لا غرابة اذن في أن قسموا العالم العربي إلي 22 دولة، وما يزالون يحاولون اعادة تقسيمه مرة أخري لتتحول هذه المنطقة إلي شراذم وكيانات متنافسة متناحرة متآمرة علي بعضها البعض قرون الاستشعار أدت بالمهتمين بشؤون المنطقة الي ادراك أن المرحلة الآتية تلوح بمتغيرات بينة وبدأت تلوح في الأفق.. تبدل في مواقف، تقابل مصالح واستجدت اتفاقيات بالمليارات بددت من فواصل مع تلاشي تقاطعات روقبت من مسافات، وربما تؤدي لاعادة توزيع أدوار بما لم يكن في الحسبان حتي شهور قلائل... باختصار نريد ان نقول: آن لنا ــ عربيا ــ أن نحشد الهمم لتكاتف مصيري مشترك يتعامل من موقع المقدرة مع متغيرات اقليمية ــ دولية آتية.. ليس للصدام ولا تطلعا لشقاق وانما تحسبا لمواقف قد تؤدي الي تعزيز ارادة البقاء، نكون كيانا عربيا ثابتا ممتدا أو لا نكون! الكينونة العربية في المرحلة الآتية وحماية مستقبل الأجيال القادمة معلق علي مصير يتخذ ويتحدد في هذه الآونة.. ! الاستعداد لمختلف الاحتمالات لا يترك فسحة لانتظار الأفعال، انما من الآن يبدأ الاستعداد لممارسة اللعبة الدولية، بقواعدها وبالعملة المتداولة في سوق القوي.. مقايضة المصالح بالمصالح: أعطي أو أمنع منافع حسب ما تتطلبه مصالحي، قدرات تتبادل بمقدرات، ولا أشياء بلا مقابل ولدينا عربيا من المقدرات ما لم نحسن تقييمه ولا تسويقه في ساحة السياسة الدولية حتي الآن! والموضوع من وجهة أوضح: نظرة إلي كل فريق من فرقاء الصراعات الدامية بين أنحاء المنطقة نجد وراء كل فريق كفيلا وأكثر، غير القوي من دولية واقليمية.. في أحيان يختلط الأمر فلا نعود نعرف ان كان الصراع الأساسي هو الذي بين الأطراف المباشرة أم بين الفرقاء ممن وراءهم! وهل اذا ما اجتمع من وراءهم وتفاهموا علي تهدئة اللعب قليلا أو كثيرا، انتهوا لنوع من الانفراج نعني بذلك الصراعات بالتوكيل؟! وعندها فهل ينقلب اللعب من أساسه علي رأس أطرافه المباشرين؟! من هنا وجه الخطر الذي لابد ان يكون احتماله واردا ونعد له عدته، وفي الذهن والخاطر ما أخذ يتبدي ويلوح في الأفق من ملامح انفراج بين أطراف مباشرة كانت حتي الأمس في عداد الأعداء المستحكمين! حسن.. فليكن علي ألا يتم ذلك سحبا من حسابات الرصيد العربي اقليميا والذي هو مصيرنا المشترك في نهاية المطاف! ولندخل في الموضوع مباشرة، فان ضلوع ايران في أسخن بؤر الصراع بالمنطقة لابد ان يستوقف النظر والحذر.. فايران صارت متغلغلة في العراق. وفي لبنان. وفي فلسطين وهذا غير تحالفها مع سوريا بينما هوة الخلاف المذهبي بين شيعة وسنة في اتساع منذ غزا الأمريكيون العراق فأدوا لتصعيد غير مسبوق لذلك الخلاف المذهبي و... لنطرح الامور بنحو مباشر أكثر: المنافسة الحادة بين ايران والسعودية لها دخل كبير في اتساع رقعة الخلاف بين المذهبين بجذوره التاريخية، غير التعارض الاستراتيجي بين الدولتين الاسلاميتين، فان واقع الأحوال تاريخيا وعقائديا وجيوستراتيجيا أدي لزعامة ايران علي مسلمي الشيعة أو هذا ما يبدو، أمام زعامة المملكة السعودية للسنة، فهي قد عملت علي أن تكون لها تحالفات تجمعها بمنظمات وجماعات في المنطقة العربية والهدف معلن صريح، وهو ليس بأقل من أن تكون مركز الثقل والقوة الاقليمية في المنطقة بتغيير ميزان القوي الحالي بالخصوص فيما لو تحقق لها التميز النووي..! اذن فلا يمكن اغفال واقع الطموح الايراني اقليميا خصوصا بعد تخلصها من أكبر خصومها المناوئين في أفغانستان ــ طالبان ــ ثم ما هو أهم: ازاحة صدام حسين في العراق، فقد أدي ذلك الرئيس الأمريكي دبليو بوش بغزوه العراق خدمة جليلة لايران من غير ما يحتسب هو وعصابة المحافظين الجدد الذين قاموا واقع الأمر بتعزيزهم دور ايران بما لم تكن لتحلم أن يتحقق لها بمثل السهولة التي فرشوها أمامها وحتي الآن! اسقاط النظام العراقي السابق هو ما فتح الطريق امام الشيعة العراقيين المهمشين فتقلدوا الحكم وهو نحو غير مسبوق لهم في أي دولة عربية منذ قيام الفتنة الكبري لما يزيد علي 1400 عام...! هذا ما أدي إلي القلق البالغ في المحيط العربي بين نظم الحكم الخليجية التي تضم مجتمعاتها أقليات من الشيعة خاصة في المملكة السعودية كبري الدول الخليجية وتضم أقلية ما بين 10 إلي 15% معظمهم مستقر في الاقليم الشرقي المفعم بمصادر البترول... لا غرابة اذن في أن قسموا العالم العربي إلي 22 دولة، وما يزالون يحاولون اعادة تقسيمه مرة أخري لتتحول هذه المنطقة إلي شراذم وكيانات متنافسة متناحرة متآمرة علي بعضها البعض... مرة أخري: لا امريكا ولا العالم يفهم عملة متداولة في السياسة غير منطق المساومة في تبادل المصالح. هذا مقابل ذاك. أعطيك كذا فتعطيني كيت. أترك لك هنا لتمرر لي هناك وهكذا منطق السياسة خذ وهات.. ولن ينعدل المايل من تلقائهم، ولا بموازينهم التي تكيل بمكيالين وتحسبها وفق المكسب والخسارة.. بدون أدوات المقابل ومصالحي مقابل مصالحك لا مكان ولا موقع ولا كيان خصوصا فيما هو آت، مبدأ التعامل معهم: لا شيء بدون مقابل. انما لماذا هذا الموضوع الآن؟ لأننا صرنا أضعف وأهون وأقل تأثيرا بكثير مما كنا عليه في أي وقت سابق مع ان بين أيدينا من المقدرات كثير! أعداء الأمس قد يتفقون علينا في الغد وعندئذ لا تندهشوا. ففي الذهن تتراقص أشباح هائمة من بعيد بينها واشنطن تراقص طهران!