المفكرون والخبراء: المعجم التاريخى.. حلم طال انتظاره| تقرير

المفكرون والخبراء: المعجم التاريخى.. حلم طال انتظاره
المفكرون والخبراء: المعجم التاريخى.. حلم طال انتظاره

تعد العربيّةُ من أطولِ اللغات العالميّة عُمْرًا، وأوسعِها مُعجَمًا، وأروعِها بيانًا، إلاّ أنّها كانت بحاجة إلى معجم عربى كبير يتتبع تطور مفرداتها ويُؤرّخُ لجميع جذورِها وألفاظِها، وظل هذا الحلم يراود الكثيرين من علماء اللغة حتى أطلق مؤخرا الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى للاتحاد بدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة، المجلدات الـ17 الأولى من «المعجم التاريخى للغة العربية»، هو المشروع اللغوى الأعظم الذى يؤرّخُ للمرة الأولى لمفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً ماضية، وقد اشتركت فى تنفيذه العديد من المجامعَ والمراكزَ اللغويّة تحت مظلة اتّحاد المجامع اللغويّة العربيّة بالقاهرة، وكان لمجمعِ اللغة العربيّة بالشارقة التنسيق والتنفيذ.. وللتعرف على مميزات وأهمية المعجم التاريخى وأبعاد ذلك الإنجاز أجرينا هذا التحقيق.

فى البداية، يؤكد الناقد الكبير د. محمد عبدالمطلب أستاذ بآداب عين شمس أن المعجم التاريخى للعربية ذو أهمية كبيرة جدا، حيث يتناول المصطلحات والمفردات العلمية والأدبية، ومختلف الفنون والعلوم، وعندما أنشئ مجمع اللغة العربية عام 1932 فى مصر، كان هدفه الأساس هو إصدار معجم تاريخى للغة العربية، أى السيرة الذاتية للغة العربية، وظل ذلك حلما لم يتحقق حتى قام الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمى بإصدار المجلدات الـ17 الأولى من هذا المعجم، وهو المشروع اللغوى الكبير الذى يؤرّخُ للمرة الأولى لمفردات لغة الضاد، وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً ماضية، وهذه خطوة مهمة فى الحفاظ على اللغة العربية، لأن المعجمات العربية القديمة جميعها توقفت عند مرحلة الاحتجاج أى 150 عاما بعد الرسول «صلى الله عليه وسلم»، ومن ثم لا يوجد معجم بعد هذه المرحلة، لهذا انطلق «المعجم التاريخى للغة العربية»، الذى يعتبر خدمة جليلة للوطن العربى وأحب أن أحيى حاكم الشارقة أمير الثقافة العربية على هذا الجهد.


حدث تاريخى
أوضحت الأديبة د. غراء مهنا أستاذ الأدب الفرنسى بآداب القاهرة أن تدشين المعجم التاريخى، هو بلا شك إنجاز ثقافى، وحدث تاريخى مهم شاركت فيه 10 مجامع عربية تحت إدارة مجمع الشارقة، فقد كنا بحاجة إلى معجم يؤرخ لجميع جذور وألفاظ اللغة العربية ويتتبع تحولاتها وتطور مفرداتها، مضيفة أن هذا المعجم يفوق كثيرا من المعاجم فى بلاد العالم المختلفة، وسنذكر على سبيل المثال معجم تاريخ اللغة الفرنسية، الذى أشرف عليه Alain Ray وعمل عليه ٣٠ عاما، وصدر عام ١٩٩٢ وأضاف اليه، طبعة جديدة صدرت عام ٢٠١٦.أشارت إلى أن معجم الشارقة يؤرخ لمفردات اللغة وتحولاتها واستخداماتها منذ ١٧ قرنا أى منذ العصر الجاهلى بينما يقدم المعجم الفرنسى تاريخ اللغة خلال ١٠ قرون يشتمل على ٦٠ ألف كلمة، واستخداماتها وتطورها عبر العصور، وبينت د. غراء أنه يوجد موقع إلكترونى رسمى لمعجم الشارقة، ونسخة إلكترونية من المعجم الفرنسى، وبالمقارنة نجد أن موقع الشارقة ينفرد باحتوائه على الكتب والعناوين التى تم الاعتماد عليها لكتابة المعجم «حوالى ٢٠ ألف مرجع ومصدر ووثيقة ونقوش وآثار»، ويشتمل المعجم الفرنسى على مقالات عن تاريخ اللغة الفرنسية واللغات التى تأثرت بها، ويتميز معجم الشارقة بتقديم نشأة العلوم والفنون وعلوم اللغة من نحو وصرف وفقه لغة وصوتيات وعلوم بلاغة وعروض، والفرق بين هذين المعجمين هو الفرق بين لغتين: فتاريخ اللغة العربية يرجع إلى ١٨ قرنا مضت بينما يعود تاريخ اللغة الفرنسية الى أكثر من ٨ قرون.


