حكايات| أغرب جاسوس في العالم.. ينقل رسائل «سرية للغاية» في بطنه

 أغرب جاسوس في العالم
أغرب جاسوس في العالم

عاش بلعنة مرضه العجيب وتحت أوامر جسمه الغريب حتى ودع الحياة مع لغز عجز الأطباء عن فهمه رغم كل محاولاتهم إلا أن المحصلة دائما ما كانت غير مرضية حول مجموعة من النظريات لم يتم التأكد من صحتها إلا أنها قد تكون أحد احتمالات اللعنة التي أصابته فظاهريا يبدو شخص طبيعي فقط يمتلك شهية واسعة وحب شديد لتناول الطعام.

 

ولكن حقيقة الأمر لم تكن كذلك فسرعان ما ستتخذ الأمور منعطفا أكثر خطورة فإذا كنت تمتلك الشجاعة لمعرفة ما حدث من تطورات فاستعد للدخول في جولة بحياة مفترس الحيوانات الحية وشارب دماء ضحاياه والحالة الطبيعة المعجزة "تارار" فكن مستعد.

 

اقرأ أيضا:حكايات| مدينة الأموات والأنفاق المهجورة.. تغيب عن سطح الأرض 20 مترًا  

 

في عام 1772 ولد "تارار" لأسرة فقيرة تعيش في الريف المحيط بمركز حياكة الحرير المزدهرة في ليون بفرنسا وكأي أسرة رزقت بمولود كانت السعادة تملأ أرجاء المنزل وبنيت الأحلام والطموحات حول هذا المولود الذي وقع على عاتقه منذ لحظاته الأولى مسؤولية أحلام أسرته.

غير أنه لم تدم الأحلام طويلا حتى تحطمت على صخرة الحقيقة وهي لعنة "تارار" فكانت شهيته نحو تناول كميات كبيرة من الطعام واضحة مع تقدمه في العمر وكانت دائما ما تضع الأسرة مبررات لجوعه الغير مفهوم رغم كونه قد يكون لم ينته من تناول وجبة حتى يبحث عن وجبته الأخرى.

كان ذلك الشاب الفرنسي قادر على تناول وزن جسمه من اللحوم في فترة زمنية أقل من 24 ساعة وعلى الرغم من محاولات الأسرة التعاطي مع متطلباته واحتياجاته الدائمة من تناول الطعام إلا أن الأحوال والامكانيات كانت غير مساعدة لذلك ولهذا أجبره هذا الشغف غير المحدود على الخروج من منزل عائلته عندما كان مراهقا فلم يعد بإمكانهم إطعامه ليبدأ معها "تارار" فصل جديد من حياته التي ازدادت سوءا بحسب موقع " ripleys".

 

رافقته شهيته الأسطورية طيلة حياته حتى أنها ظلت في تزايد مع مرور الوقت ولكنه لم يستسلم فبعد فترة من تشرده ولجوئه إلى تناول بقايا الطعام من القمامة انضم إلى فرق العروض الاستعراضية المتنقلة والتي كانت منتشرة في ذلك الوقت مستغلا شهيته الواسعة وكان مهمته هو جذب الانتباه بعرضه الخارق أثناء قيام باقي أفراد العرض بسرقة المشاهدين.

فكان ما يقدمه مفيدا جدا في جذب أنظار الجمهور وكيف لا وهو الشخص الخارق الذي يستطيع أن يأكل أي شيء فقد كان يفتح فمه العملاق المشوه بلا شفاه ممتد على نطاق واسع بما يتجاوز المعتاد ومليء بالأسنان ويملأه بسلة كاملة من التفاح مع الاحتفاظ بمزيد من التفاح في خديه كالسنجاب كما كان يستطيع بلع كل شيء بداية من الضفادع والحجارة نهاية بتناول حيوانات حية كاملة.

 

وفي أحد عروضه تمكن من تناول قطة حية فنزع أحشاءها بأسنانه وشرب دمائها وتناول لحمها ليخرج في النهاية فرائها ولم يتوقف الأمر عند تناول القطط بل امتد إلى تناول الكلاب والأفاعي وغيرها من الحيوانات والذي أصبح "تارار" يمثل عنصر خطورة على حياتها ومع هذه المواصفات يمكنك أن تتخيل مدى حجمه وشكل جسمه وحتى قد تحكم عليه بأنه يعاني من مشاكل ذهنية فلا يوجد إنسان عاقل يمكنه تناول حيوانات حية.

