يوميات الأخبار

زيادة السكان.. عدو التنمية

محمد بركات
محمد بركات

زيادة السكان العشوائية تحولت إلى غول يلتهم كل معدلات التنمية ، وأصبحت تهديداً مباشراً للطموح فى المستقبل الأفضل وتحقيق حياة كريمة للمواطنين.

فى قضية الزيادة العشوائية وغير المرشدة للسكان هناك حقائق مزعجة لابد من ذكرها،..، وأ

شياء أخرى مؤلمة لابد من قولها،..، وأمور ثالثة محبطة فى وقعها سأحاول جاهدا صياغتها بصيغة يمكن احتمالها قدر الإمكان.. ولكنى لا أستطيع أن أعد أحدا بأنها لن تكون بالرغم من ذلك صادمة.


وقبل أن أدخل فى ذلك لابد من القول بأنى لست ساعيا لإشاعة الخوف أو حتى القلق فى نفوس القراء، بل لعلى على العكس من ذلك أسعى بكل الجهد كى أكون من العاملين بالحكمة القائلة «بشروا ولا تنفروا»، إيمانا منى بأن ذلك أدعى للتخفيف عن البشر، حتى ولو كان الواقع المحيط بنا مليئا بالكثير من المنغصات، التى لا تساعد كثيرا على التفاؤل.


والآن.. وقد حاولت التخفيف قدر الإمكان من ذكر الحقائق التى يعتبرها البعض على قدر كبير من الإزعاج، علينا أن نقول بكل الصراحة بأننا نتعامل بقدر كبير من القصور فى الرؤية والتقصير فى المواجهة تجاه هذا الخطر الذى أصبح يهددنا منذ سنوات، دون أن نلتفت إليه أو نسعى بجدية لعلاجه أو حتى الحد من آثاره وتداعياته وانعكاساته على واقعنا ومستقبلنا.. بل ومستقبل أولادنا وأحفادنا أيضا.


تهديد مباشر


والخطر الذى أقصده هو الزيادة الهائلة فى تعداد السكان بمصرنا المحروسة، التى تحولت دون مبالغة إلى غول يلتهم كل معدلات التنمية التى نحققها، وأصبحت بالفعل تهديدا مباشرا وشاملا لكل طموحاتنا فى مستقبل أفضل وحياة كريمة لجميع المواطنين من أبناء الوطن.


وهذا الخطر يستوجب منا جميعا التصدى له ومواجهته بصفة عاجلة وشاملة، حتى لا يستفحل أكثر مما هو عليه الآن بحيث يصعب بل يستحيل السيطرة عليه فى ظل انعكاساته السلبية وآثاره المدمرة على التنمية البشرية والاقتصادية.. وأيضا على الاستقرار الاجتماعى والأمن القومى فى مصر كلها.


وإذا كان الرئيس السيسى قد دق ناقوس الخطر عدة مرات فى هذه القضية، فإن الضرورة والواجب تحتم علينا جميعا أن ندق نحن أيضا كل نواقيس الخطر، وننبه الكل لفداحة غض الطرف عن هذه القضية الخطيرة أو تجاهلها، بل ونطالب الجميع على أرض مصر وفى كل القرى والنجوع والمدن، ابتداء من الأسرة البسيطة وكل سيدة وكل رجل،..، وانتهاء بالحكومة والمجلس القومى للسكان ومرورا على جميع هيئات ومؤسسات المجتمع المدنى بالسعى الجاد والعمل المكثف لمواجهة الخطر ووقف آثاره وانعكاساته المدمرة.


وفى قضية الانفجار العشوائى للسكان، وما أدى إليه ذلك من زيادة هائلة وغير مخططة فى أعداد المصريين خلال الخمسين أو السبعين عاما الماضية إذا ما توخينا الدقة، هناك حقيقة لابد أن نشير إليها بوضوح حتى تكون ماثلة فى أذهاننا جميعا، دون لبس ودون إيهام ودون محاولة منا أو من غيرنا لطمس معالمها أو إغماض العين عنها، والادعاء بعدم التنبه إليها.. أو حتى التقليل من شأنها والتهوين من خطرها.


