أوراق شخصية

أركان التفاهة (3)

آمال عثمان
آمال عثمان

بعد أن كنا ننفق الكثير من المال لكى نوفر لأولادنا تعليما بجودة عالية، أصبحنا نُبدد ونصرف أكثر لكى نشترى لأبنائنا شهادات دون تعليم حقيقى!!

صرنا نباهى بتسطيح المهم ونبارى بتسخيف المعتبر، حتى أضحى التبسيط يمثل خطرا على العقل المجتمعى، وبات الشباب لا يملكون من العلم سوى الزهيد، ومن المعارف سوى الغيض، ومن الثقافة ما يوطد أركان التفاهة، وتحوّلت الشهادات إلى سلعة تباع وتشترى دون مجهود لمن يمتلك الثمن، واستفحلت ظاهرة الهوس بالحصول على الشهادات العلمية لأغراض الظهور الاجتماعى والتفاخر باللقب!


ولا يختلف الأمر كثيرا على الجانب الآخر من العالم، وفى كتابه المعتبر «صناعة التفاهة» يناقش الكاتب الكندى «آلان دونو» قضية تسليع الجامعة وتدهور نظم التعليم، والأحوال المؤسفة للجامعات التى ضلت الطريق فى زمننا، وتسليع المعرفة الأكاديمية، وبيعها للجهات الممولة للجامعات، من خلال سلسلة تبدأ أولى حلقاتها فى سعى الاستاذ الجامعى للحصول على منح من هذه الجهات الممولة، وهكذا ينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فتتحول من مُنتج للمعرفة إلى تاجر بها، يعمل فى وسط من الاعتبارات الكمية والقيم الزبائنية!!


إن كل ما أفضى به المؤلف «آلان دونو» لا يقع فى أماكن بعينها، إنما يجرى فى كل أنحاء العالم، فكل نشاط فى الحياة العامة أضحى أقرب إلى «اللعبة»، الجميع يشارك فيها ولا يتكلم عنها، لعبة ليس لها قواعد مكتوبة، ولكنها تتمثل فى الانتماء إلى كيان كبير، يختزل الأمر فى حسابات المصالح المتعلقة بالربح والخسارة، أو الشهرة والعلاقات الاجتماعية، إلى أن يصاب الجسد الاجتماعى بالفساد بصورة بنيوية، ويفقد الناس تدريجيا اهتمامهم بالشأن العام، وتقتصر همومهم على فردياتهم الصغيرة، وهكذا يشارك الجميع فى «لعبة» أعظم منهم ويتظاهرون بالخضوع لها، ويوسعون من نطاق قواعدها طوال الوقت، ويخترعون لها قواعد جديدة حسب الحاجة، وفى النهاية يتوهم الجميع ويصدق أن لا أهمية لأى شىء، لا سياسة ولا جامعة ولا إعلام ولا شئون الصالح العام، إذ تقتضى التفاهة تذكّر أن الأمر بالنهاية لا يعدو لعبة!!