..الزواج ليس رحلة البحث عن المستحيل، ولم يكن يومًا وهو الذي شرعه الخالق لعباده واحة من الغموض نحيا فيها معذبين، نكافح من أجل السعادة، مسافة نقطعها عبر السنين يتسرب فيها العمر، وهم يمتلئ داخل صدورنا بسعادة زائفة سرعان ما نكتشف أننا نندفع نحو السراب حين تطفو المشاحنات يشحذ فيها كل طرف أسلحته، يرسم الخطط ظنًا أنه يحقق الانتصارات الزائفة، منافسة غير شريفة، رحلة هزلية، تمتلئ فيها صدورنا بالفوضى تُنذر بخراب البيت الذي تاقت كل نفس في أحلامه إلى بناء واحة من الطمأنينة والسكن والمودة والاحترام، لنكتشف في النهاية خيبة الأمل راكبة جمل، وكأن الجمل حُكم عليه عبر أمثالنا الشعبية أن يحمل مصائبنا وهزائمنا.
هل صار الزواج في زماننا هذا مغامرة يشوبها الغموض، بدلًا من أن تكون رحلة إلى المستقبل تتحول فجأة إلى معركة بين زوجين تحت سقف واحد؟!
خلق الله الرجل والمرأة ليكونا شريكين في رحلة الحياة، لا المرأة سجينة الرجل رغبة منه في امتلاكها واغتيالها نفسيًا وجسديًا، ولا الرجل ألعوبة المرأة تستمتع طول الوقت بأن يظل يقول لها ليلًا ونهارًا «أنا بموت فيكي» حتى يموت منها بالفعل حين ينفجر بركان النكد وتداهمه أزمة قلبية لا نجاة منها.
وفي خضم معارك الأزواج التي يتحكم فيها العناد؛ يبقى الأولاد هم الخاسر الوحيد في هذه المعركة، طرف لا ذنب له سوى أنهم جاءوا إلى الدنيا بفضلهما ليغرقوا في سحابات من عدم الإحساس بالأمان.
نموذج كاشف وقفت أمامه طويلًا، يعكس صراعات أسرية تخطت أسوار البيوت إلى المحاكم، وإن كانت في الحقيقة هي شوكة في ظهر المجتمع..،
العند يورث الكفر والأوهام يعمي الإنسان عن الحقيقة ويخلف القلق والخوف والتوتر..،
قمر وصالح، زوجان وقفا أمام المحكمة وكأنهما عدوان لدودان لا يتعاركان ولا يتصالحان؛ بصوت يشوبه الحزن والانكسار بدأت تحكي قمر مأساتها أمام القاضي قائلة؛ «زواجي من هذا الرجل أسوأ حاجة حصلتلي بعدما فقدت شغفي ناحيته، يوم أن تزوجته ظننت أنني سأعيش في بيت أليف يسوده الحب والدفء تنمو فيه مشاعري، هل نسيت أم تناسيت عندما كنت تناديني تقول لي، «يا قمر الزمان»، وأنا كنت أتوق دائمًا في غيابك لرائحة التبغ الذي كنت تشعله وأنت ترتشف فنجان قهوتك، ظننت وأنا بين ذراعيك أنك أعدت تشكيل أنوثتي، توهمت أنني سأظل مخدوعة فيك طول الوقت، لكن عبثًا أن تظن هذا؛ سيدي القاضي هذا الرجل الذي يقف أمامكم اكتشفت أنه يتعاطى المخدرات يحشي سجائره بالحشيش، والمطلوب مني لا الصمت فقط وإنما أن تحاصرني حلقات دخانه الأسود وتخنقني، ولم يكتفِ أنه ينفق معظم راتبه على شراء المخدرات فقط، ولكن أيضًا أدمن خيانتي مع النساء، لحد ما فـ يوم صحيت من النوم فجأة لم أجده في الفراش بجانبي، وسمعته بيتكلم مع عشيقته في صالة الشقة، وبيخططوا مع بعض لاغتيالي نفسيًا؛ بطلاقي وخروجي من البيت دون أن أحصل على حقوقي الشرعية، مصدقتش وداني ورجعت أنام تاني، وقمت من جانبه بعد ما راح في النوم، لقيت مكالمات تليفونية كتيرة بينهم، ومحادثات صوت على الواتس وهما بيخططوا لكده، عشان يتجوزوا في الشقة، لهذا أنا هنا أطلب الطلاق للضرر بعد 7 سنين جواز، وأنهت قمر دعواها بأن قدم محاميها «سكرين شوت» من هذه المحادثات.
