ما كان خيالا علميا بات حقيقة الآن l أفلام وروايات تنبأت بالواقع الحالي

أفلام وروايات تنبأت بالواقع الحالى
أفلام وروايات تنبأت بالواقع الحالى

دينا توفيق

مراقبة وتتبع؛ وكأنهم أعين تتلصص علينا.. نجلس بمفردنا ولكنهم يرصدون تحركاتنا وخطواتنا.. يعلمون ما تفكر فيه عقولنا قبل أن ينطقه اللسان؛ ويظهر أمامنا اقتراحات عدة للفكرة التى طرأت برأسنا.. ومن خلال رؤية المواقع التى نزورها على الشبكة العنكبوتية، يجمعون المعلومات عن شخصيتنا وأفكارنا وأى شيء مهما بدا بسيطا.. يقنعونا بالحرية والخصوصية الوهمية؛ ولكنهم يمتلكون مفاتيحها، يعرفون كلمة المرور الخاصة بكل منا فى جميع المنصات والمواقع، هذا واقعنا الذى نحياه الآن مع التقدم التكنولوجى السريع الضخم، حاضرنا الذى تنبأ به العديد من الكتاب الغربيين منذ عقود، وربما مستقبلنا أيضًا..

الروائيون والمفكرون ومؤلفو الإثارة ليسوا عرافين أو أحفاد المنجم الفرنسى الشهير نوستراداموس، ولكن فى بعض الأحيان، تنتهى كتاباتهم بشكل مخيف من الأحداث القادمة، تشعر مع قراءتها وكأنهم قادمون من المستقبل متطلعين عليه، ما يبدو لنا خيالا علميا لم يعد كذلك، بات حقيقة على أرض الواقع.. مثل رؤية جسدها المخرج الأمريكى «ستيفن سبيلبرج» عام 2002 فى فيلمه «تقرير الأقلية» عن رواية خيال علمى التى تحمل الاسم ذاته، والتى صدرت عام 1956 للكاتب الأمريكى «فيليب ديك»؛ التى تشير إلى ما يمكن أن نراه فى المستقبل القريب، «بدلا من أن نشاهد التليفزيون سيكون هو من يشاهدنا ويسجل كل ما نقوم به وسيخصص نفسه لما يعرفه عنا. الشيء المثير هو أن هذا سيجعلنا نشعر بأننا أصبحنا جزءا من هذه التكنولوجيا وشركاء فيها رغم أنفنا، الشيء المخيف هو أننا سنفقد حقنا فى الخصوصية». 

 

لقد وصلنا قبل الموعد المحدد، إلى المستقبل القاسى الذى حلم به كتّاب الخيال العلمى مثل «جورج أورويل» و«ألدوس هكسلى» و«مارجريت أتوود» و«فيليب ديك»، المستقبل الذى أصبحنا نحن جزءا منه الآن؛ ومازلنا نشعر أننا داخل أحداث فيلم خيال علمى، وباء وإغلاق وصراعات على الفضاء وتقدم تكنولوجيا هائل؛ فور التحدث مع من حولك، تجد موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يقدم لك اقتراحات بشأن هذا الموضوع وكذلك «جوجل» حينها تشعر وكأنك مراقب، الكثير من الأعمال مثل شخصية «الأخ الأكبر» لأورويل فى رواية 1984، يراقب عمالقة التكنولوجيا من وادى سيليكون ومن ثم حكوماتهم يرصدون الآن كل تحركاتنا. إلى جانب الكتابة والنسخ اليوم، تمامًا كما توقع أورويل، لم يعد الناس مضطرين للكتابة؛ يمكنهم ببساطة التحدث وكتابة كلماتهم رقميًا وترجمتها على الفور إلى عشرات اللغات، والشاشات التليفزيونية بالتأكيد، صارت اليوم أجهزة تليفزيون ذكية ذات شاشة كبيرة فى منازلنا، بالإضافة إلى هواتف ذكية صغيرة، تحتوى جميعها على كاميرات وميكروفونات، وكلها تراقب وتستمع إلى كل ما نقوله ونفعله تمامًا مثل فيلم «عالم جديد شجاع» لهكسلى، فإننا نخلق مجتمعًا أفراده مراقبين بعد أن «سلب منهم حرياتهم، لكن بالأحرى يستمتعون بها، ليس لديهم أى رغبة فى التمرد عن طريق الدعاية أو غسل الأدمغة».


