بعد حكم الإدارية بحظر إفتاء غير المتخصصين.. من له حق الفتوى؟

دار الأفتاء
دار الأفتاء

محمد طلعت
 

..فى الوقت الذي انشغل فيه الرأي العام بمناقشة قضية من يملك حق الفتوى في المسائل الدينية والعقائدية بعد الأزمات التي حدثت خلال الفترة الماضية بسبب بعض التصريحات الإعلامية في ذلك الشأن؛ أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا نهائيًا برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة؛ يقيد حق الإفتاء إلا للمتخصصين فقط، ودعت المحكمة الجهات المسؤولة في الدولة بتنظيم عملية الإفتاء حفاظًا على الثوابت الدينية والمجتمعية وذلك عن طريق المؤسسات الدينية الرسمية التي تكون وحدها المختصة بالإفتاء والتصدي للقضايا الدينية بحكم خبرتها وتخصصها لأن ذلك الأمر بالغ الأهمية بسبب تأثيره على ملايين الناس في كل مكان حتى لا يتسبب أحد مما ليس لديه الوعي أو الخبرة بنشر حالة من البلبلة وتعكير السلم العام إذا تصدى للفتوى دون دراسة.

ذلك الحكم النهائي جاء في وقت مناسب في محاولة لتخفيف حالة الاحتقان التي عاشها الرأي العام المصري بسبب بعض التصريحات التي أعقبتها حالة من الغضب الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي حتى اعتذر من أساء مؤكدًا أنه حدث لبس فيما قاله لدى قطاع كبير من الشعب وأنه لم يقصد ما فهم من حديثه، ورغم ذلك فالحكم الصادر اكبر بكثير من هذه الإشكالية السابقة وما استتبعها، فهذا الحكم سيكون له تبعات وتغيير كبير في الخريطة الإعلامية والدينية، وإذا أخذ المشرع الذي خاطبه الحكم بكل حيثياته ستتغير أشياء كثيرة في الوضع العام فيما يتعلق بالتصدي للقضايا الدينية.


شروط

فإذا عدنا للذاكرة القريبة سنجد أن هناك أشخاصًا كانوا يصعدون المنبر وهم لم يدرسوا أي شيء يتعلق بالدين لكي يصبحوا مؤهلين للافتاء أو للتصدي للفتاوى الدينية،هؤلاء كانوا نجومًا على الفضائيات الدينية لسنوات طويلة، وتحولوا لأيقونات تتحدث في الدين دون أي علم أو دراسة؛ فمنهم من تخرج في كليات الإعلام وتعلم البروباجندا، وكيفية التعامل مع الجمهور واستغل ذلك في أن يتصدر المشهد الديني والدعوة لسنوات طويلة بأسماء مختلفة اطلقوها على أنفسهم بلا سند، مثل فضيلة الشيخ الدكتور العلامة، بل إن بعض من كان يتصدى للقضايا الدينية لم يكن مؤهله العلمي الذي يخرج ليفتي به الناس سوى أنه حاصل على دبلوم؛ لهذا أتى حكم محكمة القضاء الإداري ليضع النقاط فوق الحروف، عندما طلب أن تتحمل المؤسسات الدينية مسؤوليتها بحكم الخبرة والتخصص قائلا في حيثيات الحكم؛»أنه لايجوز الإفتاء بغير شروط وهذه الشروط ليست بالأمر البسيط بل هى شروط صعبة ودقيقة لأن ذلك الشخص كما قلنا يؤثر في ملايين الناس لذلك يجب أن يكون دارس وحاصل  على كل العلوم الشرعية والدينية التي تؤهله للفتوى والتي حددها أيضًا الحكم القضائي المهم الذي تصدت به المحكمة الإدارية العليا بفوضى الفتاوى الموجودة».


وضع حكم المحكمة بعض الشروط لمن يحاول أن يجتهد للحديث في الدين؛ وهى أن يكون عارفًا بكتاب الله ومعانى الاَيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية، وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، وهى مسائل دقيقة للغاية لا يصلح لها أدعياء الدين طالبى الشهرة ومثيرى الفتنة وجامعى الأموال.


حكم المحكمة وضع يده على الجرح الغائر في الأمة؛ وهم جامعي المال الذين استغلوا الدين من أجل زيادة مكاسبهم المادية ليكون المال هو العامل المؤثر لدى هؤلاء خلال حديثهم عن الدين وإطلاق الفتاوى الشرعية التي قد تسبب كوارث حيث يمكن أن يتخذها البعض من ضعاف النفوس في تنفيذ عمليات إرهابية أو ترويع الآمنين وهو متسلح بالفتوى قبل أن يكون متسلحا بالسلاح ومنها مثلا القضية المشهورة التي تم سماع أقوال اثنين من الشيوخ نجوم البرامج التليفزيونية في وقت ما عن اعترافات بعض الإرهابيين المقبوض عليهم على هؤلاء الشيوخ بأن ما فعلوه كان استنادا على فتاوى مثل هؤلاء الشيوخ.


