دولــة العـدالــة

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭ ‬لكل‭ ‬أمة‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الحضارية‭ ‬ترتكز‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬رؤيتها‭ ‬للعالم‭ ‬المحيط‭ ‬بها،‭ ‬وتعلى‭ ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬القيم‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬وفق‭ ‬تجربتها‭ ‬التاريخية،‭  ‬وعندما‭ ‬نتطلع‭ ‬لحضارة‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬الممتدة‭ ‬لسبعة‭ ‬آلاف‭ ‬عام‭ ‬نجد‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬القيمة‭ ‬العظمى‭ ‬التى‭ ‬أدارت‭ ‬وجود‭ ‬أمتنا‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬هى‭ ‬قيمة‭ ‬العدل‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬ينتمى‭ ‬لهذه‭ ‬الحضارة‭ ‬العريقة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬غريبا‭ ‬وعاش‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬فمفهوم‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬فى‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬الانتماء‭. ‬

هذه‭ ‬القيمة‭ ‬المصرية‭ ‬الخالدة‭ ‬الثابتة‭ ‬فى‭ ‬الوجدان‭ ‬المصرى‭ ‬جعلت‭ ‬المصريين‭ ‬يمتلكون‭ ‬ميزانا‭ ‬دقيقا‭ ‬يحرك‭ ‬رؤيتهم‭ ‬تجاه‭ ‬الدولة‭ ‬التى‭ ‬تدير‭ ‬شئون‭ ‬الأمة،‭ ‬فنجاح‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬بكافة‭ ‬تجلياتها‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬المواطنين‭ ‬ببعضهم‭ ‬البعض‭ ‬أو‭ ‬علاقة‭ ‬المواطن‭ ‬بدولته‭.‬

منذ‭ ‬فجر‭ ‬الضمير‭ ‬الذى‭ ‬أشرق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬وابتكار‭ ‬منظومة‭ ‬الدولة‭ ‬التى‭ ‬تدير‭ ‬شئون‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهو‭ ‬الابتكار‭ ‬الذى‭ ‬أهدته‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬للإنسانية‭ ‬كان‭ ‬سعى‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الدائم‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وتطبيق‭ ‬آليات‭ ‬العدل‭ ‬لتكن‭ ‬حاكمة‭ ‬لحركة‭ ‬المجتمع‭.‬

دائما‭ ‬ماكان‭ ‬الاضطراب‭ ‬الذى‭ ‬يصيب‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬فترات‭ ‬تاريخية‭ ‬معينة‭ ‬ويؤثر‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬الدولة‭ ‬مرتبطا‭ ‬بخلل‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬وتطبيق‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وآليات‭ ‬العدل،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬معيار‭ ‬النجاح‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬لشئون‭ ‬مواطنيها‭ ‬ظل‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬من‭ ‬التحقيق‭ ‬والتطبيق،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬تأسيس‭ ‬مشروع‭ ‬الحداثة‭ ‬والدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬دائما‭ ‬تحقيق‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬التاريخى‭ ‬بين‭ ‬المصريين‭ ‬ومنظومة‭ ‬القيم‭ ‬التى‭ ‬تحكمهم‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬قيمة‭ ‬العدالة‭. ‬

أدركت‭ ‬دولة‭ ‬يونيو‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬التأسيس‭ ‬الأولى‭ ‬وهى‭ ‬تثبت‭ ‬قواعد‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬وتتجه‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬جمهورية‭ ‬جديدة‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وتطبيق‭ ‬آليات‭ ‬منظومة‭ ‬العدل‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولوياتها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬والتطبيق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬التحديث‭ ‬ضمن‭ ‬المشروع‭ ‬المصرى‭ ‬الشامل‭ ‬للحداثة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭  ‬التى‭ ‬تعمل‭ ‬ماكيناتها‭ ‬الآن‭ ‬بكامل‭ ‬طاقاتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬المشروع‭ ‬المصرى‭ ‬أدارت‭ ‬عملية‭ ‬التحديث‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬بدرجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الإتقان‭ ‬والسرعة‭ ‬وباتساع‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬ولمصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭. ‬

