إنهــا مصـــــــر

«حُماة الوعى»

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

القوة الناعمة هى مزيج من الحضارة والثقافة والفنون والآداب المصرية، ومكوناتها عظمة الفراعنة وعناق المسيحية والإسلام على ضفاف النيل، تحت ظلال التسامح والمودة والتلاحم والانسجام المجتمعي، بينما قوة التطرف الخشنة التى استعرضها الإخوان فى حكمهم كانت خلطة شيطانية مشتقة من عقائد متشددة وأفكار ظلامية.


القوة الناعمة فى الفن ترقى بالنفس وتهذب السلوك، وتنمى لدى الإنسان القيم الجمالية، وتجعله قادراً على الاستمتاع بما حوله، وذا حس مرهف وخيال مبدع، وتخفف قسوة الحياة من حوله.


القوة الناعمة هى الروح فى الجسد، وتمنحه تيارات دافئة من الشعور بالحياة وما تحتويه من مظاهر الجمال والإبداع والخلود، فتتحول الأشياء إلى خيال إبداعى يتدفق بالحيوية والنشاط.


القوة الناعمة فى الثقافة هى نهر يتدفق فى الصفحات والكلمات والمعاني، فيضفى عليها الوعى والإدراك والاستيعاب، والتجانس بين الأفكار والحضارات، فيأخذ المتلقى أجمل ما فيها، بعيداً عن التعصب والإقصاء.


المثقفون المصريون هم عصب القوة الحريرية المصرية، وحسب تعريف «جوزيف باي» نائب وزير الدفاع فى عهد كلينتون ومخترع نظرية القوة الناعمة «أصحاب الجذب والإعجاب والضم، دون اللجوء إلى القوة كوسيلة للإقناع، وأصحاب القوة المعنوية الروحية القادرون على التفاعل والتأثير».


ثقافة مصر هى عصارة وعى أدبائها العظام، وطابور طويل من المثقفين والأدباء والشعراء وعظماء الفكر الذين يتجاوز عددهم عناصر الإخوان وتنظيماتهم المتطرفة.


مصر فى أمسِّ الحاجة لأن تنفض التراب عن الذهب، وأن تستعيد ثقافتها وحضارتها وفنونها وآدابها، وأن تحمى شعبها بسياج آمن من الوعى واليقظة، ووقف محاولات تجريف قوتها الناعمة، واستبدالها ببذور صحراوية لا تنبت فى الأرض المصرية.


مصر لا تنفع معها ثقافة الكهوف والخيام، ولا إهانة المثقفين لصالح المتطرفين، ولا إجهاض بوادر الإبداع، وإنما إضاءة مشاعل التنوير، والانفتاح على كل الثقافات والحضارات، والابتعاد عن التعصب وضيق الأفق.


أم كلثوم - مثلاً - كانت شعلة متقدة، تغذى الضمير الوطنى بالدفء والحماس، وما زالت أصداء صوتها تستصرخ فينا حلم العودة إلى الأمجاد، فهى التى غنت «مصر التى فى خاطرى وفى فمي، أحبها من كل روحى ودمي» بعد قيام ثورة يوليو، وحين تعرّض عبد الناصر لمحاولة اغتياله من قبل جماعة الإخوان فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، سارعت بتسجيل أغنية «أجمل أعيادنا الوطنية بنجاتك يوم المنشية».


وطوابير طويلة من الأدباء والشعراء والمثقفين والفنانين شكلوا حائط صد قوياً من «حماة الوعى» والمدافعين عن الحضارة والثقافة والفنون والمبادئ والأفكار والأخلاق وغيرها من أدوات الردع المعنوي، وتحولت البلاد إلى سجادة نار تحت أقدام الذين حاولوا طمس الهوية الوطنية أو تذويبها، وانهزمت ثقافة الكهوف.


وارتفع علم مصر كنموذج للوعى فوق الرايات السوداء لجماعات الإرهاب والتطرف، ورسمه المصريون بألوانه الأحمر والأبيض والأسود على وجوههم وزينوا به ملابسهم واحتضنوه فى قلوبهم، بينما قوبلت راياتهم السوداء بمشاعر الكراهية والاستنكار والاستهجان.