فى الصميم

شبح «الثالثة» يلوح فى الأفق

جـلال عـارف
جـلال عـارف

حالة ترقب شديد فى عواصم الغرب لما سيعلنه الرئيس الروسى «بوتين» بعد غد فى الاحتفال السنوى بعيد النصر الذى تحتفل به أيضا دول الغرب لأنه  ذكرى اليوم الذى انتهت فيه الحرب العالمية الثانية بعد استسلام ألمانيا النازية، وبعد تضحيات جسيمة دفعتها شعوب العالم ومعارك قاسية شهدت تحالف الاتحاد السوفيتى يومها مع الغرب لم يكن النصر ممكنا بدونه!


تغيرت الأوضاع كثيراً حتى وصلنا الآن إلى المواجهة القاسية التى تدور بين روسيا وبين الغرب فى أوكرانيا. وعلى وقع الحرب كان الحلفاء الغربيون يتوقعون قبل أسابيع أن يعلن بوتين عن نصر «ولو محدودا» يحققه فى أوكرانيا، الآن يتوقعون الأخطر وهو أن يقوم بوتين فى ذكرى النصر بإعلان الحرب!!


والمفارقة هنا أن روسيا لم تعلن حتى الآن أنها فى حالة حرب فى أوكرانيا، وتصف ما تقوم به بأنه «عملية عسكرية خاصة» لأن «إعلان الحرب» يعنى وضعا أخطر بكثير، ويتبعه تجنيد الاحتياط واتخاذ إجراءات استثنائية تدخل بالصراع إلى طريق تصعب العودة عنه.. وهو ما تتفاداه كل الأطراف حتى الآن بدرجات مختلفة!.


لم تعلن روسيا الحرب حتى الآن، وتقول دول الغرب إنها تدعم ولا تحارب فى أوكرانيا. ومع ذلك فإن الواقع يقول إن شبح حرب عالمية جديدة يطل على العالم كما لم يحدث منذ عقود طويلة!!

و الطرفان الأساسيان «روسيا وأمريكا» يواصلان التصعيد، ومناخ الحرب العالمية الثانية «التى خاضها الفريقان متحالفين قبل الافتراق يتم استدعاؤه فى الصراع الجديد روسيا تقول إنها تقاتل «النازيين الجدد» وتسعى لإنهاء هيمنة أمريكا على العالم وأمريكا تقول إنها ماضية إلى النهاية فى حصار روسيا وإسقاط بوتين الذى وصفه الرئيس الأمريكى بأنه «مجرم حرب» لا ينبغى أن يبقى فى حكم روسيا وتقويض أمن العالم.


أوروبا التى كانت المسرح الرئيسى للحربين العالميتين لا تتمنى الثالثة على أرضها، لكنها تعرف أن القرار ليس فى يدها، بل عند موسكو وواشنطن. تفتقد أوروبا القيادات التاريخية القادرة على صياغة موقف فاعل يضع حداً للتصعيد، ويفتح القنوات الدبلوماسية المغلقة، ويصمد أمام الضغوط الأمريكية، ويعيد الحياة للتفاوض من أجل الحلول الوسط التى لابديل عنها.


لا تملك أوروبا - فى ظل أوضاعها الصعبة - إلا محاولة شراء الوقت. ترسل سلاحا لأوكرانيا ولكن بحدود.


وتعلن أنها لن تدفع ثمن البترول والغاز بالعملة الروسية «الروبل» لكن مع «تفاهمات» تجعلها تدفع بالدولار أو اليورو ثم تفتح حسابات أخرى بالعملة الروسية، وتتولى البنوك فيما بينها تسوية الأمر بحيث يقول كل فريق إنه حقق ما يريد. روسيا تقول إنها قبضت بالروبل، والدول الأوروبية تقول إنها دفعت باليورو، والطرفان راضيان بتفادى صدام أكبر!!


نفس الشىء يحدث مع قرارات مقاطعة البترول الروسى التى تستعد أوروبا لإعلانها، - أوروبا تعرف جيداً الثمن الباهظ لهذه المقاطعة التى قد تضر الاقتصاد الروسى إذا تمت لكنها ستضر أكثر اقتصاد دول أوروبا التى تعانى الآن بالفعل من آثار وارتفاع أسعار الوقود ولا تتحمل المزيد.

تقول دول أوروبا إن القرارات - إذا اعتمدت - سيبدأ تفعيلها خلال ستة شهور على الأقل وحتى نهاية العام القادم. وبالتأكيد تعرف دول أوروبا أنها تراهن على الوقت، وتأمل هى وروسيا معا - فى تفادى القطيعة الكاملة.


.. وتبقى الحقيقة المؤسفة. فى ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية يبدو العالم فى أشد الاحتياج لأن يتفادى «الثالثة» التى يلوح شبحها فى الأفق - نحتفظ بالأمل فى أن ينتصر العقل، لكن شراء الوقت وحده لا يكفى حين يكون هم الآخرين هو بيع السلاح وتفجير الأزمات!