رئيس الجمعية التاريخية: إتاحة الوثائق ضرورة لكتابة التاريخ

أجواء راقية فى الداخل.. وباعة الثوم فى الخارج
أجواء راقية فى الداخل.. وباعة الثوم فى الخارج

لا شيء يعدل انبهارى بعراقة مبنى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وطرازه الإسلامى العريق سوى تقززى من الروائح النفاذة للثوم والبصل والخضراوات التى تتسلل إلى أنوف المؤرخين الكبار رغمًا عنهم؛ سوق كبيرة تفترش مدخل الجمعية الأقدم فى الشرق الأوسط حتى السلالم، نداءات الباعة على بضائعهم تكاد تغطى على أصوات الأساتذة فى الندوات والملتقيات العلمية، لذا جاء سؤالى الأول الموجه إلى المحقق الكبير والمؤرخ القدير د.أيمن فؤاد سيد رئيس مجلس إدارة الجمعية، عن سبب السكوت على هذا الوضع المزري، وكان رده أن الباعة يتغولون عليهم إن تحدث معهم أحد، وأن الحى يقوم بالحملات الدورية، وما تلبث الحال أن تعود أسوأ فور أن يذهب مفتشو الحي!

رغم هذه المأساة، فإن تلك الروائح ربما تكون أهون المشاكل التى تواجه الجمعية الأقدم للدراسات التاريخية، ويوضح د. أيمن فؤاد سيد أن الجمعية تنقلت منذ إنشائها فى عدة أماكن داخل القاهرة، أشهرها الموضع الذى استقرت فيه فترة طويلة منذ الخمسينيات إلى نهاية القرن الماضى فى مبنى بشارع البستان بجوار عمارة النادى الدبلوماسي، الدور الثالث؛ ثم انتقلنا إلى المبنى الحالى بمدينة نصر، الذى كان إهداء من الشيخ سلطان القاسمي، أمير الشارقة.


بدون دعم!
ويشير د. أيمن إلى أن المشكلة الحقيقة التى تواجهها الجمعية تكمن فى ضعف الدعم المالي، حتى بعدما زادت الاشتراكات فى اللائحة الجديدة من خمسين إلى مائة جنيه، لأن عدد الأعضاء لا يتجاوز ستمائة عضو فقط، إضافة إلى أن إمكاناتهم لا تسمح بزيادة الاشتراك أكثر من هذا، لذا نطالب بدعم الدولة باعتبارنا حفظة ذاكرة التاريخ المصرى والعربي.

وكذلك نرجو عودة دور رجال الأعمال الداعم لهذا الكيان الثقافى مثلما كان يحدث قديمًا؛ خاصة أن مواردنا محدودة، ونحتاج أيضًا إلى دعم شباب الباحثين، فى الوقت الذى لا نحصل فيه على أية إعانات مالية من وزارة التضامن رغم أن الجمعية هى الجهة الوحيدة القادرة على كتابة تاريخ حقيقى لمصر عن طريق المؤرخين الأعضاء أو استكتاب المتخصصين من المجالات الأخرى للمشاركة فى الندوات، وقد قدمنا ندوة مهمة بمناسبة مرور مائة عام على تصريح 28 فبراير، شارك فيها الوزير منير فخرى عبد النور، والوزير محمد العرابي.

ود. أيمن سلامة؛ وندوة أخرى حول أزمة مارس، إضافة إلى الدراسات المتخصصة والندوات الخاصة بالجمعية، وكل هذه الأنشطة تحتاج إلى تكلفة مادية مرتفعة.

الإفراج عن الوثائق
وعن الأزمة الأبرز التى تواجه المؤرخ حين يكتب التاريخ الحديث، يقول د. أيمن إن مصر لديها مؤرخون كثيرون متخصصون وثقة، وقادرون على الكتابة فى كل المجالات، ولكن المشكلة الأبرز التى تواجه المؤرخ هى الإفراج عن الوثائق، لأن التاريخ الحديث يتداخل مع العلوم السياسية، حيث تبدأ الأحداث ولا نعرف متى تنتهى ولا كيف تنتهي، ونحن لا نكتب التاريخ إلا عندما تنتهى أحداثه وتتوافر مصادره؛ حتى إن بعض الدول والجهات الدولية لا تفرج عن الوثائق حتى بعد مرور خمسين عاما على الأحداث.


مائة ألف كتاب
وفى جولة داخل مكتبة الجمعية، وجدنا عددا من باحثات الماجستير من دولة الكويت الشقيقة يُطالعن الكتب التاريخية بشغف، وأشارت إحدى الباحثات إلى أن شروط الاطلاع بسيطة أن يكون المطلع باحثا فى التاريخ أو متخصصا فى أحد المجالات العلمية، وكل ذلك مقابل اشتراك سنوى رمزي.


من جانبه، يوضح د. أيمن فؤاد سيد أنه لا يوجد حصر دقيق بأعداد الكتب ولكنها لا تقل عن مائة ألف كتاب معظمها فى الدراسات التاريخية، ولكنها لا تضم مخطوطات ولا وثائق، الدور الأول يضم مكتبات اللغة العربية والدور الأعلى يضم المكتبات العربية إضافة إلى الرصيد الأجنبي.

وهذه الكتب تزيد كل عام سواء عن طريق الشراء المباشر من معرض الكتاب الذى نرصد له نحو عشرة آلاف جنيه سنويا، أم عن طريق الإهداءات وتبادلات المطبوعات مع المؤسسات الثقافية الأخرى؛ إضافة إلى إصداراتنا الخاصة.

ومنها المجلة الدورية، والموسم الثقافى، والمؤتمرات السنوية، والندوات المتخصصة عن كل فترات التاريخ؛ ولدينا دراسات خاصة بكبار المؤرخين، أمثال: ابن عبدالحكم، وابن تغرى بردي، والقلقشندي، والمقريزي، والجبرتي، وغيرهم.


وصف مصر
وعن أبرز المراجع التى تضمها مكتبة الجمعية التاريخية، يؤكد د. أيمن أن المكتبة تضم مطبوعات مبكرة جدا مثل النسخة الأصلية لكتاب (وصف مصر) كاملة، وسجلات نادرة لمجلس النواب، وبعض الأعداد الأولى والقديمة للصحف المصرية.

ونوادر المطبوعات باللغة العربية واللغات الأجنبية؛ وكذلك الدوريات المتخصصة، وكل هذا متاح لإطلاع الطلاب والباحثين، وأشار إلى أنه يتم تزويد المكتبة بالكتب بصورة دائمة خاصة عن طريق إهداءات كبار المؤرخين أعضاء الجمعية، الذين يوصون بإهداء مكتباتهم الخاصة بعد وفاتهم إلى مكتبة الجمعية مما يدعم المكتبة بالكتب النادرة باستمرار..

ولا يزال هذا التقليد متبعا حتى يومنا هذا.


اقرأ ايضا | إعلان القائمة القصيرة للبوكر الدولية