عبد الهادي عباس يكتب: عبد العزيز شنب.. الشاعر الذي لم يعد مجهولا

عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس

خبر رمضاني مفرح، ذلك الذي سمعته عن دراسة الماجستير بجامعة القاهرة التي نالت الامتياز للباحث أحمد سعيد فهيم عن شعر الشاعر الجميل محمد عبد العزيز شنب، دراسة أسلوبية، ذلك الشاعر الراحل الذي أفنى عمره حبا في الصحافة، كان صحفيا بجريدة الأهرام، وشاعرا مبدعًا أخرج سبعة دواوين كاملة، إضافة إلى مسرحيتين؛ ومع هذا يكاد ألا يعرفه أحد بين المثقفين!   

كل خبر عن إخراج شاعر إلى النور هو خبر مفرح للثقافة المصرية، وهناك مئات الشعراء الذين لا يعرفهم أحد، أخنى عليهم الدهر وظلمهم الباحثون والمثقفون، فالشعر ديوان العرب- كان وسيظل- وعلمهم الذي لم يكن لهم علم أصح منه، وارد ألسنتهم، ومهوى أفئدتهم، الهواء الأنقى الذي تتنفسه رئة الإبداع العربي العتيد، رغم دعاوى انقطاعه الزائف عن الذائقة العربية لحساب فنون أخرى، وتلك دعوى جائرة مشوبة بالنظرة الوقتية، فكل الفنون عيال على الشعر، تنفتح عليه وتقبس من نوره، ولكنها لا تطغى عليه ولا تزاحم محبته في أفئدة العرب وغير العرب، إذ لا يزال التاريخ يذكر خشونة قساوسة أوربا على شبابهم ليتركوا مطالعة الشعر العربي الذي شغفهم حبا وتأثروا بدفقاته الخلاقة التي تنعش القلب الصدي.
جاءت الرسالة في أربعة فصول، بإشراف الناقد الكبير د. عبد الرحمن الشناوي، أستاذ الأدب بدار علوم القاهرة، ومناقشة الناقد الكبير د. عبد الله عبد الحليم، عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة حلوان، والناقد الفذ د. أيمن ميدان، الوكيل السابق لدار علوم القاهرة.  

وإذا كان العرب قد ارتضوا لأنفسهم قواعد وأصولا يبدعون فنهم الأبرز في إطارها، فإنهم بذلك لم يكونوا جامدين أو محلقين في فضاء الوهم، بل كانوا مخلصين لبيئتهم ولسانهم؛ كما أنهم قد قاموا بالتطوير والتجديد في إطار تلك القواعد التي سنتها ذائقتهم السوية؛ ويشهد تاريخنا الأدبي بتلك الحركة الدائبة من الشعراء أنفسهم قبل النقاد والرواة لابتداع أشكال شعرية جديدة تنسلك في سلك أوزان الخليل، مثل: المخمسات، وأخرى لا تنسلك في سلكها مثل: الزجل والموشحة، وإن كانت تدور في فلك الموسيقا العربية بصورة أو أخرى؛ مع نفخ الروح في تفاعيل العروض باشتقاق دوائر إضافية، أو الإنشاد على الأبحر المهملة.

ورغم انحراف دعوات التجديد عن جادة القواعد العربية واتخاذها غير سبيل الصالحين، بشعر التفعيلة الذي ربا وطمى منذ بدايات القرن الماضي وصولا إلى ما يسمى بقصيدة النثر، فإن القصيدة العربية الأصيلة، الموزونة، المقفاة، لم تخب أو تتصحر أو يعتريها الوهن، بل لا تزال باقية تنافح الواغش، وتدفع عن الوجود الشعري، وتمتع الذائقة السليمة بقطرات اللؤلؤ والمرجان، تنفعل مع الواقع المتغير وتكشف عن سوءاته، وتدفع بالنخوة العربية لتذود عن وجودها وأرضها، في انبثاق لغوي ساحر يظهر الفروسية العربية القائمة على ثنائية: الانتصار أو الموت.

ولم يكن الشاعر محمد عبد العزيز شنب وحده في هذا الباب، بل شاركته زمرة مباركة من شعراء المدرسة الدرعمية- كما سماهم الأستاذ العقاد عند تقديمه لديوان علي الجارم- ذادوا عن حياض فن اللسان العربي ونسجوا على منوال الأوائل فغسلوا بأشعارهم آذانا صما وفتحوا عيونا عميا على أن هناك شعرا ذا نفثة قدسية لا الهذر الذي يلوكونه ويصخبون به في الأندية والقراطيس.             
   
لا يزال الشعر لسان الأفئدة النابضة بالآمال العربية، المبين عن تطلعات الشباب وأحلامهم التواقة إلى الحرية والتغني بالأمجاد السالفة للأمة إبان نهضتها وتحليقها؛ ومن هنا فإن إجلاء الركام عن شعر شاعر متين السبك قوي المعنى الشعري يعد ذا أهمية كبيرة عند الدارس لفن العرب الأول، خاصة إذا تعددت الموضوعات الشعرية التي ارتكن إليها شعر عبد العزيز شنب واستخدامه الكثير من الصور الشعرية المبتكرة والأبحر الشعرية المختلفة بصورها المتعددة؛ إضافة إلى أن الباحث لم يجد دراسة واحدة قد سبقته إلى دراسة هذا الشاعر رغم إنتاجه الوفير، وهو ما يجعل هذه الدراسة بكرا رزانا لم يفترعها دارس من قبل.  
 
كان للإنتاج الوفير والممتد للشاعر محمد عبد العزيز شنب السبب الأوفى لاختيار شعره لهذه الدراسة، أولا؛ ثم لتنوع وتشعب هذا الإنتاج الشعري وتعدد موضوعاته، ثانيا؛ كل هذا مع قلة احتفاء النقاد بدراسة شعره، ثالثا، رغم ما توافر فيه من أسباب الجدة والتميز والإبداع.

اعتمد الباحث على المنهج الأسلوبي في دراسته لدواوين الشاعر عبد العزيز شنب، لأنه الأقرب والأوفى لإظهار جماليات شعره وكشف مخبوءاتها الجمالية، من الموسيقا والتركيب والمعجم الشعري والصورة الشعرية؛ وهي وقفات كانت لها مكانتها الأثيرة في دواوين الشاعر.