‎التراث والفانتازيا

هيثم مصطفى
هيثم مصطفى

‎لإن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬المصور‭ ‬الحقيقي‭ ‬للأحلام‭ ‬وأفكار‭ ‬الكُتاب‭ ‬والمبدعين‭ ‬وكتاب‭ ‬السيناريو‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الغرائب‭ ‬والأعاجيب‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬الأساسية‭ ‬للثقافة‭ ‬ولفكر‭ ‬الشعوب‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬تلك‭ ‬العوالم‭ ‬المسحورة‭ ‬لصور‭ ‬حية‭ ‬يعجب‭ ‬لها‭ ‬الناس،‭ ‬ويلهثون‭ ‬خلفها،‭ ‬ولما‭ ‬بدأت‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬أيامها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬تلكم‭ ‬الخيالات‭ ‬رجعت‭ ‬لقصص‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحويلها‭ ‬لصور‭ ‬حية‭ ‬خلابة،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قصص‭ ‬مثل‭ ‬علي‭ ‬بابا‭ ‬والأربعين‭ ‬حرامي‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة،‭ ‬بل‭ ‬رأينا‭ ‬السندباد‭ ‬وعلاء‭ ‬الدين‭ ‬وكذلك‭ ‬لص‭ ‬بغداد،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬السينما‭ ‬لصنع‭ ‬الأعاجيب‭ ‬واستثمار‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬وثقافة‭ ‬كي‭ ‬يتحول‭ ‬السحر‭ ‬لقصص‭ ‬حقيقية‭ ‬جميلة‭ ‬ذات‭ ‬صور‭ ‬جذابة،‭ ‬ومحكيات‭ ‬لطيفة‭ ‬يلتف‭ ‬حولها‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭ ‬ليتابعوا‭ ‬الخيال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السينما‭ ‬الفضية،‭ ‬والتي‭ ‬امتدت‭ ‬لتغزو‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬ومن‭ ‬قبلهما‭ ‬كانت‭ ‬المسارح‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬تلك‭ ‬الحكايات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسارح‭ ‬الحية،‭ ‬ومسارح‭ ‬العرائس‭ ‬ومسارح‭ ‬الظل،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬المشاهد‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الفانتازيا‭.‬

‎ولا‭ ‬ننسى‭ ‬كيف‭ ‬تطورت‭ ‬الأمور‭ ‬لتتحول‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬عن‭ ‬الجن‭ ‬والغيلان‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬حكايات‭ ‬شعبية‭ ‬للأخوين‭ ‬جريم‭ ‬وأندرسن‭ ‬لأعمال‭ ‬جذابة‭ ‬تبنتها‭ ‬منصات‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬ميترو‭ ‬جولدن‭ ‬ماير‭ ‬وكذلك‭ ‬شركة‭ ‬ديزني‭ ‬لنرى‭ ‬التراث‭ ‬الأوروبي‭ ‬أمامنا‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬قبل‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لتدور‭ ‬رحى‭ ‬الأيام‭ ‬لنرى‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬معجزات‭ ‬هرقل‭ ‬والأوديسا‭ ‬والإلياذة،‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬لليوم‭ ‬حيث‭ ‬رأيت‭ ‬وتابعنا‭ ‬قصص‭ ‬صراع‭ ‬العروش‭ ‬وقصص‭ ‬الممالك‭ ‬الصينية‭ ‬المتناحرة،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬والمواكبة‭ ‬للذائقة‭ ‬الحالية‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الموروثات‭ ‬الفكرية‭ ‬لثقافات‭ ‬الشعوب‭.‬

‎وفي‭ ‬السابق‭ ‬كنا‭ ‬نسمع‭ ‬تراثنا‭ ‬الجميل‭ ‬من‭ ‬الحكواتي‭ ‬والراوي‭ ‬على‭ ‬الربابة،‭ ‬لتصبح‭ ‬في‭ ‬المسارح‭ ‬المختلفة‭ ‬لتنتقل‭ ‬لللراديو‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬للسينما‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬لنا‭ ‬عادة‭ ‬نسمع‭ ‬ونرى‭ ‬حكايات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬والتي‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬اختفت‭ ‬تمامًا،‭ ‬بسبب‭ ‬التغريبات‭ ‬التي‭ ‬تنامت‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬ولم‭ ‬نرى‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عملين‭ ‬قريبين‭ ‬كانا‭ ‬يستحقا‭ ‬المشاهد‭ ‬وهما‭ ‬العهد‭ ‬وكفر‭ ‬دلهاب‭.‬

‎ولأن‭ ‬الفانتازيا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬مكملات‭ ‬الفكر‭ ‬والحضارة‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الخيال‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يتواجد،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نأمل‭ ‬عن‭ ‬قريب‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬محكيات‭ ‬تنقلنا‭ ‬لسحر‭ ‬الفانتازيا‭ ‬الحقيقية،‭ ‬ففي‭ ‬الفانتازيا‭ ‬تتضافر‭ ‬الخيالات،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الفانتازيا‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬تراثنا‭ ‬المصري‭ ‬الجميل‭ ‬وتناسب‭ ‬تقاليدنا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬الأصيلة‭.‬