نسرين العسال تكتب: ابتسامة رضا والعصفور

نسرين العسال
نسرين العسال

منذ خمسة أعوام تقريبا أثناء عملى فى جريدة الاخبار المسائى ، وفى انتظار بدء الاجتماع اليومى كنت أجلس بالصدفة بجوار النافذة ، وفجأة  استمعت إلى صوت،  فى بداية الأمر انزعجت ولكن حين التفت الى الخلف، وجدت عصفور صغير يقف على النافذة ، يحاول أن يطير لكنه كان خائفا ومتوترا غير قادر على الطيران، حينها امسكته بيدى ولكن لاحظت انه لا يطير وكأنه طفل رضيع لا يمشى ولا يتكلم فقد كان مستسلم للغاية ، وأكثر ما يستطيع فعله هو السير بوهن ولكن فى خطوات محدودة ثم يقف مرة أخرى، وكلما حاول الطيران سرعان مايسقط ،كان من الواضح انه تائه أو خرج عن السرب لأننى لم الاحظ وجود أى عصافير أخرى بالجوار.

وبالرغم من أنه ليس متفاعل معى ولا يبدى أى رد فعل تجاه أى شىء ، إلا إننى تعلقت به فقد ظل معى طوال اليوم ، نلعب به انا وزملائي فى الجريدة ونلتقط معه بعض الصور ،  لكننى الوحيدة التى يتمسك بها ويقف عندها  ، وحين انتهيت من عملى خرجت من الجريدة وهو  يرافقنى على أصبع يدى  -  وكأنه وجد سكنا" آمن له - ، تمنيت أن أطعمه أو اشربه لكن لعدم خبرتى فى التعامل مع الطيور ، فقد كان تصرفى معه مربك جدا  الى أن وصلت الى محل صغير بجوار جريدتى فى شارع الصحافة ، تملكه أمرأه كبيرة فى السن .

فى حقيقة الامر هذة السيدة هى محور مقالتى، وكان من المفترض أن ابدأ بها قصتى أولا، و لكن أردت البدء بقصة العصفور نظرا لأنه كان سببا وراء تعارفى على هذة  السيدة التى أصفها بذات الابتسامة الصافية ، التى تنثرها على الجميع كعطر جميل ينتشى منه كل من يعبر  أمامه راغبا فى البقاء . هذة السيدة  تدعى الحاجة رضا، بالفعل أسم على مسمى لأن كل ملامحها ولون بشرتها الأسمر ووجهها الصبوح وكلماتها فى الحديث جميعها تشع بالرضا، كل هذا كان سبيلا فى أن  يخلق بينى وبينها حبل من الود ، فحين أتحدث اليها بساطتها و حنانها يطغيان على كل شىء فى المكان، فهى تعطى طاقة إيجابية لا مثيل لها، فعندما دخلت بالعصفور الى المحل الصغير المتواضع، قابلتنى باابتسامة رائعة لن أنساها إلى الآن ، وقالت لي اؤمرى يابنتى قولت لها أريد زجاجة مياه حتى أشرب العصفور ، ثم نظرت اليه وأعجبت به بشدة لكنها ظلت تضحك كثيرا ، وذلك بسبب انى طلبت منها زجاجة المياه ثم قالت لى العصفور يحتاج الى نقطة بسيطة من المياه وليست زجاجة، قولت لها ماذا أفعل فاليس لدى الخبرة الكافية فى اطعامه، ثم أخذت الزجاجة ومن وقتها أصبحت أنا والحاجة رضا أصدقاء، كلما مررت من أمامها القى عليها التحية والسلام، وأحيانا توقفنى لتطمئن على وعلى والدتى ، ومع كل مرة تصمم دوما  أن تعطينى كيسا من الحلوى أو البسكويت دون مقابل، وإذا رفضت تقول لى " النبى قبل الهدية" .

إلى جانب ذلك حرصها الدائم على الدعاء لى بالستر والصحة والذرية إلى درجة أن يقشعر بدنى من شدة دعاءها الذى أعتبره دليلا على استجابة من الله  ومن وقتها كلما تلمحنى بالطريق  تنادينى ( ياعصفور ) وكأنها " كلمة السر" بيننا ثم التفت اليها باسمة والوح لها  وبالرغم من  أن العصفور  قد مات بعد عدة أيام من احتفاظى به  إلا انها مازالت  تنادينى ( ياعصفور ) .

أحيانا يهب لك الله سبحانه وتعالى أسباب لمنحة او لقدر أو لنصيب أو حتى أشخاص يكون لهم دور حيوى فى حياتك، ما أجمل أن يكون فى حياتك مثل هذا النوع من البشر  ، يعم عليك بالطاقة الايجابية أو دعوة فلا تعلم لعلها دعوة صادقة ،فى وقت يكون فيه أبواب السماء مفتوحة  أو كلمة طيبة حتى بالابتسامة الصافية النابعة من القلب مثل إبتسامة الحاجة رضا التى لا أعلم ماذا تخفى وراءها  ؟ هل هى سعيدة أم حزينة ؟ فهى كأى إنسان مؤكد بداخلها هموم واحزان هل تحرص مثلا على إخفاء ما بداخلها بتلك الابتسامة ؟! "الله أعلم " إنما ما أعلمه وما أراه أن الابتسامة لاتفارق وجهها فى كل الأحوال .

فأنا أصبحت دائمة الحرص على المرور على الحاجة رضا حتى أتلقى منها الروح الطيبة و لكى اشحن نفسى بهذة الطاقة الايجابية،  التى أراها من وجهة نظرى طاقة متعددة الأشكال فهى من نوع خاص لأنها خالصة دون مقابل أو مصالح شخصية.

لذلك حافظوا على مثل هذا النموذج من البشر مهما كان مستواه أو بساطته ، لأن مؤكد لكل منا هذا الشخص. فلا تحرموا أنفسكم من النظر اليهم او إلقاء السلام عليهم، لأن وجودهم فى حياتنا نعمة كبيرة منحها الله لنا، كانوع من التقدير حتى لو كان مؤقت تمتع به .

وبالنسبة لى إبتسامة الحاجة رضا تقدير وكأن القدر جاء بالعصفور لى بالتحديد حتى أتعرف على هذة السيدة  .