بين أوكرانيا والغاز والقرم l مقامرة الدب الروسى

حشود عسكرية روسية
حشود عسكرية روسية

خالد‭ ‬حمزة

بسبب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفى‭ ‬تسارع‭ ‬شديد،‭ ‬وصل‭ ‬التوتر‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسى،‭ ‬وسط‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬واتهامات‭ ‬متبادلة‭.‬

الرئيس‭ ‬الروسى،‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬اتهم‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسى‭ ‬الناتو،‭ ‬بتجاهل‭ ‬قلق‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬الحلف‭ ‬نحو‭ ‬حدودها،‭ ‬وهدد‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬عسكرية‭ ‬مناسبة،‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬استفزازات‭ ‬الناتو،‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬مناورات‭ ‬واسعة،‭ ‬واتهمت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بنشر‭ ‬125‭ ‬ألف‭ ‬جندى‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬التماس‭ ‬مع‭ ‬منطقة‭ ‬الدونباس،‭ ‬التى‭ ‬يُسيطر‭ ‬انفصاليون‭ ‬مواليون‭ ‬لروسيا‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬منها،‭ ‬واقترح‭ ‬بدء‭ ‬مفاوضات‭ ‬لتحقيق‭ ‬ضمانات‭ ‬قانونية‭ ‬بعدم‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬باتجاه‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬الشرقية،‭ ‬وبعدم‭ ‬تجاوز‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬بعد‭ ‬نشر‭ ‬الغرب‭ ‬صواريخه‭ ‬فى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتهديده‭ ‬لروسيا‭ ‬بنقل‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬إليها‭.‬

 

فى‭ ‬المقابل،‭ ‬طالبت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬بتقديم‭ ‬حزمة‭ ‬ردع‭ ‬لروسيا‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات‭ ‬تشمل‭ ‬االتدابير‭ ‬السياسية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬العسكرى،‭ ‬والتحذير‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬تحركاتها‭ ‬العدوانية‭ ‬المحتملة‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانياب،‭ ‬لردع‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬السيناريو‭ ‬الأسوأ‭ ‬وهو‭ ‬العمل‭ ‬العسكرى،‭ ‬و‭ ‬دعا‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكى‭ ‬لمفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬لأنه‭ ‬بدون‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬سيكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬انفصاليى‭ ‬الشرق‭ ‬الموالين‭ ‬لها،‭ ‬والذين‭ ‬قد‭ ‬تضمهم‭ ‬روسيا‭ ‬لأراضيها‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬حرب‭ ‬قادمة،‭ ‬أسوة‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬القرم‭.‬

الأزمة‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأولى،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬امتدادا‭ ‬لحالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬التى‭ ‬شهدتها‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬منذ‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬منه،‭ ‬وهى‭ ‬جارة‭ ‬لروسيا،‭ ‬وتتمتع‭ ‬بثروات‭ ‬وإمكانيات‭ ‬عسكرية‭ ‬وصناعية‭ ‬وزراعية‭ ‬ضخمة،‭ ‬وموقع‭ ‬جغرافى‭ ‬فريد‭ ‬يفصل‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الغرب،‭ ‬وثقافيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬يربط‭ ‬البلدان‭ ‬بعلاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬وتاريخية،‭ ‬خاصة‭ ‬عبر‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬بينهما،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حديقة‭ ‬خلفية‭ ‬لموسكو،‭ ‬ترفض‭ ‬التخلى‭ ‬عنها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬وصاية‭ ‬الغرب،‭ ‬وبعد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬الكاملة‭ ‬لها‭.‬

وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬2014،‭ ‬وضم‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬إلى‭ ‬روسيا،‭ ‬أخذ‭ ‬المشهد‭ ‬الأوكرانى‭ ‬بعدًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬تزايد‭ ‬فيه‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬الغرب‭ ‬والدور‭ ‬القومى،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تراجع‭ ‬التأثير‭ ‬الروسى،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تولى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكرانى‭ ‬الحالى‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكى‭ ‬السلطة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين،‭ ‬وتبنيه‭ ‬خطابا‭ ‬قوميًا‭ ‬متشددًا‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬وبإعادة‭ ‬بناء‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والأراضى‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬بلاده،‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬التوتر،‭ ‬قلق‭ ‬روسيا‭ ‬بشأن‭ ‬مصير‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬الذى‭ ‬تريد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وواشنطن‭ ‬إيقافه،‭ ‬ففى‭ ‬أوائل‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الخط،‭ ‬الذى‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭.‬

