خد بالك

أيادى الدولة.. تُحاصر تجَّار الأزمات

أشرف غراب
أشرف غراب

بقلم: أشرف غراب

جاوزت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا يومها الخامس عشر، وحتى اللحظة التى نحن بصددها، ما زالت الأزمة يزداد وطيسها اشتعالًا، سواء من الناحية العسكرية التى تتحدَّث بلغة القوة على الأرض، واستعراض الإمكانات، أو الصمود والمقاومة، واستقبال الإمدادات الصديقة للمواجهة والثبات، وفى المقابل تُمارس عقوبات تصل مرحلة تضييق الخناق واستنفاذ رصيد الخصم على جميع الاتجاهات، يُقابلها رد فعلٍ قد يُناسب العقوبة، وفى كلا الحالتين وبخضم المناوشات والمناورات، هناك طرفٌ ثالثٌ يُعانى الأمرَّين، وإن كان ليس له علاقة بما يجرى بين طرفى اللعبة، إلا أن الآثار القاسية معيشيًا امتدت لتطاله فى كل النواحى، أبرزها الغلاء والارتفاع الجنونى لأسعار المنتجات والسلع، نتيجة النكبة الاقتصادية التى خلَّفها الصراع، وأصبح بلا جدالٍ سببًا رئيسيًا فيها، وهذا الطرف يُسمَّى بالشعوب المغلوبة على أمرها، التى لا تقوى بلادها على سد احتياجاتها الأساسية فوق أراضيها، إما لضعف بنيتها الاقتصادية، أو نقص مواردها، وربما للتعداد الزائد من السكان الذى يلتهم مُنجزات التنمية، ويدفع الدول رغمًا عنها للاستيراد والاستدانة.

وعادةً ومع ظهور الأزمات والنكبات تبرز فئات ضالة لا تعرف للإنسانية حقًا، تُعلن عن نفسها وبكل بجاحةٍ، بلا وازعٍ من دينٍ أو ضمير، مُفتقدةً فى ذلك كل معانى الرحمة، وهى الطرف الرابع الأكثر شراسةً وعُنفًا، والذى يتمثَّل - فيما أراه - صوتًا وصورةً ويُمثِّل تلك الحلقة المفقودة فى الموضوع، وهو ذلك الذى يملك سياسة إحكام قبضة عدم الخروج من المِحن، ويعضد بكلتا يديه لكى تظل العقدة مربوطةً دون حلٍ، ويتمنى لو أن تطول المصائب أبد الدهر، ليتربَّح وينتفخ جيبه، وليمت مَنْ يمت، أو يحيا مَنْ يحيا، ذلك المحتكر الموجود بكل بلدٍ، يعيش بيننا ويتنفس هواءنا، ويغتالنا بجشعه، ويطعننا فى ظهورنا باستغلاله المقيت وتجارته الخاسرة بأوجاع الناس.

وفى بلدٍ تعداده المائة مليون وأكثر كمصرنا الحبيبة، إذا ما تحدَّثنا عن إنتاجٍ وتنمية، وإصلاحٍ وتطويرٍ، ورسم سياساتٍ ووضع خُططٍ واستراتيجيات، لمحاولة تسيير العجلة، وتحقيق ما يرنو إليه الشعب، فإن الأمر ليس بالسهل اليسير، خاصةً أن الرقم السكانى إذا ما نظرنا حولنا، سنجد أننا اقتربنا من شعوب أربع دول أو يزيد، ومصروفاتنا اليومية واستهلاكنا، يكفى شعبًا لبضعة أشهر، لكن القتال على الجبهة الاقتصادية للحق كان كبيرًا، واستطاع فى عهد الرئيس السيسى أن يقول للعالم أجمع، إن المستحيل ممكنٌ فى مصر المحروسة، خاصةً متى اجتمعت إرادة المصريين جميعًا، فالمعجزات مرئيةٌ مشاهدةٌ للإبهار، وما قِيل فى الشأن المصرى فى هذا ثابتٌ فى التقارير الدولية العالمية والإقليمية والمحلية وعلى شاشات دولهم ووسائل إعلامهم وداخل أروقتهم محفوظةٌ رأيناها وقرأناها وسمعناها مرارًا وتكرارًا.

