أحمد بشير العيلة يكتب : ثوبٌ لسيدة الأرض

أحمد بشير العيلة يكتب : ثوبٌ لسيدة الأرض
أحمد بشير العيلة يكتب : ثوبٌ لسيدة الأرض

فى الخامس عشر من ديسمبر 2021، انتصرت التطريزة الفلسطينية المنقوشة فى قماش الأبد، حيث أدرجت اليونسكو فن التطريز فى فلسطين فى القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى للبشرية:

لسيدة الأرض ثوبٌ تنام العصافيرُ فيه قبيل الرحيل
لتنسى الرحيل
وتبنِى هنالك أعشاشها من حريرٍ طويل
تدلّت تغاريدُها فضةً من ذهول
أنا ابنكَ يا طير خذنى لهذى السماء نخيلاً
أصيلاً
جميلاً
طويلاً على ثوبِ أميَ سيدةِ الأرض والمستحيل.
لسيدة الأرض ثوبٌ طويلٌ خجول
كنخلٍ على باب قريتنا كان يبكى الفراق
والريحُ خيطٌ طويلٌ بذيل البُراق
أطرّز بالخيط أسماءَنا كلنا
وأسماءَ كل الضحايا
وأسماءَ كل القرى والحقول
تسير المواسم خلفي
فأعلن نفسى فضاءً لثوبك
هذا أنا قد صَلبتُ لكِ قامتي
طرّزينى كما شئتِ
أو شاءت الأحجيات
أنا قطعة من ثيابك يكثر فيها الصهيل
بشوقٍ جميلٍ بحجم الحياة.
.
لسيدة الأرض ثوبٌ
من العطرشان المُنَدَّى بصوت البلابل حين تغني: بلادي
فتعلو السنابل فى صوت أمي
وتقترب الأرض من صوت أمي
وينتشر النور فى صوت أمي
وأمى تنادي
وأمى لها كل هذى الأناقة ثوبًا من الحُب يمسح همي
أنا من فضاء التطاريز أُشعِل روحى قناديلَ عشقٍ معلقة فى الحكايا
أنا – مثل كل الضحايا –
جميلٌ.. أنيقٌ.. كبدرٍ بليل البرايا
أنا ملحميٌ كخيطٍ تشكّل نقشًا على ثوبها
فآثرَ أن يستجيب لآهاتها
وقال: أحبك
تبتسم الأرضُ
تمنحنى طينَها
فأُخلَق فى كل يومٍ ملاكًا يغازلها كى يفوح العبيرُ من البرتقال
أنا حكمةُ من جَمالٍ وفنٍ وحبٍ
أنا من خيال.
لسيدة الأرض ثوبٌ من الغزل المقدسي
والزجل الطبريّ الملون قرب البحيرة عذبًا نقيّا
ولو كنتُ بيتَ عتابا لكنتُ على صدرها نرجسًا سرمديا
أنام كغيم على ظهر ريحٍ يحركُ أطراف ثوب الحبيبة ضيّا
ولو كنتُ مزمار جفرا
لسرتُ أمام القبائل أعلن عشقى إليها
وأُبعثُ معها أمام القبائل حيّا
وأدبكُ معها
وأرقص معها
أطيرُ إلى القدس معها نبيّا
وأهبطُ مثل الفراشة فوق نقوش القرنفل فى ثوبها
فمن يتحدى جنونى بها؟
أنا من يلوّح منذ عصورٍ أمام القبائل من حبّها
عبقريا.
لسيدةِ الأرض ثوبٌ نبيّ
يحيلُ فلسطينَ عطرًا عليهِ
ويجعلُ من كلِّ دربٍ إليها
عروقَ يديهِ
ويحمل سرَّ التراب نقوشًا لديهِ.
لسيدةِ الأرض ثوبٌ زكيّ
له مريمٌ من حنينٍ سَوَيّ
تهزَّ الزخارفَ كى يتساقط فى القلب حُبّي
له أُمنا حين تطحن قمح الحكايا
وتخبز من روحها خبزنا
فى اشتهاءٍ طريّ.
لسيدة الأرض ثوبٌ ثريٌّ
كنوز القصائد مكتوبةٌ بالضياء عليهِ
وكل المدائن تسكنُ فيه حنينًا
تطرزه صرفندُ
وتنقشه بيت لحم
وتلبسه القدس
توشمه بالشجون صبايا أريحا
غناءً مُريحا
بليلة عرس.
لسيدة الأرض ثوبٌ من الأمل المتعلق فى فجر روحي
يداوى جروحى إذا جاءنى من حنينٍ بعيد
ليرثى الشهيدَ وراء الشهيد
لسيدة الأرض ثوبٌ
يزف الشهادةَ فى كلِّ عيد.
لسيدة الأرض ثوبٌ
ويا سيدة الأرض؛ هذا قماش السماوات بين يديكِ
اصنعيه لعرسكِ ثوباً
هنالك فى باحة القدس سربٌ من الأنبياء
يريدون تطريزه كله بالضياء
أعدى خيوط ضياء الصباح لهم
لونيها بكل حكايا البلاد
عطّريها بحب البلاد
وانقعيها بدمع البلاد
هنا الأنبياء يجيدون نقش التراتيل فوق الثياب
وإنى نبيٌّ لهذا الغياب
دعينى أطرز ملحمةً للشبابِ
على حاجزٍ من ضباب.
.لسيدة الأرض ثوبٌ
من المخمل الليلكى المطرَّز بالحُب حول قباب المدائنِ
أجلس تحت القباب وكلى عتابٌ على حزنها
كيف يصبح سروًا على ثوبها
كيف يصبح نقشًا من الدمع فى كمها
كم أقود التطاريز سربًا لأهجر من حزنها
تقول تعال
فأرجع مثل غزالٍ إليها،
فإن قالت المقدسية عِدني
أصير خيوطاً
من الذهب المتشابك حول القرنفل
وإن قالت الصفدية خذني؛
سأركض خيلاً إليها
أحررها من خمارٍ عليها
ومن شفتيها
أعيد الحدائق فى راحتيها
وإن قالت التلحمية زدني؛
سأمشى مسيحاً على ماء شوقى إليها
وحولى البنايق صفًا طويلاً لأعلن عشقي
وإن قالت الناصرية أمسك ردائي؛
سأصعد كرملها من جديدٍ كى تعرفوني
وأعلن دولة عشقٍ بغير حواجز فى كفها الناعمة
وإن قالت البدوية حرّر قيودي؛
أقود الرياح إلى ربعها
وأبنيَ جيشاً من الشِّعر حول المضارب
وأنقش فى القلب تاريخ حبى لها
لسيدة الأرض ثوبٌ
يعيد تفاصيل روحى عروقاً من القصب المقدسى عليه
يطرّز سيرتنا كلنا
هنا كان جدى يقود المواسم
وألف نبيٍّ يصلى لأجل السلام
هنا كنتُ أشرب مثل الحمام
هنا كنتُ أسحب هذا الغمام بخيطٍ رفيعٍ لأرضٍ بكتها الخيام
هنا فوق ثوبك هذا أقود الغرام
لسيدة الأرض ثوبٌ
فإن قلتُ إنى أنا العاشق الأبدي
البسيهِ لأسمو قليلاً
وألمسَ هذا المقام.

اقرأ ايضا | فى الخامس عشر من ديسمبر 2021، انتصرت التطريزة الفلسطينية المنقوشة فى قماش الأبد