وقد‭ ‬اكتسبت‭ ‬الحملة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬ألمانيا‭ ‬أكثر‭ ‬بلدان‭ ‬أوروبا‭ ‬حماسًا‭ ‬له‭ ‬تأييدًا،‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬بايدن،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬يضر‭ ‬بإيرادات‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬الغاز،‭ ‬أو‭ ‬نقله‭ ‬عبرها،‭ ‬والنصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬للدب‭ ‬الروسى‭.‬

ويتزامن‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬مع‭ ‬مشكلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ظهرت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬فى‭ ‬أوروبا،‭ ‬عنوانها‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الغاز،‭ ‬وفى‭ ‬إثر‭ ‬تعرّض‭ ‬موسكو‭ ‬لانتقادات‭ ‬مفادها‭ ‬أنها‭ ‬تقلِّص‭ ‬إمدادات‭ ‬الغاز‭ ‬عمداً،‭ ‬فى‭ ‬محاولة‭ ‬لتسريع‭ ‬إطلاق‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬غاز‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2‭ ‬الذى‭ ‬يربط‭ ‬روسيا‭ ‬بألمانيا،‭ ‬كما‭ ‬تبادلت‭ ‬موسكو‭ ‬وكييف‭ ‬الاتهامات‭ ‬بالعنف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أفشل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬نار،‭ ‬وحسب‭ ‬صحيفة‭ ‬التايمز‭ ‬البريطانية،‭ ‬فإن‭ ‬ماتقوم‭ ‬به‭ ‬موسكو‭ ‬تجاه‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬إبقاء‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حليفها،‭ ‬وميل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للغرب،‭ ‬وسعيها‭ ‬لعضوية‭ ‬الناتو،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للماضى‭ ‬السوفيتى،‭ ‬وتسعى‭ ‬موسكو‭ ‬لمحارية‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬السياسى‭ ‬والشعبى،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يُشكل‭ ‬عدوى‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسى‭.‬

ويزداد‭ ‬حساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبوتين،‭ ‬كلما‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وهى‭ ‬مسألة‭ ‬تمثل‭ ‬خطًا‭ ‬أحمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لروسيا،‭ ‬فقد‭ ‬أوضح‭ ‬بوتين‭ ‬مرارًا‭ ‬أنه‭ ‬يرى‭ ‬طموح‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الناتو‭ ‬باعتباره‭ ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا،‭ ‬ولهذا‭ ‬تسعى‭ ‬لوقف‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه‭ ‬والإبقاء‭ ‬عليها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بات‭ ‬خيار‭ ‬عودة‭ ‬الولاء‭ ‬مستبعدًا‭.‬

وبوصول‭ ‬العلاقات‭ ‬االروسية‭ - ‬الأمريكيةب‭ ‬لأسوأ‭ ‬مستوى‭ ‬لها‭ ‬عقب‭ ‬وصول‭ ‬بايدن‭ ‬للسلطة،‭ ‬جاء‭ ‬تشدد‭ ‬واشنطن‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ولتصعيد‭ ‬أخير‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬استعراض‭ ‬للعضلات‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وواشنطن،‭ ‬ورغم‭ ‬وجود‭ ‬أسباب‭ ‬قديمة‭ ‬تدفع‭ ‬روسيا‭ ‬للتصعيد‭ ‬فى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فإنه‭ ‬مع‭ ‬مجيء‭ ‬بايدن‭ ‬زادت‭ ‬الرغبة‭ ‬لدى‭ ‬بوتين‭ ‬للمناورة،‭ ‬فعلى‭ ‬خلفية‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬فرض‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬العقوبات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬التى‭ ‬أُبعدت‭ ‬بدايةً‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬الثمانى‭ ‬الكبار،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبى‭.‬

