حديث الاسبوع

هل يمهدون للاعتراف بصعوبة الخروج من النفق المظلم ؟

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

تماما كما هى الحياة خاضعة لقانون التغير المفاجئ ، هكذا يقدم فيروس كورونا اللعين نفسه للبشرية جمعاء . يسترسل فى إفراز الأجيال و السلالات و المتغيرات، و كل جيل يختلف عن سابقه، و كل متحور يظهر فجأة من لحظات هذا الزمن الغامض فى إحدى نقاط الخريطة الجغرافية فى العالم يتطلب متسعا من الوقت لفهمه، واستيعابه، و إعداد العدة لمواجهته. و كل سلالة من هذا الحاضن المخيف تبدو أكثر سرعة فى الانتشار و التطور من سابقاتها، مما يزيد من تعميق أجواء القلق و الخوف مما يضمره المستقبل القريب قبل البعيد منه ، بصفة أكثر انشغالا مما تفرزه التطورات المرتبطة بالحياة العلمية فى باقى مجالات الحياة .


كل متحور يخرج إلى الوجود يجتهد العلماء أولا فى البحث له عن اسم مرجعى كمولود جديد يتطلب هوية معينة، تمثل مرجعا فى التعاطى معه فيما يتعلق بقوة انتشاره وسرعة تمدده وقدرة فتكه بالبشر، مما يساعد على فهم علمى دقيق لخصوصيته، الجميع يقف مشدوها أمام قدرة هذا الفيروس اللعين على الإنجاب والتوالد والتكاثر فى مسار يظل الغموض يكتنفه لحد هذه اللحظة من الزمن العلمى المعقد والمتشابك .
وموازاة مع هذا الوضع الملتبس تتنامى مظاهر القلق و الخوف، لأن قدرة الفيروس على إنجاب السلالات الجديدة تتسبب فى زيادة مظاهر الحيطة و الحذر فى العالم بأسره، إذ لا تملك المجتمعات البشرية ، بالرغم مما راكمته من تجارب علمية متطورة إنهاء المعركة ضده ، و أنها عجزت لحد الآن عن تملك عناصر و أدوات الحسم النهائى لهذه المواجهة التى تكاد تكون غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى المعاصر . و لا تملك من حيل مؤقتة للتقليل من حجم التداعيات و التكلفة غير التشدد المتواصل فى إجراءات و تدابير الإغلاق و الحجز و العزل، وكل هذا يكلف الاقتصاديات المعاصرة خسائر مادية باهظة الثمن، يدفع البسطاء من بنى البشرية ثمنها من حياتهم و استقرارهم ، حيث قطعت الأرزاق على الملايين من الأشخاص، و خنقت قطاعات تجارية و اقتصادية عديدة .


المثير للقلق و الخوف يكمن فى أنه بالقدر الذى تسارع فيه الدول و الحكومات إلى اتخاذ ما تراه و تقدره مناسبا للحد من التداعيات عبر قرارات لم تكن تعتقد فى لحظة من اللحظات أنها ستضطر للإقدام عليها ،بالقدر نفسه، و ربما بنسبة أكثر، تزيد سرعة الفيروس فى الإنجاب و تفريخ السلالات . هذا ما يتجلى فى الارتفاع المهول والخطير فى أعداد المصابين بأبناء و حفدة الفيروس فى جميع أقطار المعمورة، و كأنه يعلن تحديه الواضح والصارخ للجهود الدولية التى تبذل على المستويات العلمية والمخبرية الكثيرة، ويجهر باحتقاره للقوى العلمية العالمية التى تقف عاجزة أمام الزحف المتواصل لانتشار فيروس بدأ قبل سنتين من اليوم .


سؤال محورى لا يملك أحد ، حتى مشروع جواب مؤقت له. وإلى إشكالية صحية حقيقية حيرت العلماء و الخبراء و مراكز الأبحاث المخبرية فى مختلف نقاط جغرافية العالم . و بدت معالم الاستسلام تتضح جليًا برفع الراية البيضاء فى مواجهته ، و هذا ما تؤشر عليه الأخبار المتواترة التى تمهد للتطبيع معه، و القبول به بين ظهران البشرية ، بعدما واجهت جهود التلقيح إكراهات حقيقية ضده ، إذ لم يعد التلقيح مجديا بصفة مطلقة ، حسب آخر الأخبار التى روجت لها منظمة الصحة العالمية التى أكدت أن الإكثار من جرعات التطعيم قد يتسبب فى نقص المناعة لدى الأشخاص. و هذا ما اتضح من الخروج الإعلامى الأخير لوكالة الأدوية الأوروبية التى أكدت فى توقعات حديثة لها إمكانية تحول فيروس كورونا، بما يسترسل بإفرازاته لسلالات جديدة إلى مرض متوطن يمكن للبشرية التعايش معه فى المستقبل ، بما يمهد الاعتراف بالفيروس كمرض عادى قابل للتعايش، و بالتالى الانتقال من مفهوم الوباء و الجائحة إلى مفهوم المرض العادى الذى سيندرج ضمن أمراض الانفلونزا التى تعايشت معها البشرية لحد الآن. بل إن خبراء منظمات الصحة العالمية يدعون اليوم إلى فسح المجال للفيروس ليفعل فعله الكامل فى البشر، فى أفق تحقيق مناعة جماعية، بما يسمى سابقا عند بداية انتشار الوباء ب (مناعة القطيع) و هو الاجتهاد الذى لم يزد الأوضاع إلا تفاقما واستفحالا، لأنه حتى الذين أصيبوا به فى مرحلة سابقة لم يسلموا من شروره، و أصيبوا به لاحقا، بعضهم لأكثر من مرة. إنهم بكل ذلك يمهدون للاعتراف بصعوبة التخلص من هذا النفق الذى دخلته البشرية رغما عنها .
< نقيب الصحافيين المغاربة