ويبدو أن نبوءة هكسلى هذه التى ذكرها فى روايته الصادرة عام 1932 «العالم الجديد الشجاع»، قد وجدت طريقها لتتحقق على أرض الواقع. حيث يسيطر العلم على البشر، وتختفى المشاعر، ويقوم النظام بالتحكم فى المواليد الجدد من خلال إنتاج أطفال محددى الوظائف والرغبات، فى مجتمع تفتقر روح الإنسان إلى السعادة، لانعدام الحرية، فقد تكفلت كل من مؤسسة فورد، ومؤسسة روكفيللر، ومجلس السكان، التى تتخذ جميعها من نيويورك مقرًا لها، فى تنفيذ هذا المخطط، وفى سبيل ذلك ضربت تلك المؤسسات بكل القيم الإنسانية عرض الحائط، فخوفًا من الانفجار السكانى وضعت خططا مدروسة لتحديد عدد السكان. 

 

وكذلك مثل رواية «حكاية الخادمة» للكاتبة الكندية «مارجريت آتوود»، التى خرجت للنور عام 1985، ومن قرأها فى حينها لن يتصور أن أحداثها هى مرآة لما يعيشه العالم الآن تعليم السكان «معرفة مكانهم وواجباتهم، وفهم أنه ليس لديهم حقوق وما يتوهمونها على كونها حقوقا ليست حقيقية ولكن سيتم حمايتهم إلى حد ما إذا كانوا متوافقين، وأن يفكروا بشكل سيئ فى أنفسهم لدرجة أنهم سيقبلون مصيرهم المحدد لهم ولن يثوروا أو يهربوا.

 

وتماشيًا مع رؤية ديك القاتمة لدولة بوليسية بائسة، والتى أصبحت أساسًا لفيلم الإثارة المستقبلى لسبيلبرج فيلم «تقرير الأقلية» الذى صدر قبل 20 عامًا؛ نحن الآن محاصرون فى عالم ترى فيه الحكومات كل شيء، تعرف كل شيء وبقوة، وإذا كنت تجرؤ على الخروج من الخط ، فإن فرق SWAT  للشرطة ذات الملابس الداكنة ووحدات ما قبل «وقوع» الجريمة سوف تهشم العظام للسيطرة على السكان. تم نسج أحداث الرواية «تقرير الأقلية» عام 2054.

وعلى ما يبدو استلهمت التكنولوجيا من الخيال العلمى، فقد تحركت بسرعة كبيرة فى وقت قصير منذ عرض الفيلم لأول مرة عام 2002 إلى درجة أن ما بدا يومًا ما مستقبليًا لم يعد الآن خيالا علميا. وبشكل لا يصدق، حيث تم دمج التقنيات الوليدة المختلفة التى تستخدمها الحكومة الأمريكية والشركات الكبرى على حد سواء؛ للتعرف على الوجه وماسحات قزحية العين وقواعد البيانات الضخمة وبرامج التنبؤ بالسلوك وما إلى ذلك، فى شبكة إلكترونية معقدة ومتشابكة تهدف إلى تتبع التحركات والتنبؤ بالأفكار التى تشغل عقول البشر والتحكم فى سلوكهم، رؤية ديك وسبيلبرج المزعجة للمستقبل تحولت بسرعة إلى واقع.

يتميز كلا العالمين - واقعنا الحالى ورؤية سبيلبرج للمستقبل - بمراقبة واسعة النطاق، وتقنيات التنبؤ بالسلوك، واستخراج البيانات، ومراكز الاندماج، والسيارات بدون سائق، والمنازل التى يتم التحكم فيها صوتيًا، وأنظمة التعرف على الوجه، حيث ابتكر الكاتب الأمريكى «نيل ستيفنسون» مصطلح «ميتافيرس» فى روايته للخيال العلمى «تحطم الثلج» عام 1992، والتى تصور عالمًا قائمًا على الواقع الافتراضى للإنترنت. فى الرواية، يستخدم الناس الصور الرمزية الرقمية لأنفسهم لاستكشاف عالم الإنترنت، غالبًا كوسيلة للهروب من واقع بائس.