وإذا ما أردنا الصراحة والشفافية، وهذا ما يجب فلابد أن نقول إن هذه الحقيقة قد تعرضت لإصرار البعض على تجاهلها وعدم الخوض فيها ومواجهتها طوال السنوات الماضية رغم خطرها الواضح والبين.


المسئولية الاجتماعية


تلك الحقيقة هى أننا جميعا ودون استثناء مسئولون بالكامل، عما وصلنا إليه من زيادة سكانية عشوائية ومنفلتة وغير مخططة،..، وذلك هو الواقع للأسف، الذى فرض نفسه علينا بقوة الأمر الواقع رغم قسوته، وبالرغم من المعاناة الشديدة التى نقاسيها بسببه الآن.


وفى هذا يجب أن نعترف بصراحة ووضوح بالمسئولية الاجتماعية لنا، عما وصلنا إليه من انفجار سكانى عشوائى، قفز بنا من تعداد يقل عن العشرين مليوناً من البشر فى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضى، ليصل إلى ما يزيد على المائة مليون نسمة الآن.


وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث تضاعف عدد السكان ما يزيد على خمس مرات خلال هذه الأعوام السبعين،..، أما ما هو أبلغ خطرا من ذلك، فهو أن معدل الزيادة السكانية لدينا وصل إلى ٢٫٥٪ حالياً فى السنة أى أننا أصبحنا نزيد فى كل عام ما يزيد على مليونين وخمسمائة ألف طفل.


وهذه الأرقام لا مبالغة فيها على الإطلاق، حيث إنها موثقة ومعلنة من كل الأجهزة والهيئات الرسمية فى الدولة، رغم ما تحمله فى طياتها من خطورة وما تشير إليه من مسئولية ليست بالقليلة علينا جميعا، لأننا تركنا أنفسنا للوصول إلى تلك الحالة، التى أصبحت تهدد بالتهام كل برامج التنمية، وتؤثر بالسلب على الأمل فى إحداث نقلة قوية على طريق التقدم الاقتصادى والاجتماعى.


كلنا مسئولون


وفى نطاق المسئولية المجتمعية نقول بمسئوليتنا جميعا عن هذه الزيادة العشوائية والخطرة،..، ونحن فى ذلك لا نبرئ الحكومات المتعاقبة ولا أجهزتها الإدارية والتنفيذية، سواء فى الوزارات المعنية أو فى المحافظات والمحليات، بل نضعهم فى مقدمة الصفوف وعلى رأس المسئولية فيما وصلنا إليه. ولكننا نحن أيضا مسئولون معهم.


ونحن هنا تشمل جميع فئات المجتمع ابتداء من الأسرة التى هى صاحبة القضية الأساسية ومعمل التفريخ الرئيسى فى الزيادة السكانية، والمسئولة عن زيادة المواليد كل عام،..، كما تشمل بالطبع وزارة الصحة والسكان باعتبارها المشرف والمسئول عن الصحة الإنجابية فى الأسرة والمجتمع، وبذل الجهود الواجبة للتوعية بأهمية ترشيد السلوك الإنجابى، وتوفير التوعية والمعلومات الصحية اللازمة للمساعدة فى عملية الترشيد الإنجابى للأسرة بصفة عامة، وللسيدات فى المناطق الريفية والشعبية على وجه الخصوص.


والمسئولية تسرى أيضا على أجهزة الإعلام والصحافة بوصفها قاطرة التنوير ووسائله فى أى مجتمع ولهم وعليهم واجب ودور مؤثر فى هذه القضية، كان يجب عليهم القيام به باعتباره ضرورة ومسئولية وواجبا، وهو ما لم يحدث على الوجه الأكمل طوال السنوات الماضية للأسف،..، والتقصير فى ذلك واضح وجلى، وحان الوقت للعمل على علاج ذلك ودق نواقيس الخطر التى غفلنا عن دقها قبل ذلك.