المُثير للدهشة والاستغراب أن المُتابع لنا يودُّ لو أن ما يحدث فى مصر يرتد ليصل إلى أرضه، ويتعجَّب مُتسائلًا فى قرارة نفسه، كيف لهذا الشعب الكبير الذى يتزاحم بالطرقات والميادين وبوسائل النقل المختلفة أن ينجو من تلك الجوائح والأزمات الاقتصادية الخانقة والصراعات العالمية، رغم قلة موارده وترهل مؤسساته وقيامه بثورات أعادت به للوراء عقودًا، وعجلة التنمية لديه ما زالت دائرةً لم تتوقَّف؟، بل ويتدارس من بعيدٍ كل كبيرةٍ وصغيرةٍ نفعلها، ثم نجده يطرحها على مائدة دولته لتُنفِّذها، وكأنه يحسدنا على ما وصلنا إليه فى فترة وجيزة من إعلان الإصلاح، ويبغى لو أُتيحت له الفرصة بأن يكون فردًا من مواطنى الدولة؛ ليكيد القاصى والدانى بإنجازات دولته العصية على الانكسار، إلا أن البعض لدينا وإن كان مصرى المولد والنشأة، لكنه بربرى الانتماء والولاء، تحكمه نوازع الماديات وتتملَّكه الأنانية، ويتحيَّن الفرصة تلو الأخرى؛ ليهدم البُنيان والإنسان، ويعبث بالأمن والاستقرار، بممارسة أدوارٍ نفعية مُتجبِّرةٍ تعود على رصيده البنكى فقط، باحتكار وتخزين السلع، ثم رفع قيمتها بشكلٍ مُبالغ فيه، لتتسع الفجوة فى النفقات وتزداد الأعباء والمعاناة الجمعية، فيثور الناس لتدمير أوطانهم، بحُجَّة الغلاء والضياع، ثم تعلو نبرة السخط العام على الوطن.

هذا بالتحديد هو الواقع الذى عايشناه طوال الأيام الماضية فى ظل احتدام الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة ولم تهدأ بعد، وأقول نعم ارتفعت الأسعار عالميًا وربما بوتيرةٍ غير مسبوقة لغالبية المنتجات، إلا أن قيادتنا السياسية الرشيدة وحكومتنا المُقاتلة فى الميدان كانت متنبِّهةً لها من قبل، والدليل أننا لدينا مخزونٌ من غالبية السلع الاستراتيجية يكفى لأشهر وقد تصل لنهاية العام، كما أن لدينا اكتفاء ذاتى من أغلبها، وبالأخص فى البترول الذى انفرط عقده خلال الآونة الأخيرة لأسبابٍ الكل يعلمها، ولم تقم الدولة بالإعلان عن رفع أسعار وإن حدث ليس بهذا الشكل المُبالغ فيه، حتى القمح الذى هو أكثر وارداتنا من الدولتين المتحاربتين منذ سنوات طوال، ما زال سعره ثابتًا على بطاقة التموين، لكن تجار الجشع مارسوا هوايتهم التسلُّطية، مُتحجِّجين بالحرب، ومُتخذينها ذريعةً للوصول للمكاسب الطائلة، وهو ما قابله الرئيس بالحزم؛ موجِّهًا الحكومة باتخاذ إجراءاتها الفورية، والضرب بيدٍ من حديد على كل من تسوِّل له نفسه التلاعب بأقوات المصريين وغذائهم.

ثلاثة أيامٍ كانت هى الأكثر وطأةً ووقعًا تلك التى مرَّت على معدومى الضمير فى الآونة الأخيرة، إذ بعد قيام الدكتور مدبولى بعمل مؤتمره الصحفى، وإعطاء شارة البدء لمواجهة الاحتكار والاستغلال، وإبراز الخُطط والبدائل لعودة الأسعار لِما قبل الأزمة، بمعارض أهلًا رمضان التى تم تبكيرها إلى منتصف الشهر الجارى، وأيضًا عبر منافذ المجمعات الاستهلاكية ووزارة الزراعة والخدمة المدنية التابعة للقوات المسلحة وسلاسل أمان التابعة لوزارة الداخلية، نزلت جميع الأجهزة للشوارع تُؤدى واجبها الوطنى ببسالةٍ؛ لتأمين احتياجات الشعب، وحقَّقت وزارة الداخلية ضربات قاتلة فى ضبط تُجارٍ استغلوا الأزمة أسوأ استغلالٍ، للدرجة التى جعلت النيابة العامة تُلقى بيانًا ضدهم وضد من يُكرِّر هذه الأفعال الإجرامية، أو يستهين بحقوق المواطنين ويبخسها، كما قامت الأجهزة الرقابية والمحليات بمهاجمة أوكار المُفسدين وضبط عددٍ لا بأس به على مستوى الجمهورية، وتكثيف الحملات الدورية اليومية، ونشر أرقام الشكاوى والبلاغات للوصول إليهم ومحاسبتهم، وضخت الزراعة والتموين والصناعة سلعًا تفوق حاجة السوق للهبوط بالأسعار لأدنى مستوى تخفيفًا عن المواطن ألم الأزمة التى يعيشها العالم أجمع.