تبقت‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬عام‭ ‬وقدوم‭ ‬عام‭ ‬جديد‭ ‬وتعطينا‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬فرصة‭ ‬لرؤية‭ ‬مشهد‭ ‬التحديث‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بإطلالة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنجز‭ ‬الذى‭ ‬حققته‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية،‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬صميم‭ ‬قرارات‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬ويتضح‭ ‬هذا‭ ‬فى‭  ‬الكلمة‭ ‬التى‭ ‬ألقاها‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬فى‭  ‬الاحتفال‭ ‬بيوم‭ ‬القضاء‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضى‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬والفهم‭ ‬العميق‭ ‬لأهمية‭ ‬الإحساس‭ ‬بتطبيق‭ ‬العدالة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمصريين‭ ‬‮«‬نؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مؤسسة‭ ‬القضاء‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬السلطات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للدولة‭ ‬ولها‭ ‬مكانتها‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬كل‭ ‬مصري‭ ‬بما‭ ‬تحققه‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬تنشر‭ ‬بها‭ ‬السلامة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والطمأنينة‭ ‬التي‭ ‬يأنس‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬وتأسيسًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬المهم‭ ‬كانت‭ ‬التوجيهات‭ ‬للحكومة‭ ‬بتوفير‭ ‬المخصصات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتطوير‭ ‬منظومة‭ ‬القضاء‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬وتيسير‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وقد‭ ‬جرى‭ ‬التطوير‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬محاور‭ ‬لتشمل‭ ‬المقرات‭ ‬والآليات‭ ‬واستخدام‭ ‬التطبيقات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬لتسهيل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬القانونية‭ ‬وسرعة‭ ‬مباشرة‭ ‬الإجراءات‭ ‬لإنجاز‭ ‬الدعاوى‭ ‬والخدمات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمواطنين،‭ ‬كما‭ ‬شمل‭ ‬التطوير‭ ‬كذلك‭ ‬بناء‭ ‬القدرات‭ ‬الشخصية‭ ‬وتعزيزها‭ ‬لانتقاء‭ ‬المتميزين‭ ‬وتأهيل‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬اعتلاء‭ ‬المناصب‭ ‬القضائية‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬القضاء‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬مرتبطا‭ ‬فقط‭ ‬بإدخال‭ ‬الوسائل‭ ‬التكولوجية‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬عملها‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬الخطوة‭ ‬الهامة‭ ‬والتى‭ ‬تحقق‭ ‬أهداف‭ ‬المشروع‭ ‬المصرى‭ ‬الشامل‭ ‬للتحديث‭ ‬وهى‭ ‬التحاق‭ ‬المرأة‭ ‬المصرية‭ ‬بالنيابة‭ ‬العامة‭ ‬ومجلس‭ ‬الدولة‭ ‬لتكتمل‭ ‬حقوقها‭ ‬الدستورية‭. ‬

عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬بمعناه‭ ‬الشامل‭ ‬الذى‭ ‬تدركه‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬منجزها‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يمتد‭ ‬لكافة‭ ‬تجليات‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬ففى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬تضع‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬شاملة‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التى‭ ‬أطلقها‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬فى‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضى‭. ‬

فلا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭  ‬تطوير‭ ‬وتحديث‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬حول‭ ‬حقوق‭ ‬المواطن‭ ‬الذى‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬كافة‭ ‬المجالات،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الاستراتجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬هى‭ ‬الإطار‭ ‬لمفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الذى‭ ‬تريده‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن‭ ‬وهذا‭ ‬مايؤكد‭ ‬أن‭ ‬منجز‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬الذى‭ ‬تديره‭ ‬الدولة‭ ‬وتطبقه‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬تجاه‭ ‬مفهوم‭ ‬ومنظومة‭ ‬العدالة‭ ‬يسير‭ ‬وفق‭ ‬منهج‭ ‬محكم‭ ‬ووطنى‭ ‬مصرى‭ ‬خالص‭. ‬

هل‭ ‬توقف‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تنقلنا‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬التطبيق‭ ‬والتى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬بها‭ ‬نفس‭ ‬النجاح‭ ‬حتى‭ ‬لايقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬جيدة‭ ‬للمفهوم‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الجيدة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطبيق‭. ‬

يقدم‭ ‬مركز‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل‭ ‬بوادى‭ ‬النطرون‭ ‬والذى‭ ‬شيدته‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬مؤخرا‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬السجون‭ ‬التقليدية‭ ‬أفضل‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬التطبيق‭ ‬الناجح‭ ‬وانعكاس‭ ‬للرؤية‭ ‬الجيدة‭ ‬لتطوير‭ ‬تعامل‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وتطبيقها‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬فلسفة‭ ‬عقابية‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬العقاب‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬تجاه‭ ‬من‭ ‬خرج‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬رؤية‭ ‬أشمل‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬رحابة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فى‭ ‬أحقية‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬فى‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬أفضل،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬المدة‭ ‬العقابية‭ ‬التى‭ ‬يقضيها‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬لاتكون‭ ‬خصما‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وحياة‭ ‬المجتمع‭ ‬ولكن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬إنتاجية‭ ‬تحقق‭ ‬الفائدة‭ ‬للإثنين‭.‬‭ ‬