إلا أنه في حقيقة الأمر وعلى عكس كل التوقعات كان وزنه عندما بلغ الـ 17 من عمره لا يتعدى الـ 45 كيلوجراما رغم كل ما يتناوله وكما أنه لا يظهر عليه أية أعراض تدل على أنه يعاني من مشاكل ذهنية بل كان شابا سليم العقل لا يشكو من شيء سوى شهيته الهائلة وغير العادية والتي لم يكتشفها الكثيرون إلا بعد التعامل معه وهو ما أهله للانضمام إلى الجيش الثوري الفرنسي كأحد الجنود المدافعين عن وطنهم.

وهنا انقلبت حياته رأسا على عقب حيث انكشف أمر شهيته غير الطبيعية مما أرغم إدارة الجيش على تخصيص وجبات طعام تعادل 4 أضعاف ما يتم تخصيصه لباقي الجنود ولكن هذا أيضا لم يكن يكفيه ولهذا كان يقوم بأعمال الجنود في مقابل الحصول على جزء من إضافي من طعامهم أو يلجأ في كثير من الأحيان إلى التهام بقايا الطعام الملقاة في أكوام النفايات.

 

وعلى الرغم من شراهته في الأكل إلا أنها لم تكن السبب وراء رغبة بعض الجنود في التخلص منه بل كانت رائحته الكريهة وكأن غمامة مرئية كتلك التي نراها في أفلام الكرتون كانت تصدر من جسمه وعلى الرغم من تناوله ما يكفي لإطعام ثكنة عسكرية صغيرة يوميا إلا أنه كان يشعر بالجوع بشكل دائم حتى بدت عليه كل أعراض سوء التغذية وأخيرا استسلم للإرهاق ليتم نقله إلى مستشفى عسكري تحت رعاية الدكتور "بيرسي" الذي أثار دهشته هذه الحالة المرضية الفريدة.

وفي محاولة اكتشاف المرض وجد الدكتور "بيرسي" ما جعله يعجز عن الفهم فكيف لشخص قادر على تناول ما يكفي لإشباع 15 شخصا دون توقف أن يكون وزنه لا يتعدى الـ 60 كيلو ليجد "بيرسي" خصائص جسدية غريبة يمتلكها "تارار" حيث كان جلده يتمدد بشكل غير مألوف ليتكيف مع كميات الطعام الذي يتناولها فكان بطنه ينتفخ مثل البالون الهوائي أثناء الطعام وبعدها بلحظات يفرغ كل ذلك تاركا وراءه فوضى ذات رائحة كريهة لا تحتمل.

ليبدو شكل معدته بعد ذلك كطبقات من الجلد المترهل والتي يمكن أن يلفها حول خصره كحزام ولم يكن الأمر متوقف على المعدة أو منطقة البطن ولكن انطبق الأمر أيضا على خديه اللذين يرتخيان ويتدليان كأذني الفيل لتكون السر وراء قدرته على بلع كل ذلك الطعام بفمه فجلده يتمدد كرباط مطاطي.

كما توصل "بيرسي" إلى أن السبب في رائحة "تارار" الكريهة والتي لا يمكن شمها على بعد 20 خطوة منه هي استهلاكه لكل هذه الكميات الضخمة، كما كان يعاني "تارار" بشكل دائم من سخونة جسمه لدرجة أنه كان يتصبب عرقا بشكل مستمر وعيون محتقنة بالدم وبناء على تقرير الأطباء عزلته قيادة الجيش عن الصفوف الأمامية مع استمرار بحث الأطباء في هذه الحالة المرضية العجيبة حتى آمن الجنرال "ألكسندر دي بوارنيه" بقدراته العجيبة والتي استغلاها في حرب فرنسا مع بروسيا.

اقتنع الجنرال أن حالة "تارار" المرضية قادرة على أن تجعل منه رسول ممتاز للجيش ولإثبات ذلك أجرى الجنرال أولى تجاربه فوضع وثيقة في صندوقٍ خشبي وجعل تارار يأكله وانتظروا حتى يعبر الصندوق جسده وما هي سوى لحظات حتى أخرجه وكانت الوثيقة الموجودة بداخله ما زالت صالحة للقراءة وعلى الفور تسلم تارار أولى مهامه.