تدور أحداث الرواية فى أوائل القرن الحادى والعشرين، وتتخيل مستقبلًا قاتمًا، فقد انهار الاقتصاد العالمى، وفقدت الحكومات الفيدرالية معظم قوتها لصالح حفنة من الشركات العملاقة، يعد ميتافيرس بمثابة هروب، ويقضى بطل الرواية، مخترق أجهزة كمبيوتر وسائق توصيل بيتزا، معظم وقته هناك، يصل إلى عالم الميتافيرس من خلال ارتداء نظارات واقية وسماعات أذن، ويظهر فى العالم الرقمى بالصورة الرمزية المخصصة له. ويمكن أن يكون للأفعال فى عالم الميتافيرس عواقب وخيمة: يدور جزء كبير من المؤامرة حول بطل الرواية يحاول إيقاف فيروس كمبيوتر يتسبب فى معاناة مستخدمى الميتافيرس من تلف دماغى فى العالم الحقيقى. سماعات الرأس التى تستخدمها شخصيات «الثلج المحطم» تبدو مشابهة لسماعات الواقع الافتراضى الحالية. يتميز الميتافيرس فى رواية ستيفنسون بعملة إلكترونية مشفرة، على غرار العملات المشفرة اليوم.

 

وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود، هذا هو المستقبل الذى أعلن عنه «مارك زوكربيرج» والذى يحاول بنائه، وتخطط شركات مثل «ميكروسوفت» و «روبلوكس»، التى تصمم ألعابا، وكذلك شركة نشر وتطوير ألعاب الفيديو والبرمجيات «إيبك جيمز» لإنشاء ميتافيرس الخاصة بهم. ويعمل ستيفنسون الآن بصفته «كبير المستقبليين» لشركة «ماجيك ليب» الناشئة فى مجال الواقع الافتراضي، بعد أن عمل مستشارًا فى شركة «بلو أورجين» الأمريكية المتخصصة فى الصناعات الفضائية الجوية وخدمات الرحلات الفضائية التابعة لعملاق التكنولوجيا «جيف بيزوس».

 

وكتب الروائى الأمريكى «دين كونتز» رواية إثارة حققت إيرادات كبيرة بعنوان «عيون الظلام»، والتى تنبأ فيها بجائحة عالمية بدأت بفيروس قاتل يسمى «ووهان 400» نشأ فى الصين. فى النسخة الأولى المنشورة عام 1981، تم إنتاج الفيروس فى الاتحاد السوفيتى وكان يسمى «جوركى 400». وفى عام 1989، بعد سقوط جدار برلين، طرح كونتز طبعة جديدة غير فيها الشرير إلى الحكومة الصينية الشيوعية؛ أوجه التشابه بين روايته والحياة الحقيقية قريبة بشكل مخيف. حيث قدمت الرواية نذيرا مخيف لوباء «كوفيد-19». وفى عام 1994، كتب الروائى الأمريكى «توم كلانسى» الذى اشتهر بقصص التجسس والعلوم العسكرية قصة مثيرة بعنوان «دين الشرف»، حيث يقود طيار طائرة ضخمة فى مهمة انتحارية إلى واشنطن، ويبدو أنه توقع قبل سبع سنوات هجوم القاعدة فى 11 سبتمبر 2001.

 

هذه ليست سوى عدد قليل من الروايات التى تنبأت بالمستقبل، لم تعد أحداثها خيالا علميا بل واقع عصرنا الذى نعيشه الآن، يسيطر «عمالقة التكنولوجيا» فى وادى سيليكون علينا وعلى حياتنا، ربما أصبحنا ممهدين إلى ما نشاهده فى السينما من أفلام خيال علمى، سيصبح واقع يومًا ما؛ الخيال فى جوهره، قد أصبح حقيقة وإن كانت مخيفة.