لن تنسي البشرية قط هذا الحادث البشع الذي تعرض له 21 من المواطنين المصريين في ليبيا هذا الأسبوع. وصلنا إلي عصر العولمة, بل وما بعد العولمة كما تري بعض المراكز العلمية, ويفجع العالم بجريمة نكراء, جريمة ذبح بشر, تجري علي الهوية, ولتحيزات دينية, وهي أبعد ما تكون عن الدين, وروح الدين. أنها بحق قتل علي الهوية وجريمة ضد الإنسانية. والغريب في الأمر استخدام قتلة داعش أعلي تقنيات التصوير السينمائي, والحديث بإنجليزية فصيحة, لكن الفكر في الحقيقة ينتمي إلي العصور الوسطي, بل العصور الوسطي المظلمة!! واللافت للنظر أن فترة العصور الوسطي في العالم الإسلامي كانت بالفعل عصر حضارة وتواصل إنساني. ويعترف الغرب بذلك حتي أن أحد البرامج الدراسية الغربية أطلق علي هذا العصر عبارة « عندما تحدث العلم العربية » كناية عن إزدهار الثقافة والعلم في العصر الإسلامي, حيث ورث المسلمون العلم والثقافة عن اليونان القدماء, بينما كانت أوربا في ذلك الوقت تعيش في ظل العصور االوسطي المظلمة, حيث التخلف الحضاري, واختلاط الدين بالسياسة, وسيطرة الكنيسة علي التعليم والسياسة, وعصر الحروب الدينية, ومحاكم التفتيش التي أمرت بإعدام المخالفين في الرأي لأسباب دينية وسياسية. الغريب أن بعض من ينتسب ظلمًا إلي الإسلام الآن يتنكر لمبادئ الإسلام, وتاريخ العلم والحضارة الإسلامية, ويصنع تاريخًا وهميًا لنفسه ويتقمص تاريخ أوربا في العصور الوسطي المظلمة, ويدعي أن هذا هو الإسلام!! وبينما تحررت أوربا من أوهام وخطايا العصور الوسطي المظلمة, تتبني داعش الآن كل ذلك وتلبسة للأسف لباس الإسلام, وهو منه براء! دارت في ذهني كل هذه الأفكار وأنا أري علي شاشة الفضائيات هذه الجريمة النكراء. كيف ظهرت داعش ومن أين أتت؟! نعم هي الطبعة الأخيرة من تيارات المتأسلمين, طبعة عصر العولمة التي تعيش للأسف فصاما خطيرا بين استخدام آخر تقنيات العصر, والعيش في أوهام الكهف, كهف تاريخ مصطنع زائف روج له الإسلام السياسي عبر عشرات السنين. استخدم هذا السفاح الذي لعب دور الراوي في شريط المذبحة تعبير الصليبيين للحديث عن المسيحيين مستدعيًا تاريخًا من الصراع الدموي تحت أسم « الحروب الصليبية« ولم يقرأ ولم يفهم هذا الجاهل أن مصطلحا صليبيا لم يطلقه المسلمون علي هذه الحرب, ولا حتي علي أعدائهم, بل هو المصطلح الذي استخدمته أوربا لتبرير هذه الحرب في زمن العصور الوسطي, ولجعلها مقدسة!! بينما كان المسلمون يصفون هذه الحرب بـ «حروب الفرنجة» ويصفون أعداءهم بالفرنجة, لأنهم كانوا يدركون أن هذه الحرب هي استعمارية وأبعد ما تكون عن الدين. واستخدم هذا السفاح الجاهل في خطابه عبارة «نحن في ليبيا, جنوب روما» مستدعيًا تاريخًا طويلاً من الصراع الديني, ودور روما أو الفاتيكان في إثارة نار الحروب الصليبية!! داعش تعيش في كهف من تاريخ وهمي تم الترويج له, داعش لم تقرأ التاريخ الإسلامي, ولكن تعيش في أجواء تاريخ العصور الوسطي المظلمة, داعش في ماضي بغيض, لكنها لن تستطيع حجب المستقبل, المعركة ثقافية بالأساس.