كنوز | «العندليب» يرتل وفيروز تصلى من أجل «أيقونة» الصحافة

عبد الحليم حافظ - الشهيدة شيرين أبو عاقلة - جارة القمر «فيروز»
عبد الحليم حافظ - الشهيدة شيرين أبو عاقلة - جارة القمر «فيروز»

 ارتكب جنود الاحتلال الإسرائيلى جريمة قنص الصحفية الأشهر فى الأراضى المحتلة والعالم بدم بارد كالمعتاد، كانت تؤمن نفسها بالخوذة وواقى الصدر الذى يدل على أنها صحفية لمن لا يرى، ولكن العمى المتعمد أصابها بطلقة فى الرأس أسفل الخوذة مباشرة، وصور زملاؤها المشهد المروع الذى حرك ضمير العالم لأول مرة، وانشغل قساة القلب من أصحاب الضمائر الميتة على شبكة الإنترنت بالتحذير من الترحم عليها.

وأكد من بيدهم مفاتيح الجنة والنار أنها ليست شهيدة ولن تدخل الجنة المؤممة لحسابهم فقط، شغلوا الناس بجدل سفسطائى بعيدا عن المشهد الدموى المروع، ولو أراد جنود الاحتلال أن يبحثوا عمن ينسى العالم جريمتهم فلن يجدوا أفضل ممن خرجوا علينا بجدل لا فائدة منه.


 القضية يا سادة لا تنحصر فى أن تترحموا عليها، وليست فى أن تدخل زهرة الصحافة العربية الجنة من عدمه، وليست فى أن نحتسبها شهيدة من عدمه، القضية اغتيال متعمد لأشهر صحفية فضحت بالكاميرا الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وإذلال المصلين وحرمانهم من العبادة، وتدنيس بيوت الصلاة، يا سادة، لكم جنتكم و»شيرين» لها جنتها لأن حسابها عند صاحب الدنيا والآخرة الذى لم يوكل أحدا لبيع صكوك الجنة والنار.
 لكم ما أنتم فيه، ولى ما شعرت به من وجع وعجز وأنا أشاهد مثل العالم كله همجية الاعتداء على نعش «زهرة الصحافة» أثناء خروج حملة النعش إلى ساحة المستشفى، لحظتها وصلنى صوت «العندليب» وكأن روحه تحلق فوق النعش وهو يشدو برائعة «المسيح» التى كتبها عبد الرحمن الأبنودى ولحنها بليغ حمدى وغناها «حليم» بعد حرب 1967، أتذكر صوته وهو يقول على مسرح «ألبرت هول» بلندن أمام 8 آلاف مغترب عربى: « أغنية المسيح..

المفروض أنها تتقال على لسان أحد أبناء القدس»، صوتك يا عبد الحليم كان يتردد صداه فى المشهد الهمجى المخذل لجنود الاحتلال وهم يعتدون بالعصى وقنابل الدخان والصوت على النعش وأرجل من حملوه لكى يسقط منهم على الأرض، صوتك الذى ترجم آلام المسيح فى نفس المكان بالقدس أراه يتجسد فى الآلام التى أحس بها حملة النعش وهراوات الأغبياء تنهال عليهم، أحسست يا عبد الحليم أن روحك حلت بالمكان لتودع وتشيع «شيرين» وأنت تقول للجميع: 
«يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها..

وفتحى عيون البشر للى حصل على أرضها.. على أرضها طبع المسيح قدمه.. على أرضها نزف المسيح ألمه.. فى القدس فى طريق الآلام.. وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس.. فى الخلا صبح الوجود إنجيل.. ها تفضل تضيع فيك الحقوق لإمتى يا طريق الآلام.. وينطفى النور فى الضمير وتنطفى نجوم السلام». 


 أراك يا «حليم» تكرر الصرخة عندما تقول «ابنك يا قدس زى المسيح ولازم يعود». 