هؤلاء المشايخ أنكروا امام المحكمة تصديهم للقضايا الدينية من الأساس وعدم معرفتهم بما أخذه هؤلاء الإرهابيون من فتاويهم وترويعهم الآمنين، بل إن هؤلاء تراجعوا عن كل ما قالوه رغم أنه قيل على الهواء مباشرة واستمع خلاله الملايين من الناس لكن لأنهم من جامعي الأموال لأنهم ليس هناك لهؤلاء المشايخ في تلك القضية فجاء الإنكار المبين.

هؤلاء كانوا يصعدون على المنبر للحديث في الدين لكن هناك فئة أخرى يجب أن يتصدى لهم المشرع، وهم من يتخذون من وسائل التواصل مجالا للفتنة الدينية وتقليب الجميع سواء كان من المتشددين دينيًا أو من يقال عليهم التنويريين، فهل سيكون ذلك الحكم سببا في وقف هذه الفتنة؟

خطوة أولى

تقول رانيا جاد الله المحامية؛ إن ذلك الحكم هو الخطوة الأولى في رحلة طويلة وشاقة من أجل أن يتم تنظيم عملية الإفتاء حفاظا على الثوابت الدينية والمجتمعية بسبب ما يحدث وما اصبحنا نسمعه من كلام على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يشيب لها الولدان.


وتضيف المحامية رانيا جاد الله؛ أن ذلك الحكم يجب أن يتم وضعه أمام المشرعين حتى يكون دليلا ومرشدا لهم إذا تم وضع قانون خاص من مجلس النواب بذلك الخصوص وهو أمر مهم جدا يجب أن يكون أولوية لمجلس النواب لأن المشاكل التي ظهرت من خلال تصدي غير الدارسين للحديث في القانون كبيرة وضخمة ولها تأثير كبير على المجتمع حيث تزيد من حالة الاحتقان في الشارع إذا تم تركها دون وضع أسس ومبادئ.


وتؤكد المحامية رانيا جادالله؛ أن المحامين على سبيل المثال دارسين للقوانين وهم من لهم الحق في الدفاع عن المتهمين، وتمثيل المجني عليهم أمام المحاكم لأنهم مؤهلين دراسيًا ومعرفيًا ولديهم خبرة ووعي، فمن غير المنطقي وضد القانون أن يأتي شخص من على القهوة مثلا ليقف أمام القاضي ويدعي الحديث بالقانون في قضية ما، وقتها إذا تحدث لن يستطيع أن يأتي بالحجة السليمة في القضية لأنه غير دارس وتلك المنطقة ليست خاصة به وايضا الحديث في الدين يجب أن يكون لمن درس وتفكر وتفهم واجتهد في معرفة كل شيء في الدين قبل الحديث خاصة أننا في عالم نحتاج فيه إلى الإفتاء بصورة سليمة نربط بها بين العقيدة السليمة والصحيحة ومستجدات عصرنا من تطور تكنولوجي.

أما احمد علاء المحامي بالنقض فيقول؛ إنه يجب أن يتم تجريم كل من يتحدث في المسائل الدينية إذا لم يكن من المجتهدين الدارسين وخاصة من المحللين ودعاة التطرف الذين يزيدون الوضع سوءًا بما يفتوه لذلك يجب أن يتم وضع قانون به عقوبات رادعة لوقف هؤلاء المضللين والجهلاء وطالبي المال ومن يريدون الشير والإعجاب من الحديث والافتراء لعموم الناس خاصة من يصعد إلى المنبر منهم ومن يخرج في وسائل الإعلام خاصة من يتحدث لتحقيق أهداف واجندات غير بريئة.


أما عبد الحميد حسين المحامي بالاستئناف فيقول؛ إن وضع قانون خاص لمن يريد الحديث في الدين سيعمل على تأميم الدين والاسلام ليس في دستوره الرباني منع أحد من التفكر والحديث في الدين، فالجميع في الاسلام يفكر ويفسر وبهذا ترتقي العقول التي تناقش وتحلل وتتفاعل مع كافة القضايا، ولذلك يجب أن لايكون هناك قانون يمنع أحد من الحديث في الدين ولكن ما يمكن أن يحدث ويكون ملزم هو ترشيد ووضع أسس لمن يصعد للمنبر فقط لكن الحديث في الدين لايستطيع احد أن يسن له قانونا ليحدد من يتحدث ومن يستمع، فليس فيه هناك فئة محددة هى من تتحدث وتفسر بل إن الجميع مدعو للتفكر والبحث فأول آية نزلت على الرسول الكريم كانت أقرأ، أي أن القراءة والمعرفة من أساسيات الدين وهى حق للجميع وليس لفئة محددة.