فكان عليه أن يتسلل إلى خطوط الأعداء متنكرا في شكل فلاح بروسي لتسليم رسالة شديدة السرية إلى كولونيل فرنسي أسير وتم إخفاء الرسالة داخل صندوق محمي داخل معدته ولكن فشل "تارار" في أداء مهمته ليست لخطأ منه ولكن كان جلده المترهل ورائحته الكريهة التي لفتت أنظار الجميع إليه وعدم قدرته على تحدث الألمانية كافية لكشف أمره بكونه جاسوس فرنسي ليتعرض بعدها تارار لكافة أنواع التعذيب في محاولة لكشف خطته التي جاء من أجلها.

ومع انهياره نتيجة التعذيب اعترف بكل شيء متعلق بالرسالة السرية المخفية في معدته وبعد تقديم وجبة دسمة له وانتظار لحظات حتى تقوم أحشائه بمهمتها عثر الجنرال البروسي داخل الصندوق أخيرا على الرسالة مكتوب بها جملة تطلب من مستلمها أن يخبرهم إن كان تارار قد أوصلها بنجاح ليكتشف بعدها صاحب الشهية الواسعة أن الأمر كله كان مجرد اختبار لمدى نجاحه ليقرر الجانب البروسي إعدامه ولكن تم السماح له بعد ذلك بالعودة إلى الخطوط الفرنسية.

وبمجرد عودته حاول الدكتور "بيرسي" إيجاد حل لحالة "تارار" المرضية الفريدة وبدأ خطة العلاج من خلال تخصيص كميات محددة للتناول على فترات وتناول أدوية ومواد مختلفة كخل النبيذ وأقراص التبغ واللودانيوم في محاولة للسيطرة على شهيته ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل حيث ظل تارار يبحث عن بدائل لسد جوعه وصلت إلى حد سرقة وجبات المرضى وشرب الدم المسحوب من بعضهم وأكل بعض الجثث من المشرحة حتى ضمادات وقمامة المستشفى لم تسلم منه.

وحين اختفى طفل عمره 14 شهرا من المستشفى أشارت كافة الدلائل إلى أنه المتهم الأول فيتم طرده من المستشفى وبعد 4 سنوات من الحادثة وبالتحديد في عام 1789 دخل "تارار" مرة أخرى إلى المستشفى ولكن هذه المرة بسبب إصابته بمرض السل وفارق بعدها الحياة ليجد الدكتور "بيرسي" نفسه أمام الفرصة الأخيرة لمعاينة هذه الحالة الطبية الغريبة قبل دفنها من خلال تشريحه.

ليعثر الأطباء الذين عاينوا جثته بصعوبة نتيجة الرائحة الكريهة التي سيطرت على جثته على تعفن الأحشاء واختلاطها مع بعضها البعض مع وجود تقيحات كما اكتشف الأطباء أن حجم كبده هائل مقارنة بالحجم الطبيعي وأيضا كونه غير متناسق الشكل وكذلك تمت إصابته بالتعفن.

أما المعدة فقد كانت رخوة وتحوي بقع متقرحة في كل مكان كما كانت ضخمة لدرجة أنها شغلت كامل التجويف البطني تقريبا كما أن الحلق والمريء كانا عريضان بشكل غير طبيعي وعلى الرغم من أن الأطباء أرادوا استمرار البحث لكشف أسباب هذه الحالة المرضية الفريدة إلا أن انبعاث تلك الروائح النتنة من جثته كانت غير محتملة لدرجة أن عمليات التشريح توقفت.

وعلى الرغم من صعوبة تحديد سبب جوع "تارار" بشكل يقيني حتى بعد وفاته ودراسة حالته المرضية إلا أن النظريات المفسرة لذلك تعددت ما بين فرط نشاط الهرمونات واختلال وظائف الدماغ المسؤولة عن تحقيق الشعور بالشبع أو حتى إصابته بطفيلي مثل الدودة الخطافية أو الدودة المستديرة وهو ما قد يفسر سبب تناوله اللحوم النيئة.
في حين أعاد البعض الآخر سبب هذه الشهية الاسطورية إلى فرط نشاط الغدة الدرقية أو نقص الحديد الشديد ولكن ما اتفق عليه الجميع وتم التأكد منه أن "تارار" كان ضحية أوامر يمليها عليه جسمه الغريب الذي ولد به والذي جعله يعيش حياته بلعنة من الجوع الدائم في حالة طبية تظل هي الأغرب.