 سيعود يا عبد الحليم كل مقدسى لمدينة الصلاة التى ترتفع فيها تكبيرات المآذن وتراتيل الكنائس مع رحيل كل شهيد يدافع عن أرضه وعرضه ومقدساته، وفى زحام المشهد خيل لى أن «فيروز» الكبيرة فى القدر والمقام كانت بين المشيعين وهى تزف «أيقونة» الصحافة إلى مسكنها الطاهر الأخير، أحسست بصوتها الحزين الهادر وهى تشارك فى الصلاة قائلة: 


«لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّى.. لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن.. يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّى.. عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور فى أروقة المعابد.. تعانق الكنائس القديمة.. وتمسح الحزن عن المساجد». 


 أشعر بصوتها الهادر وهى تحمس المشيعين قائلة: 


«الغضب الساطع آتٍ وأنا كلى إيمان.. الغضب الساطع آتٍ سأمرُّ على الأحزان.. من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ.. وكوجه الله الغامر آتٍ.. لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلّى.. سأدقّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب.. وستغسل يا نهر الأردن وجهى بمياه قدسية.. وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية.. الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ.. وسيهزم وجه القوّة.. البيت لنا والقدس لنا.. وبأيدينا سنعيد بهاء القدس.. بأيدينا للقدس سلام آتٍ». 


 صدقت يا «فيروز» لقد كان المشهد همجيا، إنهم ليسوا بجنود لحفظ النظام إنما يمارسون إرهاب الدولة على مشيعين مسالمين يرفعون فوق النعش أكاليل الورود وعلم فلسطين، اندفع الهمج لتمزيق العلم الملفوف به النعش لأنه يؤرقهم، همجية حركت ضمير العالم الحر الذى عبر عن استيائه لأول مرة! 


من منا ينسى عندما استيقظنا صباح الأربعاء 8 أبريل 1970 على بيان يؤكد قصف طائرات العدو لمدرسة بحر البقر الابتدائية بمحافظة الشرقية الذى نتج عنه استشهاد 30 طفلًا وإصابة 50 آخرين و11 مدرسا وعاملا وتدمير المدرسة بالكامل، وخرج يومها صلاح جاهين يودعهم بقصيدة «لموا الكراريس» التى انفعل بها سيد مكاوى وأبكتنا شادية بصوتها المفعم بالحزن النبيل وهى تشدو: 


- «الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللى على ورقهم سال.. فى قصر الأمم المتحدة.. مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك فى البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية سمرا.. كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة.. راسم راية ثورة.. راسم وجه مؤامرة.. راسم نار.. راسم عار.. ع الصهيونية والاستعمار.. والدنيا اللى عليهم صابرة.. وساكتة على فعل الأباليس». 


 جرائم العدو لم تتوقف ضد المدنيين العزل، ولا ننسى صبيحة 12 فبراير 1970 عندما قصفت طائرات العدو مصنع أبو زعبل الذى استشهد فيه 70 عاملا وأصيب 69 آخرون، وودعهم صلاح جاهين وسيد مكاوى بأغنية بعنوان «إحنا العمال إللى اتقتلوا» التى تقول كلماتها: 


- «إحنا العمال اللى اتقتلوا.. قدام المصنع فى أبو زعبل.. بنغنى للدنيا ونتلو.. عناوين جرانين المستقبل.. وحدة صف الأحرار.. جبهة لكل الثوار».


 جريمة اغتيال شهيدة الصحافة «شيرين أبو عاقلة» لن تسقط بالتقادم، ولن يصمت الصحفيون العرب على جرائم اغتيال أبناء المهنة بدم بارد، الكل كله استفزه المشهد المروع، واتحاد الصحفيين العرب سيطارد من ارتكب الجريمة قضائيا، ولنردد مع فيروز «البيت لنا والقدس لنا.. وبأيدينا سنعيد بهاء القدس..

بأيدينا للقدس سلام آتٍ».

إقرأ أيضاً|نقابة الصحفيين تدشن جائزة سنوية لـ شهيدة الحقيقة شيرين أبوعاقلة |فيديو