رشيد غمرى
لابوهيم هى إحدى أشهر الأغنيات الفرنسية، للفنان شارل أزنافور، أصدرها عام 1965، وتحكى على لسان رسام باريسى ذكريات شبابه على مرتفعات حى مونمارترب الشهير، بصحبة فتاة غجرية، عاش وأبدع معها، رغم الفقر، بين مقاهى وشوارع مفعمة بآمال وطموحات شباب الفنانين. الاحتفاء بالبوهيمية كأسلوب حياة، يرجع إلى بدايات القرن التاسع عشر، وتحول لاحقا إلى وصف لحياة قوامها الفن، والبساطة، والحرية، قبل أن يغدو طابعا تصميميًا للديكور والأثاث.
يرجع أصل البوهيمية إلى منطقة بوهيميا التشيكية، وتحديدا المهاجرون الغجر الذى استقروا فى المنطقة، وعاشوا حياة فطرية، ملتحمين بالطبيعة. ولذلك أُطلق المصطلح أولا على سبيل الاستعلاء والإدانة.
لكن، ومنذ العقود الأولى للقرن التاسع عشر، بدأ المصطلح يتخذ معنى إيجابيا، حيث استلهم بعض الكتاب والمبدعين حياة البوهيميين للتعبير عن جنة الإنسان الحر، والبعيد عن تعقيدات الحياة المعاصرة،. ووفقا لقاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1932 فالبوهيمى شخص يعيش حياة غير منتظمة، دون موارد مضمونة، ولا يقلق حيال الغد. ووصفه قاموس الكلية الأمريكية بأنه ذو ميول فنية أو فكرية، يعيش ويتصرف دون اعتبار لقواعد السلوك التقليدية.
تناول العديد من الأدباء حياة البوهيميين، ومنهم الكاتب الإنجليزى وليام ميكبيس ثاكرى فى روايته سوق الأباطيل التى نُشرت 1948، ساخرا من المجتمع البريطانى المتكلف فى أوئل القرن التاسع عشر. كما طرح الفرنسى اجورج دى مورييهب - فى روايته اتريبليب - البوهيمية كنمط لحياة بديلة يجب أن يتبناها ويقودها الفنانون. كذلك تعتبر رواية البوهيمى المجهول لـهنرى مورجير أحد الأعمال الأدبية الشهيرة التى ركزت على عدم اكتراثهم للمال، وحبهم للهو. كذلك مجموعته القصصية امشاهد من الحياة البوهيميةب الصادرة 1845، التى استلهمتها أوبرا االبوهيميةب الشهيرة للإيطالي اجاكومو بوتشينيب. كما توجد أوبرا أقل شهرة حملت الاسم نفسه، ألفها الإيطالى أيضا اروجيرو ليونكافلوب بعدها بعام واحد. كذلك طرح افيكتور هوجوب تلك الحياة فى روايته الشهيرة البؤساء.
ولم تتوقف الفنون كافة عن الاحتفاء بحياة البوهيميين التى صارت عنوانا على نمط حياة لشباب باريس مطلع القرن العشرين، وسرعان ما انتشر منها إلى جميع أنحاء العالم. وفى كتابه فى »بيان البوهيمية» صنف الكاتب الارين ستوفر البوهيميين إلى أنواع، وضم لهم بعض متبعى فلسفة االزِنب، ونمطا من المتأنقين والحداثيين، والآن صار من يعتبرون أنفسهم بوهيميبن أكثر ارتباطا بالتحضر والليبرالية وتجنب السياسة، والبحث عن الجوانب الروحية للدين دون انغماس فى القيود والطقوس.
تصاعد الاهتمام بالبوهيمية فى القرن التاسع عشر، يجعلنا نتساءل عما إذا كانت ردة فعل على الثورة الصناعية، وخوف الإنسان من فقد فطريته بسبب نمط الإنتاج الآلى، والكمى. لكن بقليل من التأمل سنجد أن هذا النوع من الأفكار، لم يكن من الممكن أن يروج إلا فى مناخ اجتماعى منفتح، أتاحته الثورة الصناعية، وما تمخضت عنه من أفكار وحريات شخصية، فضلا عن فوائض الثروة التى حررت الفن، ومكنت الفنانين من تغيير نمط حياتهم السابق فى كنف الأديرة، والنبلاء.
الآن صار أكثر ما يرتبط بالبوهيمية هو أسلوب تصميمى لنوع من الأزياء والحلى، واديكورب المنازل، له عشاقه من جميع أنحاء العالم، ورغم ارتباطه فى الأصل بالحلول البسيطة والبدائية لرخص تكلفته، فقد تحول مع الوقت إلى مقتنيات عالية الكلفة بسبب اعتمادها على العمل اليدوى، وحيث يستغرق صنع القطعة الواحدة من أيام إلى شهور.
ويعتمد النمط البوهيمى فى التصميم الداخلى على الأخشاب الطبيعية، وأعواد الغاب، وقطع الأشجار دون تهذيب، وعلى استخدام الخيوط والحبال بطريقة االمكرميةب، فضلا عن استخدام الفراء والجلد الطبيعى فى شكله البدائى. كما يوجد نمط من اللوحات الفنية والمنحوتات التى ترتبط بالبيوت البوهيمية، وتتميز بالبساطة والبدائية والمباشرة والألوان الصريحة، وتميل للتجريد، والخطوط البسيطة. ورغم ارتباطها مؤخرا ببيوت الأثرياء، فإنها مازالت تمثل رغبة فى مقاومة الانزلاق الكامل فى مظاهر البذخ، وتعقيدات الحداثة.