خرج الحاكم بأمر الله الفاطمى الغريب الأطوار، والذى حرم أكل الملوخية وادعى النبوة، فى ليلة الثلاثاء سنة 411هـ، من باب القصر الشرقى الكبير، الليلة كانت مظلمة، أكثر من أى ليلة سابقة.
ركب حماره متوجهاً إلى خارج القاهرة، المدينة كانت هادئة على غير العادة، والغموض كان سيد الموقف، ويبدو أن أم الحاكم أحست بما سيقع له، وقيل إنها تعلقت به قبل خروجه، ورجته بحرارة أن يبقى بجوارها، لكنه أصر على الخروج.
وأمام الباب الشرقى.. وقفت نفس الجماعة التى كانت تنتظره فى كل ليلة، لترافقه فى سيره، حتى إذا اقترب من الجبل تعود أدراجها، ليستمر هو فى السير بمفرده، كما عودهم لسنوات خلت، توغل الحاكم فى الدروب، التى حفظ تفاصيلها جيدا، والسهر فيها حتى الصباح، وأحيانا لأيام.
وكعادته أثناء سيره.. ربما اعترضه بعض الرعايا، ليقدموا له شكاواهم، يقف كل منهم على حدة على يمين الحاكم، ليشرح له متاعبه مع جامعى الضرائب، والأسعار التى تتصاعد، ويصغى الحاكم باهتمام شديد، فإذا عاد إلى القصر، عمل على حل تلك المشاكل بنفسه، طالبا من رعاياه انتظاره فى الليلة التالية بنفس المكان الذى التقى بهم فيه فى ليلته السابقة، حتى يخبرهم بما قرر.
وفى كتب التاريخ.. يقال إنه فى تلك الليلة نظر طويلا إلى السماء ثم صاح: ظهرت يا مشئوم.. وبعد تلك الصيحة، لم تقع عليه وعلى حماره عين بشر، ولم يعثر لهما على جثة.. فازداد موقف التاريخ وكتابه منه.. غموضاً!