فيض الخاطر

طوبى للجنود على الحدود

حمدي رزق
حمدي رزق

كلما جن علينا ليل بهيم، شتوى ثقيل، وصار الريح زمهريراً، تسفح الوجوه، ونهرع  إلى الغرف الداخلية  التماساً للدفء، ويغالب جفنى النعاس هانئاً مرتاحاً آمناً فى فرشتى الناعمة بعد لقمتى الهنية وسهرتى الطيبة بين الأحباء، تذكرت جنوداً مجندة فى خدمة ليلية فى ثغر حدودى، عيونهم ساهرة على الحدود تذود عن الحياض المقدسة، دعوت فى سرى: ربنا معاك يا ولدى، قلبى داعيلك وربى حافظك وصاينك.

ونحن عنهم غافلون، وهم قائمون على الحدود، عيون ساهرة، عين تحرس فى سبيل الله، لو تعلمون حجم التضحيات الجسام من السمر الشداد لقبّلتم الأرض من تحت أقدامهم، ولكن نجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه.

بطول وعرض الحدود، هناك جنود مجندة من خيرة أجناد الأرض (حسب وصف الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم)، ينتظرون منكم الدعاء فى ركوعكم وسجودكم وقيامكم فى غسق الليل، ادعو لهم بالْعَشِىّ وَالإِبْكَارِ، يا رب العالمين إنا استودعناهم أمانة، وسبحانك خير مؤتمن، سبحانك الصاحب والسند، تلهمهم صبراً، وتؤتيهم عزماً، أشدد من أزرهم، سبحانك خير معين أرحم الراحمين.

من أكرمه الله بخدمة الوطن جندياً أو ضابطاً أو قائداً، فليبارك الله خطاه، ممتحنين وهم صابرون، من جرب الجندية الحقة فى سبيل الله يعرف حجم تضحيات الشباب، يواجهون الصعاب الجسام فى مناخ قارى يقضم المسمار برداً، ليل موحش، لا يحتمله إلا ذوو الجلد، من بين الصلب والترائب رجال سمر شداد، تعرفهم بسيماهم من أثر السجود شاكرين .

الصحارى المصرية ، بحار من الرمال الناعمة لا تحتمل وزناً، يغرق فيها الزقزوق، وتلال وهضاب وجبال واعرة تبخ برداً، قل ثلجاً يخترق العظام، وحشة الصحراء المصرية قفارها مكتوبة على جبين الرجال، فى حراسة الحدود!

فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير، كل ضابط هنا وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون بالنصر والفخار.
على حالنا فى أمن وأمان، الهوينى، نمارس حياتنا بين أعياد واجتماعيات وسهرات، وونسة بين الأحباب، نتنافس على علاوات وبورصات ومزايدات، وهم، ربنا معاهم، مرابطون على الحدود، لا يلهيهم بيع أو تجارة ولا مزايدات، يقتسمون اللقمة، ويحدوهم الامل، ويتشوقون لكلمة حلوة فى جواب، والجواب بعلم الوصول .. تحيا مصر ثلاثاً .