مصر الجديدة : كم وطنا يبحث عنه الأدباء؟

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

أغنتنى الميديا عن حضور كثير من اللقاءات بالمقاهى والندوات، ثم منعنى المرض لفترات طويلة لا تزال عن أى حضور. تابعت على الفيسبوك وتويتر كثيرا جدا من الأخبار عن صدور رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية، وأرى صورا لا تنتهى لذلك. لاحظت أن كثيرا من الأدباء نشيطون جدا فى الحديث عن أعمالهم وأعمال الآخرين، لكننى لاحظت أيضا أن الأغلبية منهم لا تتحدث فى الأمور السياسية.

من يتحدث فى ذلك غالبا هم من الصحفيين المخضرمين أو النشطاء السياسيين أو من أصابت السياسة أحدا من أسرتهم بسوء وقليلا من الأدباء. يعود بى ذهنى أكثر من مرة إلى أيام الستينيات والسبعينيات حين كنا نلتقى فى المقاهى وكانت السياسة تستهلك أكثر أحاديثنا، وتصل أحيانا إلى حد إصدار البيانات وكثيرون عرفتهم السجون. حين أتذكر مثلا لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التى أُنشئت فى نهاية السبعينيات بحزب التجمع وكانت لجنة جبهوية، أى لكل الاتجاهات وليس اليساريين فقط، وأتذكر أسماء أعضائها الذين كنت بينهم، وكان أكثرهم أدباء أو كاتبى دراما ومسرح أو مؤرخين أو نقادا. شيئا فشيئا تقلص ذلك أو انتهى .

كثيرا ما فكرت أن الميديا ستحتل الواجهة لكنى لاحظت ابتعاد الغالبية من الأدباء - الغالبية وليس الكل - عن ذلك كما قلت رغم إغراءات الميديا. ولأنى قرأت واقرأ كثيرا من الإبداع الروائى أو القصصى أو الشعري، ارتحت إلى فكرة تبدو قديمة وهى أن هؤلاء المبدعين وجدوا فيما يبدعون وطنا.

هل تتعدد الأوطان بعدد المبدعين؟ الإجابة الساذجة تقول مادامت تعددت الأعمال فتتعدد الأوطان.

الإجابة الحقيقية هى وطن واحد. أجل وطن واحد لا تجده إلا بين صفحات الكتاب. عالم مواز . ربما تخلصا من اصطلاحات النقد. ملامحه الخاصة بنت العمل ذاته لكن ملمحه العام والرئيسى هو الاغتراب.

حتى لو لم يكن الاغتراب كقضية فلسفية مطروحا لكن ما الذى يجعل الكاتب يبدع عالما غير موجود على الأرض إلا الاغتراب عنها؟

كيف ارتاح هؤلاء المبدعون إلى ذلك وكل ما حولهم يغرى بالحديث فى السياسة؟ هى العودة للجذور .

منذ الكتابات الأولى للبشر التى كانوا يتلونها ثم جاء زمن تدوينها، وهم يبحثون عن عالم أجمل مما حولهم.

كان ذلك موجودا على طول التاريخ لكن لا يغرى بالوقوف أمامه أو ملا حظته لأن الكتاب لم يكونوا بهذا الاتساع فى العدد.

كان مستقرا فى الأرواح أن هذا هو عمل الكاتب.

لكن سؤال البعد عن السياسة ولماذا قد يقفز، فلا أجد له إجابة غير ذلك.

لا تغرينى الميديا بالإدانة كما يفعل البعض الذين يتصورون أنهم العالم الحقيقي، ولا أبرر لما قد يتصوره البعض جبنا عند غيرهم أو مصلحة، بل تغرينى أن أقرأ ابداع الكتاب مدركا من البداية أن الموهوبين منهم غرباء فى هذا العالم ومن حقهم اختيار ما يكتبون.

أعنى ويفعلون. فالموهوبون فى الحياة ليسوا نسخة من موهوب واحد.