ليس من الصواب أن نُخفى آلام الناس ومعاناتهم، خاصة أصوات تلك الطبقات الكادحة التى تحمَّلت العبء الأكبر فى إجراءات الإصلاح الاقتصادى يدًا بيدٍ مع الدولة، وذاقت مرارة الحرمان لكى تقف الدولة ثانيةً على قدمين ثابتتين وتصل لهذا المستوى محل تقدير المؤسسات الدولية والمحلية، وهو ما يفخر به الرئيس السيسى نفسه عند كل لقاءٍ جماهيرىٍّ يجمعه بأطياف الشعب المختلفة، لذلك يجب أن يكون حديثنا فيه مصارحة ومُكاشفة بأن الأمر جد خطير، بعد أن امتدت الأيادى الخفية لتتلاعب بأقوات وأرواح العباد، فهل يُمكننا التصدِّى والمواجهة بكل حزمٍ وتفعيل قرارات الرئيس، بتخفيف وطأة الأزمة على الشعب، أم ندع الأمور تخرج عن نطاق السيطرة ونبكى على اللبن المسكوب؟، وفى نظرى فإن قرار الحكومة بتشكيل لجنة أزمة لأول مرة على غرار لجنة أزمة كورونا، والاتفاق مع وزارة المالية لإيجاد اعتمادات مالية لصرف المبالغ المالية للفلاح عند تسليم القمح، وزيادة الرقابة على التجار لمنع تخزين أو احتكار أى سلعة، وتحمُّل الدولة 100% من تكلفة زيادة "العيش المدعم"، وتدخل الحكومة مع التجار لعرض كيلو الأرز بأقل من 10 جنيهات للكيلو، وطرح 3 أنواع من اللحوم بمنتهى الجودة، الهندى 55 جنيهاً، والبرازيلى 85 جنيهًا، والسودانى 95 جنيهًا، وطرح اللحوم البلدى فى معارض أهلا رمضان أولى خطوات حماية مواطنيها فى الكوارث، وكل هذا يتوقَّف على التنفيذ والرؤية على الأرض، بتكاتف الأجهزة الرقابية، وإحكام قبضتها، وإظهار العين الحمرا لكل من يُهدد رغيف المصريين.

وقد أحسنت صُنعًا قيادتنا الحكيمة بسرعة التدخُّل وإعطاء التوجيهات بوقف تصدير السلع لعدة أشهر لإغراق السوق المحلى لراحة المصريين، وتوسيع الرقعة الزراعية فى الموسم المقبل للزراعات الاستراتيجية كالقمح والذرة والشعير وإضافة مليون ونصف المليون فدانٍ على الخط الإنتاجى؛ لتحقيق الاكتفاء منها، لضبط موازين السوق، واعتماد 170 مليار جنيه مخصصات إضافية لتلافى آثار الحرب، وأقترح أن يتم حاكمة المتلاعبين بهذه السلع على غرار العابثين بالأمن القومى وممارسى الإرهاب، لأنهم يُرهبون الشعب ويهدمون عزيمته، ويخلقون فجوة وهوة بينه وبين دولته وقادته، وأن تكون الفاتورة البيعية مفتاح المحاسبة على السعر الاسترشادى من الدولة، فى حال مخالفتها يُمنع التاجر من التعامل بالسوق والمحاسبة والغرامة المضاعفة، واقتصار بيع السلع الاستراتيجية على منافذ خاضعة للجهات الرسمية بتوفير منافذ أكثر من مكان بالمنطقة الواحدة، كما نرى فى سلاسل أمان، حتى تكون بمأمن عنها اليد المتغطرسة، خاصة الزيت والسكر، والدقيق، والأرز، وإعلان العام المقبل عامًا للقمح لتحقيق اكتفاء ذاتى من الغذاء الأول للمصريين، وإطالة مدة وقف التصدير لبعض السلع ليكون لدينا فائض تخزينى يجنبنا الأزمات التى تحدث فجأة.. وأخيرًا، فإن القيمة الأساسية للأوطان تكمن في سواعد أبنائها ولن ينسى التاريخ أبدًا صنيع شرفاء ومخلصى هذا البلد، عاشت المحروسة حرَّة أبيَّة مستقرة، وحفظ الله أهلها من كل شرٍّ وسوء.