف, فمن يرمي على الفن تهمة المساهمة في انتشار وسهولة الجريمة فهو كلام ساذج يقال من باب أن الفن هو الحائط المائل، أو شماعة لتعليق تقصير البعض تجاه وظيفته, وأقول لهم عليكم قراءة 4 سطور في ضرورة الفنون لفهم ماله وما عليه, فالمشكلة أن البعض لا يستوعب هذه الضرورة ويذهب لتحميلة وظيفة المدرسة والجامعة، وكل المؤسسات التعليمة والتربوية والتحليل النفسي والإجتماعي, المشكلة أيضا عندما يتم التركيز على سلبيات المجتمع ومعالجتها يتهم الفن أنه يروج للقبح والعنف والجريمة، وإن تم العكس يقال أن العمل فارغ مسف لا يقدم هدف, والحقيقة أن انتشار الجريمة في المجتمع سببه خلل ما وليس الفن, فلابد من فهم واستيعاب مفهوم الفن ووظيفته من قبل المتلقي أولا, ليأتي بعد ذلك الحديث عن دور الفن كسلاح لمقاومة الجريمة وزيادة وعي الشباب”.

ويضيف: “المطلوب من صناع الفن، وبالأخص الكاتب دراسة القضية المعنية والشخصيات دراسة جيدة لتحديد الأبعاد النفسية والإجتماعة والأسباب والضغوطات التي ينتج عنها العنف، وبالتالي الجريمة, كالعشوائيات والمخدرات وحيازة الأسلحة البيضاء وغيرها, فالدراما والفن مرآة حقيقية للواقع الذي نعيشه، مع العلم أنه ليس ضروريا أن تطرح حلولا لهذه القضايا، بل يكفي أن ترصدها وتسلط الضوء عليها, أيضا العمل على تجسيد الفراغ الذي يعيشه الشباب وطرح أفكار مختلفة تتلامس مع واقع حياته حتى وإن كانت بسيطة, فالفن ليس حكرا للقضايا المعقدة والأهم هو البناء الجيد الذي يحمل خطا قويا للفعل الدرامي, ومن الضروري أيضا فتح المجال للشباب للتعبير عن أنفسهم ومشاكلهم, فمن الظواهر الإيجابية اللافتة قدرة الصناعة على إنتاج أجيال شابة من الممثلين والكتاب, لتجديد دماء هذه الصناعة على كافة المستويات الفنية وعنصر لغة الحوار وأساليب التعبير المرئي وانعكاس ذلك على أساليب المعالجة الدرامية”.

ويضيف قائلا: “لا أعتقد أن اختفاء الرومانسية من الأعمال الفنية له علاقة بانتشار العنف أو الجريمة بين الشباب, الفكرة أن مفهوم الرومانسية لدى الشباب اختلف واختلفت مفرداته وعلى الكاتب أن يلتحم ويرصد قصص حقيقية مختلفة حتى يصل بالمشاهد للمصداقية المطلوبة, وحتى تكون علاقة الحب مدخلا مناسبا لطرح القضايا الشبابية في قالب ممتع وبسيط بعيدا عن التكلف والتصنع مما يوحي للمشاهد أن هذه الأعمال تحمل روح العصر”.

شروط

وتقول الناقدة ماجدة موريس: “الفن قادر على مخاطبة الشباب، لكن بشروط، أهمها وجود الكاتب ذو الخبرة وصاحب الرصيد الزاخر بالأعمال الإبداعية, فأغلب الكتاب الكبار يجلسون في بيوتهم ومن يكتب الآن مجموعة من الشباب والورش التي تفتقد الإنسجام في التعامل مع الفكرة وقضايا الشباب, وفي الفترة الأخيرة مع زيادة معدل الجريمة وارتفاع حالات الإنتحار تزداد الحاجة لوجود أعمال جيدة الصنع قادرة على التفاعل مع تلك القضايا وتقديم معالجات درامية لها من خلال كتابة جيدة وسيناريو وحوار متقن مع ضرورة توفر عنصر مهم وهو عنصر الوقت الكافي بعيدا عن عملية السلق السريع للعمل، والذي يفقده الحبكة والبناء الدرامي المطلوب, فمسألة الوقت مهمة جدا في عملية الصناعة الفنية, فنحن نعيش سنوات مشحونة بالأحداث والتحديات والعديد من القضايا الملحة التي تؤرق المجتمع ومن واجب القائمين على الصناعة القيام بدورهم وفق منهج وخطة مدروسة”.

وتتابع: “دراما الشباب لم تختفي من الساحة، لكن الموجود ليس بحجم وجود المشاكل والتحديات التي تواجه هذه الفئة والدراما دائما تهتم بطرح قضايا من الواقع دون انعزال عنه, والمطلوب البعد عن التعقيد والتكرار الملل لأعمال تحصر قضايا الشباب على المخدرات واللامبالاة والعقوق وغيرها من القضايا المستهلكة, أو التركيز على السلبيات فقط دون أي رسائل إيجابية لذلك أؤكد على أهمية الكاتب الجيد صاحب الخبرة والرؤية الإبداعية التي تصل به لتقديم معادلة متوازنة بين الخير والشر, القبح والجمال والقدرة على البناء الدرامى للقضية والشخصيات بعناصر قادرة على مخاطبة وجذب الشباب وصنع مقدمات تؤدي إلى نتائج, فالفن لم يكن أبدا الهدف منه التسلية فقط، بل هو أداة للرؤية والتثقيف والاستمتاع, فمتناقضات الحياة هي زاده”.