«لو افترضت أنك لستِ قمر الزمان كما كنت أناديك، فمن أكون أنا»، هكذا بدأ الزوج الدفاع عن نفسه، هل نسيتي أم تناسيتي عندما أسمعتيني بيتين من شعر سعاد الصباح؛ يتصارع في داخلي بحران، بحر أنوثتي المتوسط وبحر رجولتك، واستطرد قائلًا؛ «سامحيني فيما أقوله يا حبيبتي، حضرات القضاة زوجتي مريضة وتوهم نفسها بأشياء بعيدة عن الواقع مما يثير أعصابي، وبسبب أوهامها وغيرتها التي لا أجد لها مبررًا كدت أطلقها أكثر من مرة لولا المشترك بيننا ابننا الذي سيدفع ثمن غباءنا وعنادنا لو طاوعتها على الطلاق؛ الحكاية حضرات المستشارين أنه في إحدى المرات التي ظنتها حالة تلبس بخيانتي لها، أن اتصلت بي تليفونيًا زوجة أحد الأصدقاء، وبعد المكالمة خرجت من المنزل على وجه السرعة بعدما ارتديت ملابسي، لكن خيالها المريض صور لها الأمر أن هناك علاقة بيننا، وعندما عدت فجرًا وجدتها في ثورة عارمة وقد هيأت حقائبها تطلب الطلاق، وحتى يرتاح الصراخ بداخلها، أخذتها إلى بيت صديقي المريض طريح الفراش، لكنها ما تزال تصدق هواجسها وضلالتها وهلاوسها السمعية والبصرية».
قررت المحكمة في الدعوى المعروضة أمامها ندب حكمين من أهلها وأهله وألزمتهما بالمثول أمامها في الجلسة التالية لتسمع أقوالهما، ومثلها الآلاف من القضايا منظورة أمام محاكم الأسرة، نعم واقع قضايا الأسرة في مصر أخطر من أحداث مسلسل فاتن أمل حربي؛ ما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مداخلة هاتفية مع إحدى البرامج التي استضافت المستشار عبد الله الباجا، وهو واحد من القضاة الأجلاء الذين سبروا أغوار قضايا الأسرة في مصر، قال الرئيس؛ «أن نسب الأسر التي بها انفصال زادت بشكل كبير خلال العشرين سنة الأخيرة، لافتًا إلى أن المشكلات التي تحدث اليوم تحدث منذ 40 عامًا.
وتابع الرئيس:»هل يعقل أن توجد دولة أهلها لا يقدرون على حسم القضية ويشوفوا بأمانة وحيادية ما يمكن فعله في ملف الأحوال الشخصية.. سنحاسب أمام الله كقضاة ودولة ورئيس وحكومة وبرلمان وأزهر عما فعلناه في ملف الأحوال الشخصية.. في رقبتنا ولادنا وبناتنا في ظل تواجد مشاكل بين الزوجين».
وأكد الرئيس السيسي أهمية وجود قانون يلزمنا جميعا بحل قضايا الأسرة وعلينا التكاتف والاستماع لكافة الآراء لحل ملف الأحوال الشخصية».
قديمًا قال الحكيم بتاح حتب؛ «أحبب زوجتك داخل بيتك، أطعمها وأكسها، إن العطور والزيوت علاج لجسدها، أسعد قلبها طوال حياتها، فهي حقل مثمر لصاحبها».
لعلنا نفهم قيمة وقدسية العلاقة الزوجية.