يعكس‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬تطبيقات‭ ‬الفلسفة‭ ‬العقابية‭ ‬تطورا‭ ‬فى‭ ‬فكر‭ ‬الدولة‭ ‬ذاته‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بمواطنيها‭ ‬وإدراكها‭ ‬الأشمل‭ ‬لمفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬فهنا‭ ‬الدولة‭ ‬لاتكتفى‭ ‬فقط‭ ‬بممارسة‭ ‬دورها‭ ‬كسلطة‭ ‬تنفذ‭ ‬القانون‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬خرج‭ ‬عليه‭ ‬وهذا‭ ‬حقها‭ ‬وواجبها‭ ‬الأصيل،‭ ‬بل‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬وهو‭ ‬تقديم‭  ‬الرعاية‭ ‬العادلة‭  ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬كإنسان‭ ‬سوى‭ ‬أدرك‭ ‬خطأ‭ ‬مافعله‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬فى‭ ‬حق‭ ‬مجتمعه‭. ‬

لايقتصر‭ ‬المنجز‭ ‬الذى‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الفلسفة‭ ‬العقابية‭ ‬كأحد‭ ‬التطبيقات‭ ‬الهامة‭ ‬والمتقدمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مركز‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬أمرا‭ ‬آخر‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬بتطبيقات‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وهو‭ ‬إدراك‭ ‬المواطن‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬قادرة‭ ‬وبقوة‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬أى‭ ‬خلل‭ ‬فى‭ ‬المنظومة‭ ‬المجتمعية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعطى‭ ‬لهذا‭ ‬المواطن‭ ‬الإحساس‭ ‬بوجود‭ ‬العدالة‭ ‬فى‭ ‬مجتمعه‭ ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬هى‭ ‬مواجهة‭ ‬الفساد‭ ‬بكافة‭ ‬صوره‭. ‬

من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬وترسيخ‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬أعطت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬مشروعها‭ ‬الحداثى‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬بتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬منظومة‭ ‬الرقابة‭ ‬لكى‭ ‬تنجح‭ ‬جهودها‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬آفة‭ ‬الفساد،‭ ‬وتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬وتولت‭ ‬هيئة‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الوطنية‭ ‬بكفاءة‭ ‬وإتقان‭ ‬تام،‭ ‬وظهرت‭ ‬قوة‭ ‬نتائج‭ ‬المواجهة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬فى‭ ‬الإحساس‭ ‬بالثقة‭ ‬الذى‭ ‬امتلكه‭ ‬المواطن‭ ‬تجاه‭ ‬دولته‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬ثم‭ ‬إدراكه‭  ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬مواجهة‭ ‬آفة‭ ‬الفساد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أحد‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭.‬

إذ‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬تحارب‭ ‬آفة‭ ‬الفساد‭ ‬فهى‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬حاربت‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬ومنفذيه‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية،‭ ‬ولم‭ ‬تخرج‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬أو‭ ‬آليات‭ ‬تطبيق‭ ‬العدل‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬الاسود‭ ‬ومنفذيه‭ ‬الفاشيست‭ ‬لايعرفون‭ ‬أى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬التزام‭ ‬الدولة‭ ‬بالمفهوم‭ ‬والتطبيق‭ ‬دافعها‭ ‬لتطوير‭ ‬قدرة‭ ‬أجهزتها‭ ‬التى‭ ‬تتصدى‭ ‬للإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬فى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬الصحيحة‭ ‬والحاسمة،‭ ‬واستطاع‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬الوطنى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معلوماتهم‭ ‬الدقيقة‭ ‬تقديم‭ ‬رؤوس‭ ‬ومنفذى‭ ‬عمليات‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬إلى‭ ‬محاكمات‭ ‬عادلة‭ ‬لينالوا‭ ‬جزاءهم‭ ‬العادل‭ ‬بقوة‭ ‬القانون،‭ ‬لأن‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬اتبعت‭ ‬دائما‭ ‬فى‭ ‬رقى‭ ‬طريق‭ ‬العدالة‭ ‬حتى‭ ‬تجاه‭ ‬أعدائها‭ . ‬

لقد‭ ‬شهد‭ ‬العام‭ ‬2021‭ ‬تطورا‭ ‬وتحديثا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬العدالة‭ ‬بكافة‭ ‬تجلياتها‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬ماتحقق‭ ‬يعتبر‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬إنجازا‭ ‬ضخما‭ ‬لكن‭ ‬وفقا‭ ‬لمعدلات‭ ‬العمل‭ ‬المتسارع‭ ‬الذى‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭  ‬وتديره‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬باقتدار‭  ‬فإن‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬سترى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬والتحديث‭ ‬فى‭ ‬الأعوام‭ ‬القادمة‭ ‬فى‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬وتطبيقاتها‭. ‬