إنجاز عظيم
من جانبه، أكد الناقد الكبير د. يوسف نوفل أستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس وعضو المجمع العلمى أن رعاية الشيخ د. سلطان القاسمى حاكم الشارقة، وضمن ريادته المثمرة للحركة الأدبية واللغوية والثقافية بعامة أسفرت عن إصدار مجمع اللغة العربية بالشارقة ١٧ جزءا من المعجم التاريخى، فبعث الحياة فى أمل ظل يراود عشاق العربية منذ القرن الماضى، وذلك حين حاول المستشرق الألمانى «أوجست فيشر»، نشر ما أنجزه آنذاك، لكن المنية وافته حالت دون ظهور جهوده، ثم تم نشر بضع صفحات منها وضاع الباقى ومضت السنوات حتى انتقلنا إلى قرن جديد مع ذلك الحلم لدى عشاق الضاد حتى تم هذا الإنجاز العظيم بمجمع اللغة العربية بالشارقة، لتعميم الفائدة العظمى لهذا المعجم: جذور المفردة وتاريخها واستعمالاتها وتطورها عبر الحقب والعصور فى مقابل المهمل منها، وتم ذلك الجهد بالرجوع إلى المصادر من: اللهجات والنقوش وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث الشريف والبلاغة والتاريخ والسير وغيرها، وقد ملأ هذا الإنجاز العظيم فراغا فى مجالات الثقافة والمعرفة واللغة والأدب والتاريخ، والأهم أنه أكد تجذر اللغة العربية فى التاريخ القديم فى المنطقة العربية التراثية وأكد بالتالى تجذر الهوية العربية فى مواجهة أى غزو أو عدوان عليها.


قال الناقد المتميز د. شريف الجيار، أستاذ النقد والأدب المقارن، ورئيس قسم اللغة العربية، بآداب بنى سويف إن المعجم التاريخى للغة العربية، الذى أنجزته إمارة الشارقة، برعاية الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمى يعد واحدًا من أهم الإنجازات الثقافية والمعرفية والحضارية، التى تقدمها الشارقة إلى عالمنا العربي، ولكل مهتم بلغة الضاد فى الأكاديميات والمؤسسات الأكاديمية والعلمية والتعليمية فى العالم، فهو إنجاز علمى جاد، وإضافة معرفية تؤرخ لتطور مفردات اللغة العربية، وتحولاتها، وتؤرخ لجميع جذورها وألفاظها، عبر 17 قرنًا من الزمان، تمثلت فى 17 جزءًا، فهذا عمل موسوعى مؤسسى ضخم، يستحق الإشادة؛ لأنه يمثل إضافة حقيقية، تستكمل ما خلَّفه العلماء العرب القدامى، عبر عقود مختلفة.


