أصوات من الهامش

لغتنا الجميلة

حسن حافظ
حسن حافظ

تابعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاركات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬للاحتفال‭ ‬باليوم‭ ‬العالمى‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬الذى‭ ‬يحل‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬وجاءت‭ ‬معظم‭ ‬المشاركات‭ ‬تحتفل‭ ‬باللغة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التراث،‭ ‬باستدعاء‭ ‬نماذج‭ ‬قديمة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستخدم‭ ‬الآن‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬لغة‭ ‬الضاد،‭ ‬وهنا‭ ‬نكتشف‭ ‬الوضع‭ ‬الذى‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المتحدثين‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬حاد‭ ‬وتحولها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬فى‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الهامش،‭ ‬فليس‭ ‬بالنوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬وحدها‭ ‬تحيا‭ ‬اللغة‭.‬

لا‭ ‬تعبر‭ ‬أى‭ ‬لغة‭ - ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ - ‬عن‭ ‬خصوصية‭ ‬ما،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬أداة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬المجتمعات‭ ‬كوسيط‭ ‬للتفاهم،‭ ‬هنا‭ ‬تكتسب‭ ‬اللغة‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬المتحدثين‭ ‬بها،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬واختراع‭ ‬مصطلحات‭ ‬جديدة‭ ‬تواكب‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬الذى‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬أهل‭ ‬اللغة،‭ ‬ما‭ ‬يمكِّن‭ ‬الأخيرة‭ ‬بالتالى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬عصرها‭.‬

إذن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬وجودية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أبنائها،‭ ‬الذين‭ ‬يسارعون‭ ‬بتعليم‭ ‬أولادهم‭ ‬وبناتهم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وإهمال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ثم‭ ‬يخرجون‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عن‭ ‬أمجاد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وعظمتها‭ ‬وصلاحيتها‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬لكنهم‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬يمارسون‭ ‬النفاق‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ضعيفة‭ ‬الحيلة،‭ ‬التى‭ ‬تعانى‭ ‬بسبب‭ ‬فشلنا‭ ‬فى‭ ‬تطويعها‭ ‬وتطويرها‭ ‬لكى‭ ‬تواكب‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬الذى‭ ‬يشهد‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬اختراعات‭ ‬واكتشافات‭ ‬ومصطلحات‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬معظم‭ ‬المفكرين‭ ‬وأساتذة‭ ‬الجامعة‭ ‬يقفون‭ ‬أمامهم‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭.‬

نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بألا‭ ‬نكتفى‭ ‬ابتداء‭ ‬بترديد‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬معاجم‭ ‬اللغة،‭ ‬أو‭ ‬اعتبار‭ ‬كتاب‭ ‬سيبويه‭ ‬كتاب‭ ‬العربية‭ ‬المقدس‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يمس،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسهِّل‭ ‬طرق‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬ونختصر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قواعدها‭ ‬لتواكب‭ ‬العصر‭ ‬سريع‭ ‬الإيقاع،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فى‭ ‬اختراع‭ ‬فعل‭ ‬المستقبل‭ ‬الذى‭ ‬تخلو‭ ‬منه‭ ‬اللغة،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬باللغة‭ ‬فى‭ ‬عصرنا‭ ‬لا‭ ‬عصر‭ ‬الجاحظ‭ ‬والخليل‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فالزمن‭ ‬تغير‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬اللغة‭ ‬معه،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬لغتنا‭ ‬الجميلة‭.‬