كنوز | حوار إذاعي نادر بين يوسف إدريس و«سيدة القصر»

فاتن فى حوار مع يوسف إدريس بحضور عبد الله غيث أثناء التحضير لفيلم «الحرام»
فاتن فى حوار مع يوسف إدريس بحضور عبد الله غيث أثناء التحضير لفيلم «الحرام»

«الأخبار» تحتفى بإضاءة 91 شمعة فى ذكرى ميلاد سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التى جاءت للدنيا فى 27 مايو عام 1931، ومسقط رأسها لم يكن فى المنصورة كما هو شائع فى أغلب ما كتب عنها، لأنها من مواليد حى عابدين بالقاهرة، ووقت ولادتها كان والدها منتدباً للعمل فى المنصورة فسجلها فى دائرة المواليد هناك، وفى ذكرى ميلادها تقدم صفحة «كنوز» حوارا نادرا لها مع الكاتب الكبير يوسف إدريس الذى طلب منه صناع برنامج «الميكروفون مع».

بالإذاعة اختيار نجمة سينمائية يحاورها، اختار بلا تفكير فاتن حمامة التى جسدت شخصية «عزيزة» فى روايته الشهيرة «الحرام»، بدأ يوسف الحوار قائلا:  عندما فكرت فى استضافة فنانة أقدر فنها جدا، اخترت السيدة فاتن حمامة، وليس من السهل علىّ أن أجرى حديثا معها، لكنى سأحاول أن أعتصر منها المعلومات المفيدة التى يمكن أن تعطينا فكرة مختلفة عن الصورة التى نأخذها عنها من الشاشة.

وقبل أن التقى بها كنت أفكر أن الفنان ينجح لأنه موهوب، والنجاح الكبير يحدث عندما يتصل الفنان بالحياة والناس، وأعتقد أن هذا النجاح لا يعتمد على الموهبة فقط، إنما له مقومات أخرى، فما هى فى رأيك هذه المقومات ؟. 


- فاتن: أعتقد أنها عدة أشياء، أولها: المدة التى اشتغل فيها الفنان، فكلما طالت المدة عاش الفنان أكثر فى وجدان الناس، والسبب الثانى هو الفنان نفسه، فى بعض الفنانين بمجرد ظهورهم على الشاشة تجد لديهم قبولا «كاريزما» بغض النظرعن شكلهم أو سنهم، وهذا القبول يعطى للفنان قوة يجب أن يحسن توظيفها لأنها هبة من الله، والبعض يسميها «الموهبة»، وأهم حاجة ذكاء الفنان، لأنه من غير ذكاء يمكن أن يضيع كل ما بناه.


 يوسف: وكيف يضيع الفنان ما بناه ؟


فاتن: بكل تصريح غير مدروس يخرج منه بتعال وغرور، فمثلا ممكن مطربة عظيمة جدا، تعمل أشياء تضيع منها جماهيريتها كأن تصبغ شعرها بلون أحمر أو أصفر لا يتناسب معها، أو ترتدى ملابس غير مناسبة لسنها وشكلها وجسمها، على طول يفقد الجمهور الإحساس بجمال صوتها، لأن الجمهور يربط بين الإنسان وشخصيته وعمله الفنى.


 يوسف: كلامك يؤكد أن الموهبة وحدها لا تكفى؟


فاتن: قطعا.. المهم شطارة الفنان، فيه فنان ممكن يكون «كويس» لكن لا يعيش فنيا طويلا، وآخر ممكن يعيش مدة أطول، لأن الأخير عرف متى يقدم فنه، ومتى يبتعد، ومتى يتوقف، ومتى يعود وبأى شكل، يعنى عارف كيف يصنع مستقبله الفنى.


 يوسف: ما هى العوامل التى تقضى على الفنان؟


فاتن: أكثر عامل هو الغرور والتعالى على فنه، والتعامل مع الفن باستهتار، الغرور يصيب الفنان الذى ينجح فجأة، لأنه يختل ويفقد توازنه، أما الفنان الذى يبدأ من أول السلم فيتعود على النجاح ولا يفقد توازنه، ومن الأشياء الخطيرة جدا أن ينجح الفنان مرة واحدة وبسرعة.


 يوسف: هل تراكم الخبرة لا يشعرك بالقلق عندما تعرض عليك رواية جديدة؟


فاتن: أكيد بعد كل هذه السنوات أصبح عندى ثقة بالنفس، لكنى أشعر بالقلق والخوف فى كل عمل جديد وكأننى مازلت فى بداياتى، أشعر مع كل عمل جديد بالقلق وكأنى تلميذ مقبل على الامتحان سواء كانت الرواية صعبة أو عادية. 


 يوسف: لماذا ارتباط كلمة فنان بالجنون، فهل الفنان مجنون؟


فاتن: الفنان فى رأيى إنسان حساس ومرهف الحس جدا، أحيانا تكون هذه الحساسية «زيادة شوية»، فتجعله مختلفا عن باقى الناس، لهذا يقال بسخرية «يا عم ده فنان»!.


 يوسف: ألاحظ أنك لا تتحدثين كثيرا فى الملتقيات الثقافية؟


فاتن: أحب الإنصات ومراقبة الناس، فالإنصات يعلمنى ويفيدنى فى شغلى، أحيانا عندما يعرض علىّ عمل جديد تقفز شخصية ما فى ذهنى قابلتها فى مكان ما، وهنا أسترجعها بتفاصيلها وحركاتها، ومشيتها، وطريقة نطقها للكلام.


 يوسف: ما هى أصعب الأفلام التى قدمتها وأحبها إلى قلبك؟


فاتن: أحبها إلى قلبى «دعاء الكروان» لأن د. طه حسين كتب نصا مليئا بالوصف، وكل كلمة عنده لها ضروراتها ومعناها، والحقيقة أن المخرج هنرى بركات والسيناريست يوسف جوهر قدما عملا رائعا، والعمل الثانى كان من تأليفك، وهو فيلم «الحرام»، الرواية صعبة وتتناول لأول مرة طبقة لم تقدمها السينما من قبل وهى طبقة عمال التراحيل، عشت أياما وليالى بعد قراءتى للرواية وأنا لا أستطيع التفكير غير فى شخصية «عزيزة» وما جرى لها من ظلم!

يوسف: ما الذى لفت انتباهك فى شخصية «عزيزة» ؟


فاتن: القهرالذى تعرضت له، صحيح أخطأت غصب عنها، وهذا القهر هو ما تعانيه المرأة العربية، صحيح المرأة أخذت حقها فى التعليم والعمل، لكن تظل المرأة البسيطة الفقيرة تعانى من القهر والظلم، خاصة عندما يتم طلاقها ولا تجد ما تسد به رمقها، ورمق أولادها.


 يوسف: ما هى أولوياتك فى قراءة الصحف؟


فاتن: أقرأ عناوين الصفحة الأولى، ومقالات الأستاذ التابعى ومصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وأنيس منصور، وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس.

يوسف: يا ستى كتر خيرك، بتحبى تسمعى إيه؟


فاتن: أستمتع بالكلاسيكيات، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وفيروز، ووردة.


برنامج «الميكروفون مع » -1968

إقرأ أيضاً|كنوز| «هيكل» يعتذر لأستاذه في «أسرار الساسة والسياسة»