وقدم‭ ‬الغرب‭ ‬دعمًا‭ ‬ماليًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬استهدف‭ ‬إجراء‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتطبيق‭ ‬معايير‭ ‬العضوية‭ ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬والناتو،‭ ‬ولعل‭ ‬أكبر‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬وأكثرها‭ ‬قوة،‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وجاءت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مساعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬وتدريبات‭ ‬مشتركة،‭ ‬وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قال‭ ‬البنتاجون‭ ‬إنه‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تصعيد‭ ‬العدوان‭ ‬الروسى‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تترك‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬بالمقابل‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬دورها‭ ‬فى‭ ‬القوقاز،‭ ‬وربما‭ ‬تتذرع‭ ‬بوجود‭ ‬قوات‭ ‬أمريكية‭ ‬داخل‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بعد‭ ‬تحذيرها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬توقعات‭ ‬بنشوب‭ ‬صراع‭ ‬جديد‭.‬

ويتوقع‭ ‬الخبراء‭ ‬زيادة‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكى‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬تفاقم‭ ‬الوضع،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬المخاطرة‭ ‬بضمها‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬يفتح‭ ‬أبواب‭ ‬جهنم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬ديمترى‭ ‬كوزاك‭ ‬المسئول‭ ‬فى‭ ‬الرئاسة‭ ‬الروسية،‭ ‬أن‭ ‬أى‭ ‬تصعيد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وليس‭ ‬رصاصة‭ ‬فى‭ ‬الساق،‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬الوجه،‭ ‬ولكل‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الناتو‭ ‬نقطةَ‭ ‬ارتكاز‭ ‬لمواجهة‭ ‬الروس،‭ ‬فهى‭ ‬تشكّل‭ ‬واجهة‭ ‬روسيا‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬وبحر‭ ‬أزوف،‭ ‬بالتالى‭ ‬تشكّل‭ ‬مدخل‭ ‬روسيا‭ ‬الحيوى‭ ‬نحو‭ ‬البوسفور‭ ‬والدردنيل،‭ ‬كما‭ ‬تُعتبر‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حالياً‭ ‬خطَّ‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستباقى‭ ‬الأخير‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬والبر‭ ‬الروسى،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعهدات‭ ‬الغرب‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بدعمها،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬أى‭ ‬دولة‭ ‬غربية‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬تتطور‭ ‬لحرب‭ ‬نووية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أوكرانيا‭.‬

وفى‭ ‬ظلّ‭ ‬استحالة‭ ‬الصِّدام‭ ‬العسكرى‭ ‬المباشِر‭ ‬بين‭ ‬الناتو‭ ‬وروسيا،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬سابقاً‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬أزمات‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الحالية،‭ ‬ومع‭ ‬الخطورة‭ ‬والتداعيات‭ ‬للصِّدام‭ ‬المباشِر‭ ‬الذى‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬فى‭ ‬مصلحة‭ ‬أحد،‭ ‬كان‭ ‬لابدّ‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬بعض‭ ‬الرسائل،‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬فى‭ ‬طياتها‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬الجدية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلامس‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشِرة‭ ‬والخطيرة،‭ ‬فكانت‭ ‬رسالة‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الغاز‭ ‬فى‭ ‬أوروبا‭ ‬بطريقة‭ ‬مؤلمة،‭ ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬ضبطها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬التمس‭ ‬أن‭ ‬الأوروبيين‭ ‬فهموها‭ ‬ولمسوا‭ ‬خطورتها،‭ ‬وكانت‭ ‬رسالة‭ ‬مناورة‭ ‬اللاجئين‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬البيلاروسية‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬بولندا‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬الغربى‭ ‬الأوروبى،‭ ‬يبدو‭ ‬أنهم‭ ‬فهموها،‭ ‬وهم‭ ‬الآن‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬لها،‭ ‬والكل‭ ‬بذلك‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬والغرب‭ ‬وأمريكا،‭ ‬يدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬التصعيد،‭ ‬إما‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تنازلات‭ ‬أو‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬أو‭ ‬إبقاء‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬ماهى‭ ‬عليه‭. ‬ولكن‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬لن‭ ‬ينزلق‭ ‬لحرب‭ ‬شاملة،‭ ‬تأكل‭ ‬الاخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬ولا‭ ‬فائز‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬مهزوم،‭ ‬وأن‭ ‬الأمور‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لحافة‭ ‬الهاوية‭ ‬دون‭ ‬السقوط‭ ‬فيها‭.‬