تابعت الكثير من المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعى للاحتفال باليوم العالمى للغة العربية، الذى يحل فى يوم 18 ديسمبر من كل العالم، وجاءت معظم المشاركات تحتفل باللغة من باب التراث، باستدعاء نماذج قديمة للغة العربية لم تعد تستخدم الآن للدلالة على جمال لغة الضاد، وهنا نكتشف الوضع الذى وصلت إليه اللغة العربية على يد المتحدثين بها، من تراجع حاد وتحولها مع الوقت إلى لغة فى طريقها إلى الهامش، فليس بالنوايا الحسنة وحدها تحيا اللغة.
لا تعبر أى لغة - بما فى ذلك اللغة العربية - عن خصوصية ما، بل هى أداة للتعبير عن المجتمعات كوسيط للتفاهم، هنا تكتسب اللغة قوتها من قوة المتحدثين بها، وقدرتهم على الإبداع واختراع مصطلحات جديدة تواكب العصر الجديد الذى يعيش فيه أهل اللغة، ما يمكِّن الأخيرة بالتالى من أن تعيش عصرها.
إذن اللغة العربية تعيش أزمة وجودية على يد أبنائها، الذين يسارعون بتعليم أولادهم وبناتهم اللغات الأجنبية وإهمال اللغة العربية، ثم يخرجون ويتحدثون عن أمجاد اللغة العربية وعظمتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، لكنهم فى الحقيقة يمارسون النفاق فى وجه اللغة العربية ضعيفة الحيلة، التى تعانى بسبب فشلنا فى تطويعها وتطويرها لكى تواكب العصر الحديث الذى يشهد فى كل يوم اختراعات واكتشافات ومصطلحات جديدة، لكن معظم المفكرين وأساتذة الجامعة يقفون أمامهم عاجزين عن نقلها إلى العربية.
نحتاج إلى ثورة فى التعامل مع اللغة العربية، بألا نكتفى ابتداء بترديد ما فى معاجم اللغة، أو اعتبار كتاب سيبويه كتاب العربية المقدس الذى لا يمس، علينا أن نسهِّل طرق تعلم اللغة ونختصر الكثير من قواعدها لتواكب العصر سريع الإيقاع، علينا أن نفكر فى اختراع فعل المستقبل الذى تخلو منه اللغة، علينا أن نعيش باللغة فى عصرنا لا عصر الجاحظ والخليل بن أحمد وغيرهما، فالزمن تغير ويجب أن تتغير اللغة معه، حتى ولو كانت لغتنا الجميلة.