عيد للثقافة العربية
فى الختام، تقول الناقدة المتميزة د. أمانى فؤاد: يعد تدشين المعجم التاريخى للغة العربية فى صورتيه: الورقية والرقمية من الأحداث الثقافية المهمة فى معرض الشارقة للكتاب فى أحدث دوراته، ففى كل اللغات الحية العالمية هناك حرص من المتحدثين بها على رصد تاريخ لغتهم ومفرداتها، كيف بدأت المفردة ومعناها، والتطورات التى لحقت بالمعنى فى رحلة الزمن وتغير مراحله نتيجة للمعطيات المحيطة بالظاهرة اللغوية، ويشكل صدور 17 جزءا من هذا المعجم الذى انتظرته اللغة العربية عيدا للغة وللثقافة، حيث يوفر هذا المعجم التاريخى منظومة معرفية ودراسية ممتدة، تمكّن الباحثين من معرفة التطورات التى لحقت بالعربية منذ ما قبل العصر الجاهلى وما بعده، من خلال الشعر والنثر الذى وصل إلينا من تلك المراحل والتطورات التى لحقت بالمفردات، ثم بعد ظهور القرآن الكريم كيف تغيرت معانى مفردات اللغة، وماذا استجد عليها، ثم التطورات التى حدثت باللغة بعد حركة الفتوحات بعد استقرار الإسلام ودولته، وكيف أثرت هذه الفتوحات فى إضافة حصيلة من المفردات من لغات الأمصار التى فتحت، وتم ضمها إلى العربية، ويحسب لأمير الشارقة.. المثقف العربى حرصه على توفير كل الإمكانات لرفعة اللغة العربية لكونها أهم مقومات الهوية، ونثمن له مبادرة إنشاء اتحاد المجامع العربية الذى قام على إعداد هذا المعجم، وتبنيه لمشروعات ثقافية كبيرة تنهض باللغة عماد الثقافة العربية ولغة القرآن الكريم، كما يحسب للعلماء المصريين جهدهم الدؤوب الذى بذلوه، ولم تزل جهودهم ممتدة لاستكمال أجزاء هذا المعجم عظيم الشأن اللغوى والثقافي، ويقوم على هذا العمل المعرفى اللغوى الجاد أكثر من خمسين باحثا، لا يألون جهدا فى الجمع والبحث فى أصل المفردات التاريخى ورصد المتغيرات، ومن المنتظر أن يصل هذا المعجم إلى خمسين جزءا.

أقرا ايضا | القاسمى يطلق 17 مجلدًا من «المعجم التاريخي للغة العربية»

رئيس مجمع الخالدين: ضرورة يفرضها التطور العلمى للغات

يقول الناقد الكبير د. صلاح فضل رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة: المعجم التاريخى كان ضرورة تفرضها طبيعة التطوير العلمى لجميع اللغات منذ بداية القرن الماضى حيث وضعت جميع اللغات العالمية الحية لغاتها موضع البحث لرصد تطوراتها الصوتية والصرفية والمعجمية باعتبارها كائنات حية تخضع للنمو والتطور، ومنذ أن فكر الرعيل الأول من علماء العربية المحدثين عام 1932 بإنشاء مجمع اللغة العربية جعل من أهدافه الأولى إعداد معجم تاريخى للعربية، وشرع بعضهم فى تنفيذ ذلك بالفعل، ولكن صعوبات العمل اليدوى

 

فى ذلك الوقت، وصعوبة العربية، وطول عمرها، كل ذلك كان حائلا دون تحقيق هذا الحلم حتى جاءت مبادرة الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة بتبنى هذا المعجم بالتعاون مع اتحاد المعاجم العربية وبخاصة معجم اللغة العربية بالقاهرة، ومع التطور الرقمى الذى حل مكان العمل اليدوى أصبح العمل يجرى انجازه بسرعة كبيرة، حيث تم إنجاز 17 جزءا من المعجم التاريخى فى 3 سنوات فقط، فالمعجم التاريخى وضع الأساس لتنمية الفكر اللغوى، فتحية للعلماء الذين قاموا بهذا

العمل العظيم وبارك الله فى الراعى.