قريباً من السياسة

الاختيار.. جودة الدراما

محمد الشماع
محمد الشماع

اختلفت دراما رمضان ٢٠٢٢ كثيراً عن دراما السنوات السابقة البعيدة، اختفت مسلسلات العنف والبلطجة والمخدرات والعلاقات المحرمة والفساد الذى صدرته الدراما وكأن كل شىء فى مصر فاسد، وكانت العشوائيات فى خدمة تلك المسلسلات التى شوهت صورة مصر الحقيقية.

وجاء مسلسل الاختيار ٣ وما يثيره من تفاعلات فى المجتمع المصرى والعربى وملايين المشاهدين ليؤكد أن هذه النوعية من المسلسلات تكتسب أهميتها من مناقشتها للواقع ومن عرضها للتاريخ بشكل درامى، فهى لا تقدم واقعا موازيا مثل عموم المسلسلات، لكنها تقدم تاريخا من لحم ودم وشخصيات كانت ولاتزال تعيش بيننا، وهذا يعطيها أهمية استثنائية لأنها تثير جدلا ولا تمر على المشاهدين مرور الكرام أهمية العمل ترجع إلى اقترابه من مرحلة قمة الخطورة والحساسية فى عمر الوطن تعرض فيها لمؤامرات جماعة الإخوان الذين حاولوا السيطرة على مفاصل الدولة المصرية.

لذلك فإن الأحداث التى يتناولها مسلسل الاختيار ٣ باعتبارها أحداثا فارقة فى التاريخ المصرى فإنها تظل هى الأهم دراميا لأنها تحول الدرس التاريخى إلى عمل فنى يراه المشاهد ونحن فى حاجة ماسة إلى هذه النوعية من المسلسلات لأنها تدخل كل بيت وإلى مستويات متباينة من المشاهدين الذين لا يستطيعون الوصول إلى الحقائق التاريخية أو الذين لديهم ضعف فى الذاكرة فتتبخر الأحداث من ذاكرتهم بسرعة وهذا يفقد الدرس التاريخى أهميته ونحن أمة لا تقرأ كثيرا.

لذلك فإن هذه النوعية من الدراما تؤدى إلى فائدة مزدوجة لأنها تقدم عملا فنيا من السهل على كل المستويات التعليمية أن تشاهده رغم أنها من ناحية أخرى تعيد تجسيد وتأكيد الدرس التاريخى حتى لا ننسى، لأن التحولات العنيفة التى شهدها المجتمع المصرى فى العقدين الماضيين تحتاج إلى تأكيد وتجسيد حتى لا يفلت منا المعنى التاريخى وحتى لا نكرر أخطاءنا لأن التاريخ إذا أعاد نفسه فإنه يكون فى الأول مأساة وفى المرة الثانية مهزلة وقد شبعنا من المآسى ولم نعد نحتمل أى مهازل فى واقعنا.

كل التحية لمن قام على أمر كتابة وإنتاج وإخراج وأداء الفنانين الذين جعلونا نعيش الأحداث كما وقعت وبدون مبالغة هذا العمل الرائع. ونناشد صناع الدراما فى مصر أن يستمروا فى هذا التوجه لأن الدراما ليس غايتها تسلية المشاهد وإنما غايتها رفع مستواه المعرفى وإدراكه التاريخى والوطنى.