ونحن هنا تشمل المثقفين والمفكرين وقادة الرأى والفكر فى المجتمع، الذين تعايشوا مع الواقع المر ولمسوا الزيادة العشوائية أو الانفجار العشوائى للسكان وصمتوا عليه، وكذلك الذين عبروا عن رأيهم مرة أو مرتين ثم صمتوا بعد ذلك.. وكان الواجب عليهم ألا يصمتوا.


والمسئولية أيضا تتحملها كل هيئات ومنظمات المجتمع المدنى وجميع مؤسساته، سواء فى الأحزاب أو الجمعيات الأهلية، وكذلك أعضاء البرلمان والمجالس المحلية باعتبارهم جميعا الأكثر اتصالاً بالجماهير، والأكثر احتكاكاً وتفاعلاً مع طبقات المجتمع على اختلاف أنماطه ومسئولياته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. أو المفروض أنهم كذلك.


خلل واضح
وفى هذا الإطار أحسب أن الوقت قد حان للاعتراف بصراحة كاملة، بأننا أضعنا الكثير من الوقت والعديد من الفرص طوال الأعوام الماضية، دون مواجهة جادة وشاملة لقضية الزيادة العشوائية وغير المرشدة للسكان، وأننا تجاهلنا لسنوات طويلة معالجة الخلل الواضح بين معدل النمو السكانى ومعدلات النمو الاقتصادى، بل تركنا هذا الخلل يتراكم ويستفحل حتى أصبح خطرا يهدد بإهدار كل الجهود المبذولة للتنمية الشاملة.


والواقع يقول إننا أهملنا تطبيق المعادلة، التى تؤكد أن أى دولة تسعى للنمو وتغيير واقعها إلى الأفضل، يجب أن يكون معدل النمو السكانى بها أقل من معدلات النمو الاقتصادى، حتى يكون أمامها فرصة حقيقية للتقدم والتغيير إلى الأفضل.


أما فى حالة زيادة النمو السكانى عن معدلات النمو الاقتصادى، فذلك يعنى عجز الموارد الاقتصادية عن توفير الحياة الكريمة للمواطنين، أو حتى الحفاظ على مستوى الحياة دون الانخفاض والتدهور.


وهذا التدهور يعود فى أساسه إلى وجود المزيد من البشر، يضافون كل عام إلى تعداد السكان القائم بالفعل، بحيث يتم التهام كل العوائد الاقتصادية المضافة، وبذلك تزداد الحالة تدهورا عاما بعد عام.


ومن هنا ندرك أن الاستمرار فى الزيادة العشوائية للسكان طوال السنوات الماضية، نتيجة غياب القدرة على ترشيد وضبط نسبة المواليد سنويا، هو ما أدى بنا إلى ما نعانيه حاليا من قصور كل الطاقات الإنتاجية الممكنة والمحتملة عن الوفاء بحاجة السكان، وتوفير وإتاحة سبل الحياة المريحة والكريمة لهم.


انذار بالخطر


ونحن فى ذلك لا نبالغ على الإطلاق نظرا للزيادة السنوية فى السكان التى تصل إلى ٢٫٥٪ سنويا، أى بمعدل مليونين ونصف المليون طفل كل عام.
وهذا الرقم ضخم وكبير لما يحمله فى طياته من دلالات ومعانٍ لافتة وبالغة السلبية وباعثة على القلق الشديد، بل وتنذر بالخطر إذا ما استمرت فى التراكم عاما بعد عام دون مواجهة جادة وعلاج حاسم.


وحتى ندرك خطورة هذا الرقم فلابد أن نضع فى اعتبارنا، أن هذه الزيادة تتطلب فى كل عام مئات الآلاف من المدارس الجديدة والمستشفيات والمساكن، والمزارع والمشاريع الإنتاجية والمصالح الخدمية والمصانع، كما تحتاج فى كل عام المزيد من المدن والقرى والطرق ومحطات المياه والكهرباء ومحطات الصرف الصحى، وآلاف المدرسين والأطباء والمهندسين.. وغيرهم،..، وهذا عبء كبير وحمل ثقيل يحتاج إلى جهد هائل وعمل متواصل وإنتاج وفير يتضاعف كل عام،..، والله المستعان.