‏تدوير الأخطاء وصناعة اليأس

نسرين موافي
نسرين موافي

دائماً ما كنت أتساءل؟! كيف يرى من يمتلك نعمة النظر الخطر ويقبل عليه؟ كيف يرى صاحب العقل والرؤية  الضرر ويفعله حتى وإن كان قراره صائباً؟. ومازال هذا السؤال يعصف بتفكيري منذ سنوات كثيرة… فكرة مؤرقة جدا بالنسبة لي ولم أعرف لها حلًا. فكيف تعلم أن ما تُقبل عليه عواقبه وخيمة و تستمر في خطواتك باتجاهه ؟!  أهو ضيق أفق أم كبر وعناد زائد عن الحد المسموح…فتتجاوزه لحد الهلاك.
 
أُغرمت لفترة بعمل أميركي يحمل عنوان ( how to lose a guy in 10 days) يحكي عن أخطاء ترتكبها الفتيات فيخسرن بسببها أصدقائهن. أخطاء يفعلنها و هن يعرفن انها قد تكون سبباً في انهاء العلاقة و يصررن عليها بالرغم من هذا  ، فكرة عجيبة جدا ان تكرر نفس الفعل مرارا و تكرارا و تنتظر ننيجة مختلفة.

هكذا هو حالنا.. نفس الاخطاء و نفس النتيجة على كل الأصعدة ، و كأن البشرية تأبى التعلم ، ترفض كتب التاريخ .. تحبس كلماتها بين الأغلفة و تحتقرها لانها أساطير الأولين ، و النتيجة:مسلسل معاد على كل الأصعدة ، و كأنها فطرة فُطر الانسان عليها ليؤذي بها نفسه اولا و مجتمعه ثانيا و العالم بل و الكون بأكمله. إلا أن حجم الأذى يختلف، فأنت حر في نفسك و مُقيد فيما عداها.

سير وكتب التاريخ وجدت من أجل ذلك، من أجل أن نقرأ و نتعلم و لا نكرر اخطاء كارثية تؤدي بنا الى التهلكة ،  الا أن هذا لم يحدث، بل على العكس ، فالمسلسل يعاد  وكنت أظنه لن يكون ابدا و كأن هذه الأرض قُدر لها أن لا تعيش الأمل. مسلسل بعنوان (كيف تُفقد الشعب الأمل في بضعة قرارات).

قرارات متلاحقة تنزع من الشعب الأمل قطعة قطعة، يقاومها مرة بالمزاح، وأخرى بالشكوى، وثالثة باستشراف المنحة في المحنة ورابعة وخامسة والإصرار مستمر وكأن الأمل لم يُخلق لنا.

تكلفة الإصلاح عالية نعلم، لكن التوقيت ودراسة تداعيات كل خطوة أهم من الإصلاح نفسه فهي الضامنة لاستمراره، دراسة الحالة الاجتماعية وتأثير كل كلمة وليس فقط قرار على المجتمع فرض عين على الأنظمة فهذه الأنظمة وُجدت من أجل الناس من أجل تنظيم وتحسين حالتهم وليس العكس، دراسة التأثيرات والأحداث الخارجية أيضا أساسية في أي قرار والأهم من كل هذا مراعاة وتيرة الضغط وتحمل الشعب. كل هذا ضامن لأن ينفذ القرار بسلاسة وتُقلص آثره السلبية إلى أبعد درجة.. كل هذه الدراسات فقط من أجل ألا نكرر أخطاء الماضي.

لكن مع الأسف قرار جديد في سلسلة القرارات  آكلات الأمل في التغيير… قرار تلو الآخر يزيد الضغط ويسرع بالوصول لطريق اليأس والقنوط يتزامن معها بُعد عن الشارع و تجاهل أناته و مشاكله أو حتي اخذها بعين الاعتبار ، مع نفس التصريحات الغير ملموسة علي السطح بالرفاهية الموعودة.

أخطاء تعاد تُفقد الشعب الحياة والتحدي، متجاهلة عامل الوقت والظروف المحيطة.. هذا الوقت الذي تخيم فيه أشباح حرب عالمية ضخمة على المكان وتعقد المساومات والتسويات لتجنبها بعد أزمة اقتصادية عالمية طاحنة بسبب وباء أتي على الأخضر و اليابس.

مواجهة هي الأخرى عبارة عن خطأ قديم يعاد، حرب باردة انتهت علنا إلا أنها مستعرة سرًا بلا توقف، أزمة مشابهة لأزمة الصواريخ الكوبية التي كادت آن ذاك أن تشعل حرب نووية وليست عالمية فقط، لولا أن تم الاتفاق والتسوية وللأسف تكرر الخطأ مع عكس الأدوار في انتظار نتيجة مختلفة، أن يخضع الروس بدون تسوية.

والنتيجة دمار لأبرياء وسحق لما تبقى من أمل للاقتصاد العالمي -فقط - لأن هناك من فضلوا أن يكملوا انتهاج الغطرسة والكبر حتى النهاية بغض النظر عن كم الأسي والخسارة البشرية والنفسية والعالمية أيضًا.
 
مواجهة لا يعلم نهايتها غير الله… لكن هل يتعلم العالم؟ أظن أنه لم ولن يتعلم أبدًا فكل صانع قرار أو مسئول متخيل أنه يملك عصا موسى ويتفرد بما حرم منه باقي البشر، والنتيجة هي الهلاك في انتظار المعجزات.
 
رغم علم الجميع بأن هذا العصر قد انتهى وكأن الأخطاء وجدت لتعاد وتعاد حتى تفني الأرض ومن عليها، ووجدنا نحن لنشاهد أعمال رديئة معادة تهدم في كل ثانية الحياة في أعيننا وتُفقدنا الأمل وأحيانا الحياة، ونحن حتى عاجزين عن الصراخ فلا أحد يرى أو يسمع أو يقرأ.

مشاهدون ملوا الإعادة… يصيحون… استمعوا، اقرأوا كتب التاريخ وانقذوا أنفسكم وإيانا، فدائما هناك فرصة أخيرة لإنقاذ البقية الباقية من الأمل في الصدور، فرصة تكون المنجية للجميع، فقط تعلموا من الأخطاء.. فهل من مستمع؟! هل من مجيب؟!